تطوير أسلوب معالجة الاقتصاد

بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التدخين، قام الدكتور توفيق الربيعة وزير الصحة السعودي بإلغاء حملات الوزارة لمكافحة التدخين. إلغاء الحملة الدعائية سيوفر تكاليفها التي سيتم توجيهها للمساهمة في علاج المرضى الذين يعانون أمراضا سببها التدخين، وكذلك دعم عيادات الإقلاع عن التدخين وبرامجها. التغير النوعي في خطاب وزارة الصحة التقليدي هو استجابة لمتغيرات العصر وتعظيم للعائد والمنافع المرجوة من الإنفاق الحكومي. فحملات التوعية باتت محدودة التأثير، بينما كان للفيديو الذي بثه الوزير استجابة واسعة لدى مختلف الجهات. وكذلك هي عملية النهوض بالصحة العامة للوطن كما بلورتها “رؤية 2030” أكبر من مجرد الدعاية والعلاج.

هذه التجربة يجب أن تعمم على جوانب عمليات تحقيق أهداف “الرؤية” كافة لتحديث الاقتصاد. فنحن في حاجة إلى نظرة حكومية شاملة لجميع جوانب الاقتصاد، بدءا من الموازنة وكفاءة الإنفاق الحكومي، مرورا بالعوائد النفطية وحتى تنمية القطاعات الواعدة وتخفيف الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل. فتتغير الطريقة التي يتم اعتمادها لسن القوانين، بحيث ينظر في جميع أبعاد القرار وتأثيراته في مختلف الجهات. فلكل قرار تفاعلات متعددة ومتداخلة تعمل معا في الوقت نفسه. فعلى سبيل المثال، نجد أن قرار الحكومة بوقف الصرف على المشاريع في منتصف العام الماضي وإعادة مراجعة خططها أثر بشكل كبير في وضع السيولة في الاقتصاد، الأمر الذي أدى إلى حالة من الركود والتباطؤ في الأسواق كافة. لكن رغم كل هذه السلبيات فإن للقرار أبعادا إيجابية أكثر نفعا ظاهرة وخفية.

الإيجابيات الظاهرة لعملية الضبط الواسعة تكمن في فرز المشاريع وأهميتها وأكثرها نفعا للاقتصاد والمواطن. ما سيعمل بالتأكيد على رفاهية المواطن متى كانت الخدمة المنفذة هي التي يحتاج إليها. ولكن في حال الإقدام على تنفيذ مشاريع بغض النظر عن الحاجة إليها لمجرد الاستمرار في اعتماد إنفاق حكومي توسعي لدعم الاقتصاد، فإن الأموال المصروفة ستذهب إلى جيوب أصحاب الموارد الأكثر، دون أن يشمل النفع جميع طبقات المواطنين. وبذلك يكون أهم الإيجابيات رفع كفاءة الإنفاق الحكومي وزيادة عدالته الاجتماعية. أما الإيجابيات الخفية فكانت في إعادة غربلة قطاع الإنشاءات والمقاولات ككل. الأمر الذي أدى إلى بقاء الشركات الأقوى وإعادة هيكلة نماذج أعمال الشركات المتضررة. كذلك عملت على تخفيف أعداد العمالة الوافدة المنخفضة التكلفة بسبب عدم الحاجة إلى أعمالهم، ما أدى إلى تخفيض الطلب الكلي وتراجع الأسعار في وقت بدأت فيه الحكومة في رفع الدعم، ما أسهم في الحفاظ على القوة الشرائية.

النظرة الشاملة لمكامن القوة غير المستغلة في الاقتصاد السعودي هي التي ستصنع الفرق. فالصناعات التحويلية قادرة على التوسع إلى مجالات أكثر تنوعا متى ما وفرنا لها مواد أولية إضافية. وكذلك يمكن رسم خريطة للواردات السعودية التي يستهلكها الأفراد، ويمكن توفير جزء من سلسلة إنتاجها محليا. كما يجب أيضا إعادة النظر في جميع الموارد المتاحة لدينا مالية كانت أو بشرية أو ثروات طبيعية، لتحديد هدفنا من المورد، خصوصا العمالة الرخيصة.
نقلا عن الاقتصادية