الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم يعد خافيا على أحد أن التستر سرطان ينهش الاقتصاد السعودي ويؤثر في جميع مكونات الدولة الإجتماعية الأمنية والثقافية والسياسية ، وأن الحرب عليه يجب أن تكون قوية وشرسة ولا تحابي أحدا ، لأن بعض المتسترين ممن يحسب لهم القانون حساب .
التستر جريمة يعاقب عليها القانون السعودي بالسجن والغرامة والترحيل لغير السعودي ، بالإضافة إلى إلغاء السجل التجاري للمؤسسة محل المخالفة ، والتشهير بالمتستر . العقوبات شديدة ورادعة لكنها غير مؤثرة في التستر بمنعه مطلقا أو حتى التخفيف منه ، والسبب يعود لصعوبة كشفه .
الإجراءات النظامية لكشف التستر عاجزة تماما حتى الآن عن الوصول للمخالفين وإيقاع العقاب بهم رغم وضوح بعض حالات التستر، لأنها تعتمد على أوراق نظامية يمكن لطرفي الجريمة إحضارها بكل سهولة. حتى المكافآت التي تقدم للمبلغين عن التستر لم تساعد على حل المشكلة ولا أظنها سوف تساعد على ذلك، قد ترفع من عدد البلاغات نعم لكنها لن تؤدي لكشف التستر. وجولات وزارة التجارة التفتيشية قد تكشف بعض حالات التستر البارزة جدا والصغيرة لكنها حل ضعيف كذلك ، بسبب قلة عدد المراقبين وصعوبة إثبات التستر بتلك الزيارات أصلا.
لا أظن أي من الإجراءات السابقة سيكون له أثر حقيقي على التستر ، واعتقد أن المعاملات المالية التجارية إذا تم ضبطها بالنظام المصرفي بنسبة عالية فستكون الخطوة الأهم في كشف التستر . وهذه الخطوة التي أعلنت عنها وزارة التجارة تتطلب درجة عالية من التنسيق والتعاون بين المالية والتجارة والبنوك . وإذا ما استطاعت أن تحصر معظم المعاملات المالية التجارية ضمن النظام المصرفي الرسمي فسوف تضيّق الخناق على المتسترين والمتستر عليهم.
وأهم تلك التعاملات المالية بين صاحب المؤسسة والموردين وأصحاب الخدمات ، وعلاقته المالية المصرفية بالعمالة . وإيداعاته البنكية ومقدار ثروته نسبة إلى رأس مال المؤسسة التي يملكها ودخلها السنوي المتوقع . وحجم تحويلات العمالة على كفالته ، بل المستوى المعيشي الذي يعيشونه ونسبة صرفهم مقارنة بمقدار دخولهم المفترضة ، بنظام (من أين لك هذا ؟) المعاملات المالية تظهر بوضوح من المتحكم في المؤسسة ودخولها .
واعتقد أن مجرد معرفة المتستر بحجم دخل مؤسسته التي لا يصله منها إلا الفتات ، تلك المعلومة وحدها تكفي لأنه تفضح الكثير من حالات التستر ، من باب (ماشافوهم وهم يسرقون شافوهم يتهاوشون على السرقة).
لكن الأهم من ذلك برأيي هو تفتيت دوائر الإحتكار من جنسية واحدة لنوع من التجارة والخدمات ، لأن ذلك الإحتكار برأيي يصعّب كثيرا من كشف التستر أولا ، لأن ضبط الحركة المالية والسلعية والخدمية ضمن حلقة الإحتكار الواحدة يكون مستحيلا ، فقد وصل الأمر لوجود نظام مصرفي بديل ضمن تلك الدوائر يستطيع تحريك الأموال داخليا بين نقاط العمل ونقلها خارجيا دون أن تمر على النظام المصرفي الرسمي ، أو تمر بنقاط لا تكشف التستر مطلقا .
كما إنه في حالات كثيرة يُجبر المواطن على التستر لاستحالة نجاح تجارته في ظل ذلك الإحتكار الخانق . ويعرف الجميع أن أنواع معينة من تجارة التجزئة وأنواع من الخدمات يصعب جدا بل قد يستحيل أن يملك فيها سعودي عمله بنفسه ، وأن النسبة العظمى من السعوديين في تلك الأنواع من التجارة والخدمات مجرد متسترين تحت نظر الجميع وسمعهم .
لكل ذلك مالم يتم تفتيت إحتكار جنسيات محددة لأعمال محددة فإن كل إجراءات مكافحة التستر لن تؤتي أكلها ولن تؤثر فيه .
أخيرا يجب البدء بتطبيق عقوبات التستر على بعض كبار التجار والمتنفذين الذين يديرون جزءا مهما من أعمالهم ضمن إطار التستر أو بما يخدم التستر بدعم دوائر الاحتكار ، خصوصا الحالات الواضحة والمفضوحة منها .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال