الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كتبت عدة مقالات سابقة عن أثر هبوط أسعار النفط على الاقتصادات الخليجية ووجوب اجراء تغييرات هيكلية للتعايش مع الوضع الجديد والحفاظ على إمكانية نمو الاقتصاد في المستقبل. التركيز في معظم الأحيان كان على الاقتصاد السعودي باعتباره الأكبر والأكثر تأثيرا في المنطقة خصوصا مع الإعلان عن رؤية 2030 التي تضع خارطة طريق طموحة للأعوام القادمة مع برامج تنفيذية على مراحل مختلفة.
تقوم وكالات التصنيف كل فترة بتقييم ائتماني لمختلف الدول وتعطي كل منها تصنيفا يتناسب مع نظرة الوكالة لمستقبل الاقتصاد في كل دولة. التصنيف نفسه يخضع لعوامل مختلفة لكن تفاصيل التقييم تعطي انطباعا عن التوقعات المستقبلية وجدية العمل مع ربطه بالمخاطر المُحتملة.
في بداية هبوط أسعار النفط تسابقت وكالات التصنيف على التحذير من المستقبل في حال لم تقم الدول الخليجية بإصلاحات مالية واقتصادية تمكنها من الموازنة بين مصروفاتها والإيرادات النفطية المنخفضة. والآن بعد مرور حوالي سنتين من الهبوط الحاد في اسعار النفط بدأت تصدر تقارير جديدة تعيد النظر في التحذيرات السابقة.
هناك ثلاثة نماذج شهدت مؤخرا تصنيفات وتقارير مختلفة اعتقد انها تعكس طبيعة العمل في كل منها. السعودية والإمارات وقطر. الدول الثلاث تعتبر الأنشط دوليا من الدول الخليجية في مجال الاستثمار وأسواق الائتمان لذلك يتناولها الاعلام اكثر من غيرها عندما يتعلق الأمر بالنظرة المستقبلية للاقتصاد.
في السعودية، تذكر التقارير الاخيرة جدية الحكومة في الإجراءات الإصلاحية ماليا واقتصاديا وتغيرت النظرة من سلبية الى مستقرة تميل للإيجابية نظرا للنتائج السريعة في السيطرة على الموازنة والعجز بالاضافة الى متانة القطاع المصرفي والقدرة على إصدار سندات دولية بإقبال كبير مما يعطي انطباعا إيجابيا مهما لجذب الاستثمارات والاستمرار في تطبيق الإجراءات المخطط لها.
أما في الامارات، يذكر تقرير موديز الأخير ان التنويع في الإيرادات ساهم بشكل كبير في تقليل أثر انخفاض أسعار النفط بالاضافة الى المبادرات المتواصلة للحكومة الاتحادية وحكومتي ابو ظبي ودبي التي تدعم النظرة الايجابية المستقبلية. كما واصلت الامارات جذب الاستثمارات الأجنبية في مختلف القطاعات وحافظت على موقعها كواحدة من أكثر الدول تحفيزا للأعمال وسهولتها.
في قطر، وأركز عليها أكثر لأن النتائج مختلفة، كان النموذج المعاكس خليجيا حيث تم تخفيض التصنيف الائتماني في تقرير موديز مع التحفظ على عدة أمور قد تشكل عوائق مالية مستقبلا أهمها ارتفاع الدين الخارجي بشكل يفوق مستوى الناتج القومي. بالاضافة الى ذلك فإن الزخم الاقتصادي الذي جاء مع فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022 قد انخفض بشكل كبير عن السابق حيث أن التوقعات كانت باتجاه القيام بمشاريع كبيرة تحرك الاقتصاد في السنوات السابقة لكأس العالم وهو ما لم يحدث.
الفرق في النموذج القطري أن وضعه حسب التقارير متراجع في الوقت الذي بدأ يظهر الاستقرار على الاقتصادات الخليجية الأخرى. الدول الثلاث المذكورة أعضاء في أوبك وشاركت في اتفاقيات خفض الانتاج للسيطرة على أسعار النفط لكن ذلك وحده لا يكفي اذا لم يترافق مع اجراءات اقتصادية ومالية أخرى.
في العقد الأخير وقبل هبوط أسعار النفط كانت المؤسسات الحكومية الكبرى في قطر تستثمر خارجيا بشكل قوي وبمبالغ ضخمة. اشترت أسهما في شركات عملاقة وعقارات في مدن رئيسية حول العالم. تذكر التقارير الصادرة مؤخرا أن الأصول القطرية كبيرة وجيدة لكن المشكلة هي في زيادة الدين الخارجي والأخطر هو احتمالية ارتفاعه مستقبلا للقدرة على توفير السيولة. كما أن زيادة الديون مع تخفيض التصنيف الائتماني وارتفاع أسعار الفائدة المتوقع سيزيد أيضا من كلفة الدين.
تقرير موديز لا يرى مشكلة حتى الان في قدرة قطر على سداد مستحقات الدين مستقبلا لكن ذلك يتطلب اجراءات اقتصادية وإصلاحات لمنع تفاقم المشكلة. مصادر قوة الاقتصاد القطري هي في اصوله الكبيرة ونقاط ضعفه الأساسية بالاضافة للدين الخارجي المرتفع هي في مستوى الشفافية المالية الذي بحاجة للتطوير مما يجعل النموذج المتبع في قطر، وايضا حسب التقرير، غير قابل للاستمرارية.
نتمنى أن تكون هناك إصلاحات اقتصادية في الاقتصاد القطري بشكل سريع كما يحصل قي الدول الخليجية الأخرى مما سيساعد في الاستقرار الاقتصادي في المنطقة ككل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال