الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كانت الأحداث التي شهدها عام 2015 اقتصاديا حول العالم قاسية بشكل كبير مما جعل التوقعات لعام 2016 وما بعده شديدة التشاؤم ومليئة بالسوداوية. للتذكير السريع بتلك الأحداث فقد كان النفط قد واصل انخفاضه المؤلم وانتشرت أزمات الديون في أوروبا وتحديدا من اليونان وتذبذبت المؤشرات الاقتصادية في أمريكا مما دفع بالاحتياطي الفدرالي الى رفع الفائدة مرة واحدة فقط نهاية العام. الحدث الأكثر تأثيرا كان تراجع النمو الصيني الذي كان دافعا للحركة الاقتصادية في العالم لعدة سنوات وتراجع البورصات العالمية بشكل مخيف فيما عرف بأغسطس الأسود.
بداية 2016 صبت في مصلحة المتشائمين فاستمر النفط في تراجعه مسجلا مستويات متدنية هي الأقل في 13 سنة وشهدت أسواق الأسهم موجة انخفاض كانت أسوأ أول أسبوعين في التاريخ. أما اليوم فقد أصبحنا نعرف أن ذلك كان قاع التراجع لأن كل شيء تغير بعد ذلك في الاتجاه المعاكس فقد تماسكت أسعار النفط واستقرت كما عادت مؤشرات الأسهم للارتفاع بل وسجلت مستويات تاريخية عدة مرات.
في الشرق الأقصى، تمكنت الصين من السيطرة على الاقتصاد ومنعه من الانهيار عبر عدة إجراءات ساهمت في تماسك البورصة والاستمرار في تنفيذ السياسات الاقتصادية ضمن معدلات النمو المقبولة بين ٦.٥ و٧٪. وعلى عكس كل التوقعات لم تصدر مؤشرات سلبية من الصين تغير في مجرى الأحداث بشكل جذري وهو ما أعطى ثقة جديدة بالصين واقتصادها حتى إشعار آخر.
أوروبيا، لم تنتهي أزمة الديون اليونانية وجولات الكر والفر للحصول على حزم الإنقاذ، لكنها فقدت زخمها وأخذت حجمها الطبيعي بما يتناسب مع موقعها غير المؤثر داخل الاتحاد الأوروبي فأصبحت أزمة محلية وليست عالمية ولا حتى أوروبية. في الوقت نفسه استمر المركزي الأوروبي بتنفيذ برنامج شراء السندات والتيسير الكمي والذي كانت نتائجه ليست سيئة لكنها بطيئة ولا توحي بالقدرة على عودة الافتصاد الى التعافي الكامل قبل التعامل مع الأزمات المستجدة التي أتت على غير المتوقع. صوتت غالبية الشعب البريطاني منتصف العام لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي منهية الجدل المستمر والمتكرر حول فائدة الاتحاد لبريطانيا. تم حسم الموضوع رغم أن التنفيذ بقي معلقا إلى حين الانتهاء من وضع الاتفاقيات اللازمة موضع التنفيذ. من إيطاليا أيضا جاءت مستجدات تتعلق بصعوبات مالية تواجهها المصارف وحاجتها للإنقاذ.
في العام القادم لا يمكن توقع الكثير اقتصاديا في أوروبا لأن عدة دول ستشهد انتخابات على رأسها ألمانيا وفرنسا ومع كل المفاجآت السابقة قد تأتي نتائج تلك الانتخابات أيضا بمتغيرات قوية تغير من المشهد الأوروبي. في موازاة ذلك، على الاتحاد الأوروبي انتظار الإشارة البريطانية لبدء مفاوضات الخروج وهو ما سيأخذ وقتا وجهدا وسيستمر لسنتين على الأقل.
المفاجأة الكبرى على كل المستويات كانت فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد كل الجدل الذي أثاره في تصريحاته خلال حملاته الانتخابية. كنّا نقرأ تحليلات قبل الانتخابات بأنه في حال فاز ترمب فإن أسواق الأسهم ستخسر ما لا يقل عن ١٠-١٥٪ وستكون ضربة قاسية للاقتصاد. الذي حصل فعليا أنه وفور إعلان النتائج تراجعت الأسواق بشدة لكنها تعافت في أقل من ٢٤ ساعة واستمرت تسجل مستويات تاريخية متتالية على مدى الأسابيع اللاحقة. كلام ترمب الاقتصادي بعد فوزه ظهر مختلفا ومبشّرا. فقد تحدث عن دعم التجارة والصناعة ونيته إعادة النظر في الرقابة على الاقتصاد لتحريره ودفعه إلى النمو. ما زال الوقت مبكرا للحكم على عمله وهو لم يستلم منصبه رسميا بعد، لكن الإشارات التي أطلقها ونوعية فريق عمله الذي اختاره توحي بأنه سيكون مُصلحا اقتصاديا مهما في هذا الوقت العصيب في عمر الاقتصاد العالمي.
بإجراء مراجعة شاملة للأحداث الاقتصادية في ٢٠١٥ و ٢٠١٦ فإنني أرى أن الضبابية انتهت تماما والأسواق تأقلمت مع كل المتغيرات التي حصلت وأيضا مع المتغيرات المحتملة. فعلى سبيل المثال كنّا نقلق من تصويت اسكتلندا على الانفصال عن بريطانيا لنواجه فيما بعد انفصالا فعليا لبريطانيا عن أوروبا. من ناحية أسعار النفط، وحتى قبل اتفاق أوبك على خفض الانتاج، رأينا أن توقعات الانهيار الى سعر ١٠ دولارات للبرميل بقيت حبرا على ورق البنوك الكبرى وعادت كلها لتضع توقعات مختلفة للمستقبل.
لم نصل بعد إلى مرحلة يمكننا أن نصفها بالتعافي الاقتصادي الكامل، لكنني أعتقد أننا نسير باتجاه ذلك وبشكل واضح جدا.
كل عام وأنتم بخير
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال