الأربعاء, 7 أغسطس 2024

سياحة المناجم في المملكة .. اقتصاد وتنمية ورؤية مستقبلية

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

تتمتع المملكة بكنوز مدهشة تجذب الزوار لاكتشافها وخوض غمار تجربة سفر فريدة وأخذ نظرة على خريطة البلاد التي شهدت تطوراً كبيراً في العقود الأخيرة بفضل النهضة التنموية التي طالت كافة القطاعات والتطوير المتسارع في كافة مناطق المملكة التي تحظى بمواقع مليئة بإرث محفوظ وطبيعة خلابة هبة من الله ومنحة عظيمة للأرض المعمورة المباركة.

السياحة في السعودية لم تعد قاصرة على زيارة المشاعر المُقدسة وأداء الشعائر الدينية، فمناطق المملكة أصبحت عامرة بالأماكن الأثرية والفعاليات العالمية والحفلات الغنائية والترفيهية، فأينما تحط رحالك ثمة كنوز مدهشة تجذبك بروعتها وجمالها الفائق لتستكشف معها آفاق التراث والحضارة القائمة على أرض المملكة منذ آلاف السنين.

وقد شهدت السعودية في السنوات القليلة الماضية تطوراً لافتاً في أعداد المناجم التي حباها الله للمملكة في ظل طفرة كبيرة يشهدها قطاع التعدين الذي يُقدر حجم احتياطاته بنحو 5 تريليونات ريال، والذي يستأثر معدن الذهب بالعدد الأكبر من تلك المناجم بنحو 6 مناجم بلغ حجم إنتاجها عام 2020 من الذهب حوالي 435 ألف أونصة، وهو رقم مُرشح للارتفاع في السنوات القليلة المُقبلة، مع تدفق الاستثمارات في هذا القطاع.

اقرأ المزيد

وتبذل المملكة جهوداً كبيرة في تطوير سياحة المناجم واستغلالها اقتصادياً، بخلاف ما تُدره من دخل في الناتج المحلي الوطني، فتاريخ التعدين والمناجم في المملكة يعود إلى أكثر من 900 عاماً قبل الميلاد، كما أن نشاط المناجم استمر خلال فترة القرنين الثامن والتاسع الميلاديين في عهد الخلافتين الأموية والعباسية لاستغلال مناجم الذهب والفضة.

وقد بدأت أعمال التعدين والمناجم في عهد الملك عبد العزيز، حيث تم استغلال منجمي مهد الذهب وظلم في الفترة بين أعوام (1939 – 1954) و(1952 – 1954) على التوالي، حيث قامت نقابة التعدين العربية السعودية في عام 1939، باستخراج وتركيز معدني الذهب والفضة من منجم مهد الذهب، حيث استمر العمل هناك لمدة 15 عاماً، أُنتج خلالها ما يزيد على 900 ألف أوقية من الذهب، وأكثر من مليون أوقية من الفضة، أسهمت في دعم الاقتصاد الوطني وتوطين وتشغيل أبناء البادية في تلك المنطقة.

وتتميز جيولوجية المملكة بوجود منطقتين هامتين، الأولى، منطقة الدرع العربي وهي موازية للبحر الأحمر، وتغطي ثلث مساحة المملكة، وتُعد المنطقة الرئيسة التي توجد فيها معادن الذهب والفضة، ومعادن الأساس مثل النحاس والزنك، إضافة إلى بعض المعادن الصناعية. أما المنطقة الثانية، فهمي منطقة شرق الدرع العربي حيث تظهر فيها الصخور الرسوبية ذات الأعمال الجيولوجية المختلفة، وتحتوي على بعض المعادن الصناعية، وخاصة معادن البوكسايت والفوسفات.

وقد استمرت أعمال التنقيب عن المناجم التي تحتوي على الذهب ومعادن الأساس «النحاس والزنك»، والمعادن والصخور الصناعية، بغرض اكتشاف موارد جديدة، وتوفير أهداف ومعلومات جيدة للمستثمرين في مجال التعدين والمناجم في الدرع العربي، بالإضافة إلى البحث عن رواسب اقتصادية واعدة، سواء في الدرع العربي، أو في الغطاء الرسوبي للمملكة.

الدويحي
تتوزع المناجم في مناطق المملكة وأكثرها عدداً في مكة المكرمة بواقع (6) مناجم أبرزها “منجم الدويحي”، والذي يقع على بعد 180 كيلومتر شرق محافظة الخرمة، وعلى بعد 170 كيلومتر شمال شرق محافظة رنية، وعلى بعد 440 كيلو متر جنوب غرب العاصمة الرياض، وحوالي 125 ميلو متر جنوب شرق بلدة ظلم.

منجم الدويحي أحد المشاريع المشتركة لشركة “معادن” وشركة “هانوا” الكورية الجنوبية، وتم البدء في المشروع خلال عام 2013 وتم الانتهاء منه في عام 2016، بتكلفة استثمارية تصل إلى 1.2 مليار ريال، بهدف تشغيل المنجم الذي تتم فيه عمليات التصفية لفصل خام الذهب مباشرة. ومن المتوقع أن ينتج المصنع التابع للمنجم عند تشغيله قرابة 100 ألف أونصة من الذهب الصافي كمتوسط سنوي والذي يُعادل 1.6 مليون أونصة خلال العمر الافتراضي الأولي للمنجم.

مهد الذهب
وفي منطقة المدينة المنورة، هناك (3) مناجم كبرى أهمها على الإطلاق “منجم مهد الذهب” والذي يُعد أقدم منجم في المملكة وأهمها وأشهرها وهو يحتوي على خامات من الذهب والفضة والنحاس والزنك والرصاص، وهو أحد مشاريع شركة “معادن” التي تقوم بتطوير وتوسع المنجم لتبلغ طاقته الإنتاجية 200 ألف أوقية من الذهب سنوياً.

وتشير النظائر المشعة لمخلفات التعدين في محافظة مهد الذهب، أنها تعود للعام 961 قبل الميلاد، وقد عُوِدَ التعدين فيها في عهد الخلافة العباسية، أما البعثة العثمانية، فقد أقر خبراؤها بوجود الذهب، لكن تركوا مهمة التعدين لانهم وصفوها بالمستحيلة، في ظل انعدام المياه في المنطقة. إلا أن جميع الشواهد الأثرية تدل على أن المنطقة المتواجد بها منجم مهد الذهب تم استغلالها بشكل مكثف خاصة في القرنين الثاني والثالث الهجري، ويتضح ذلك من بقايا الأبنية وأحجار الرحى و الكسر الفخارية المنتشرة على سطح الموقع.

افتتح منجم مهد الذهب عام 1983، وبدأ الإنتاج التجاري عام 1988، وبحسب دراسة الجدوى الاقتصادية لمنجم مهد الذهب التي أجريت في عام 1983م عن وجود احتياطي بحوالي 1.2 مليون طن بتركيز يصل إلى 26 جرام ذهب في الطن الواحد.

وبدأ الإنتاج الفعلي لمنجم مهد الذهب في منتصف عام 1988، وقد تم منذ عام 1983 حتى نهاية عام 2006 حفر أكثر من 59 كيلومتراً من الأنفاق واستخراج أكثر من 3.5 مليون طن من الخام الذي يحتوي على 18.13 جرام في الطن الواحد كمتوسط لنسبة الذهب.

وفي نهاية عام 2007، قُدِرْت كمية الاحتياطي المتبقي بحوالي 1.1 مليون طن، وحتى نهاية عام 2007 تم حفر ما يزيد عن 232 كيلومتراً من الحفر الماسي وذلك لتقييم عروق الخام وزيادة الاحتياطي واستكشاف امتدادات جديدة للتمعدن.

البعيثة
وفي منطقة القصيم يوجد (3) مناجم أهمها “منجم البعيثة”، وهو مشروع مشترك بين شركتي “معادن” و”ألكوا”، باستثمارات تصل إلى قرابة 8 مليارات ريال، حيث بدأ العمل في المشروع خلال عام 2012 وتم الانتهاء منه في عام 2016.

يقع منجم البعيثة قرب قرية قبة في الشمال الشرقي من المملكة، وعلى بعد حوالي 600 كيلومتر إلى الشمال الغربي من رأس الخير. ويتكون موقع البعيثة من منجم لخام البوكسايت ومرافق لتكسير ومناولة الخام.

ويقوم المنجم بإنتاج 4 ملايين طن متري من خام البوكسايت ثم ينقل بواسطة القطار إلى مجمع “معادن” للألمنيوم في مدينة رأس الخير للصناعات التعدينية؛ لتبدأ المرحلة التالية لصقل البوكسايت في أول مصفاة في منطقة الخليج العربي لإنتاج 1.8 مليون طن سنوياً من الألومينا، لينتقل إلى المصهر عبر خطوط تربط المصهر بالمصفاة لإنتاج 740 ألف طن سنوياً من الألمنيوم، ومن ثم يستقبل مصنع الدرفلة نحو 380 ألف طن لإنتاج صفائح الألمنيوم وهياكل السيارات وعلب المشروبات، فيما يتم تصدير 360 ألف طن إلى الأسواق المحلية والدولية على شكل سبائك وقضبان.

وقد قامت شركة “معادن” بالتعاون مع “ألكوا” بتطوير منجم البوكسايت ومرافق الطحن والمعالجة التابعة له في منطقة البعيثة، وتقع على بعد 144 كيلومتر من شمال غرب موقع رأس الخير. ومن المتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية لمنجم البعثية من 4 إلى 5 ملايين طن سنوياً من البوكسايت الخام، وتُقدر حجم الاستثمارات في المشروع بالكامل 40.5 مليار ريال.

الآمار
أما العاصمة الرياض، بها منجم واحد وهو “منجم الآمار”، وهو ثاني المناجم اكتشافاً في المملكة بعد منجم مهد الذهب، وتمتلك شركة “معادن” مشروع المنجم الواقع في محافظة القويعية في منطقة الرياض ويبعد 195 كيلو متر إلى جنوب غرب العاصمة، وقد بدأ الإنتاج في المنجم في بداية عام 2008.

ويشتمل منجم الآمار على منجم تحت الأرض (تعدين نفقي)، ويُعالج فيه خام الذهب بمعدل 200 ألف طن سنوياً، كما يتم سحق وطحن وتعويم النحاس واستخلاص الذهب من بقايا تعويم النحاس باستخدام تقنية (سي آي إل) وتعويم الزنك.

وكشفت وزارة الصناعة والثروة المعدنية في العام الماضي، أن منجم الآمار يوجد به آثار تعدين قديمة مساحتها 150 متراً عرضاً و400 متر طولاً، تشمل حفر وخنادق تعدين رأسية ومائلة يبلغ عددها حوالي 60 حفرة سعتها حوالي المتر و30 متراً امتداداً وعمقاً.

كما يظهر في منطقة المنجم وجود آثار أفران وأكوام غير بعيدة عن الحفر والخنادق، كما توجد بها صخور مجروشة ومطحونة للحصول على النحاس والذهب بواسطة الغربلة. وبجانب الذهب والزنك بكميات تجارية توجد كذلك معادن الفضة والنحاس والرصاص بكميات ثانوية أو قليلة، تتركز المعادن بنطاق العرق الشمالي.

وتعمل المملكة على إنشاء (6) مناجم أخرى أكبرها على الإطلاق منجم “المنصورة والمسرة”، الذي تطوره شركة “معادن” في منطقة مكة المكرمة باستثمارات تزيد على 4 مليارات ريال، ومن المتوقع أن يصل إنتاجه إلى 250 ألف أونصة من الذهب سنوياً، والذي يسهم في زيادة إنتاج السعودية من الذهب بأكثر من 50%.

انتشار المناجم في المملكة أحد الممكنات الاستراتيجية التي تجعلها من أكثر المناطق على مستوى العالم في التنافسية على جذب الاستثمارات سواء في مجال البحث والتنقيب والتعدين، أو في المجال السياحي نظراً لكون تلك المناجم إحدى الثروات الهامة التي تميز المملكة.

ويعتمد جذب الاستثمارات الأجنبية على ثقة المستثمرين واستقرار الأنظمة في الدولة، وهو ما تمضي نحوه المملكة من تشريعات جديدة في كافة القطاعات، بما فيها التعدين وتسهيل الحصول على التراخيص بيسر وسهولة، هذا بالإضافة لما تقوم به المملكة من تطوير البنى التحتية في مواقع المناجم وتهيئة مناخ يناسب طبيعة تلك المواقع بما يُشجع على المزيد من الجذب السياحي.

كانت بيانات هيئة السياحة السعودية قد كشفت أن إجمالي عدد الزيارات في المملكة وصل إلى 62 مليون زيارة في عام 2022، توزعت على 29.5 مليون زيارة من الخارج، و32.5 مليون زيارة من الداخل، في حين تستهدف الهيئة الوصول إلى 55 مليون زيارة خارجية و45 مليون زيارة داخلية بحلول عام 2030.

ذات صلة

المزيد