الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يمكن قياس جودة العمل الخيري اقتصاديا ، من خلال قياس العائد النفعي للعمل الخيري وحجم ما ينفق عليه ، وبالنظر في جدوى ذلك العمل ومدى الفائدة من الاستمرار فيه من عدمها أو إصلاحه بحيث يحقق الفائدة منه بحجم ما ينفق عليه . الأمثلة كثيرة التي يمكن أن نضربها للدلالة على الهدر المالي في الأعمال الخيرية، لكن ونحن في رمضان يأتي تفطير الصائم كأوضح مثال على ذلك الهدر المالي الذي بلغ حد التبذير المبالغ فيه .
بدون مقدمات عن تفطير الصائم ومكانته في الإسلام فالجميع يعرف ذلك ، لكن ما الذي يحدث في المساجد والجمعيات الخيرية القائمة على مشاريع تفطير الصائم ؟ لقد أخذت المساجد في التنافس على ما تقدمه لضيوفها حتى أنشأت أماكن دائمة خارج المساجد كصالات ضيافة ، وبعض المساجد أنشأت مطبخا ملحقا بالمسجد مخصصا لتفطير الطائمين بطباخين وعمال وخدمات ملحقة مكلفة جدا .
لكن الهدر الحقيقي يتم في وجبات تفطير الصائم المقدمة للصائمين ، فالسنة تمرات وماء ، لكن المساجد دخلت في مزايدات حتى أصبح تفطير الصائمين موائد أعراس كل ليلة تشمل (لحم ورز وسنبوسة وحلى وماء ولبن وتمر وقهوة وشاي وعصائر) وقد يضاف لها غير ذلك ، تكلفة كل ذلك للفرد الواحد لن يقل عن 20 ريال كحد أدنى.
وبفرض أن متوسط ما يفطر في المسجد 100 شخص فإن متوسط تكاليف الأفطار اليومي 2000 ريال لكل مسجد ، أي أن متوسط نفقات كل مسجد على تفطير الصائمين في شهر رمضان تصل 60000 ريال ، وفي المملكة أكثر من 94 ألف مسجد لنفرض أن 90 ألف منها سيقدم تفطير صائم ، فإن متوسط ما ينفق على تفطير الصائمين في شهر رمضان كل عام يصل إلى 5.4 مليار ريال ، خمسة مليارات وأربع مائة مليون ريال تُنفق في شهر واحد على وجبات تفطير صائم فقط دون حساب للتكاليف الأخرى من مقرات وكهرباء وخدمات أخرى كثيرة . المساجد على منابرها تحارب تحويل رمضان إلى شهر أكل وتخالف ذلك في ممارساتها .
وفوق ذلك معظم من يتم تفطيرهم ليسو بحاجة ذلك التفطير وهم قادرون على تفطير أنفسهم ، بل إنهم (يتفكهون) في المكان الذي يفطرون فيه ، فيتنقلون من مسجد لمسجد بسياراتهم للبحث عن أفضل إفطار ، ومعظمهم من العمالة المستغنية التي ليست بحاجة لمن يفطرها .
في حين أن الأطفال والنساء وكبار السن والمحتاجين في بيوتهم يُحرمون من كل ذلك إما لخجلهم من الحضور لمقار تفطير الصائمين التي أصبح مرتاديها من فئة معينه ، أو لإستحالة حضورهم كالنساء والأطفال والعجزة ومن ليس لديهم وسائل نقل ، وأولئك هم الأحوج والأحق بوجبات تفطير الصائمين .
أكثر من خمسة مليارات ريال تنفق في شهر على وجبات الإفطار تسيّل لعاب المطاعم والمطابخ التي تضع إعلانات على واجهاتها قبل رمضان بأيام بأن لديها وجبات تفطير صائم ، وهي تتفنن في ما تقدمه لتفوز بأكبر نصيب من تلك الكعكة الضخمة جدا ، ولا لوم عليهم فهم تجار يبحثون عن الربح . بل إن بعض المطاعم تمرر من الأطعمه الفاسدة في وجبات تفطير الصائمين مالا يمكنها فعله في أي شهر أخر .
في حين ليس للأسر المنتجة نصيب من كل تلك المليارات وهي الأحق من غيرها إن كان لابد من تلك النفقات على تفطير الصائمين ، ودعمهم يتسق مع جهود الجمعيات الخيرية .
ليس المطلوب إيقاف مشاريع تفطير الصائمين في المساجد ، لكن يجب تقنينها وقصر ما يقدم فيها على تمرات وماء وإن أضيف لبن فلا بأس ، أما أكثر من ذلك فإنه من الهدر الذي لا يقره دين ولا عقل ولا سلوك مالي سليم . والأموال التي تجمع في شهر الخير لها مصارف خير كثيرة جدا طوال العام ، وإن رغب أهلها في أن تكون في الإطعام فذلك ممكن ، فتفطير الصائمين من الأسر الفقيرة وذوي الظروف والحاجات هو الأفضل .
أن يستمر الهدر بهذا الشكل المخيف الذي لا يقتصر على المبالغ في الإنفاق بل حتى فساد وتلف كميات كبيرة جدا من الأطعمة التي تقدم في وجبات تفطير الصائمين إما لعدم وجود من يستفيد منها أو لسوء التعامل معها لأنها مجانية لا يرى لها المسفيدون المستغنون قيمة .
يجب إعادة النظر في نفقات العمل الخيري بشكل عام وتفطير الصائمين خصوصا فما يحدث فيها من الهدر المالي في غير محله .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال