الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحدثتُ في المقال السابق عن السلوك البشري في جانب الانتاج واهميته في النشاط الاقتصادي رابط المقال فضلا أضغط (هنا)، واليوم سأتحدث عن الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية عن ذلك وهو الطلب الاستهلاكي والذي يمثله المستهلكون من أفراد وحكومات ودوره في الاقتصاد الكلي وهل له تأثير مباشر بالتضخم؟
لم تأت نظرية اقتصادية تفصل في ذلك كما أتت به النظرية الكنزية ولعلنا نتذكر في هذا الصدد مقولة كينز الشهيرة عندما قال مازحا: لا بأس أن تهدم الحكومة إحدى ضواحي لندن وأن تعيد بناءها من جديد فقط من أجل إيجاد فرص عمل، وهو ما يؤكد من خلال نظريته بأن استهلاك الأفراد والاستثمارات والمدخرات لها تأثيرات كبيرة في النمو الاقتصادي، من خلال التأثير في الإنفاق الكلي وربطه بنمو الإنتاج الكلي وهكذا تستمر الدائرة الكينزية، أي أن تحفيز الطلب الاستهلاكي هو الحل السحري كما يراه كينز لأي أزمة اقتصادية عميقة.
من هنا يعتبر الاستهلاك بمفهومه الكلي الذي يشمل نفقات الأسرة والأفراد والحكومات على السلع والخدمات، أحد أهم العوامل الرئيسية في نمو الناتج المحلي الإجمالي بل إنه أحد أهم مكوناته، بيد أن ارتفاع الطلب الاستهلاكي خلال أزمات التضخم من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التضخم وتآكل المدخرات نتيجة لارتفاع الأسعار ومن ثم دخول الاقتصاد في حلقة مفرغة وهكذا دواليك! لذلك تبقى معالجة التضخم برفع أسعار الفائدة هي الحل المثالي شريطة الإبقاء على معدلات محدودة من النمو ومعالجة البطالة في ذات النسق، ومواصلة وتيرة الإنفاق عند مستويات مقبولة تحفز ذلك النمو.
من هنا تعتقد الكثير من النظريات الاقتصادية خلال الأزمات بأهمية المحافظة على نمو متحفظ للاستهلاك ومعالجة مشكلة البطالة خلال أزمات التضخم في حين يؤكد الكثير من الخبراء الاقتصاديين أيضا على استخدام مزيج متوازن من السياسات المالية والنقدية ودعم برامج الاستثمار بكافة أشكاله وفك أي اختناقات اقتصادية مؤثرة على التضخم كالأزمات والحروب وتعطل سلاسل الإمداد وتشغيل مستويات التوظيف الكامل عند أعلى مستوياتها.
هذا على مستوى الاقتصاد الكلي لكن ما هو الحال على مستوى الاقتصاد الجزئي؟
مع استمرار موجة التضخم من المهم أن نشير إلى أهمية الاستهلاك الرشيد أي الاستهلاك العقلاني فالإنسان منذ ولادته إلى وفاته وحاجاته ورغباته الاستهلاكية متعددة ومتنوعة ومتجددة ولا نهائية وهي طبيعة بشرية ملازمة للإنسان ونشأت بسببين الأول: الضرورة وهي ما تمكنه من العيش والحياة، والثانية الرغبة في التملك والشراء وفي كليهما لا بد من توفر القوة الشرائية.
ينظر الاقتصاد إلى استهلاك الأفراد من منظور الحاجة والرغبة فالحاجة هي ما لا يمكن الاستغناء عنه كالأكل والشرب والدواء والملابس والسكن أما الرغبة فهو ما ترغب به من سلع وخدمات ولكن ليس لديك القوة الشرائية لكنه يفصل في ذلك على أساس الأولويات ووحدات الإشباع المطلوبة مما يعني أن التخطيط المثالي لعمليات الشراء وفق الحاجة أولاً هي التوجه المثالي لكافة المستهلكين برشد ، كما انه من الأهمية بمكان النظر جدياً في كيفية إدارة الاستهلاك خلال أزمات التضخم ومنها على سبيل المثال : تقليل تناول الطعام خارج المنزل ، التخطيط الجيد عند قيادة المركبات وفقاً للأهمية وخيارات المسار حسب المواقع المناسبة ، إدارة الاشتراكات الشهرية وفق أهمية استخدامها ، عدم اقتراض الأموال الاستهلاكية ، الاستفادة من السلع البديلة التي تكون أسعارها اقل من السلع الاصلية ، الاستفادة من التخفيضات الحقيقية مع مراعاة جودتها وصلاحيتها الاستهلاكية ، الشراء من أماكن الجملة للسلع طويلة الاجل والتي عادة ما تكون أسعارها معقولة او كمياتها اكثر.
محمل القول : لا شك بأن الاستمرار في التشديد الكمي في السياسات النقدية في الاقتصاد الكلي سيقوض التضخم لكنه يؤثر أيضا على الاستهلاك الكلي مع أهميته للنمو الاقتصادي حيث تميل الكثير من النظريات الاقتصادية والمنظمات الدولية إلى تحفيز الاستهلاك والاستثمارات والإنفاق لتنشيط العمليات الإنتاجية، أما على مستوى المستهلكين الأفراد فعليهم التخطيط الجيد لعمليات الاستهلاك والتفريق الجاد بين الحاجة والرغبة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال