الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كثر الحديث في الأشهر الماضية حول اغلاق الكثير من المحلات التجارية وتحديدا المقاهي والكافيهات والمطاعم، وزعم أصحابها ان رسوم المخالفات التي يدفعونها، وكثرة الجولات التفتيشية ارهقتهم، والبعض الآخر يقول ان أسعار ايجارات المحلات مرتفعة ومبالغة والزيادة تتم بدون أي مراعاة لأحوال السوق وحركة البيع البطيئة.
ويعتقد أصحاب الكافيهات والمطاعم الذين قالوا انهم اغلقوا انشطتهم التجارية، ان الملاحظات والغرامات من جهات الاختصاص، وجل مكاسبهم ذهبت لتسديد المخالفات.
ولست هنا من اجل الدفاع عن جهات الاختصاص او رسوم المخالفات، الذي حدث ان اقتصادات العالم كانت تسير بخطى ثابته ومدروسة، لا جائحة كرورنا ولا حرب روسيا وأوكرانيا ولا حتى تضخم ولا ضرائب مرتفعة، كانت الأنشطة التجارية تتوسع افقيا وعاموديا حسب توسعاتها واحتياجاتها، حتى فوائد البنوك المحلية كانت منخفضة عندما تقترض منها، الحياة كانت تسير على وتيرة النمو والازدهار، لم يكن ينغصها سوى تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية وبعض الحروب والمنازعات في بعض الدول.
التغيير الفعلي حدث في عام 2019 حينما اجتاح العالم الفايروس اللعين “كوفيد 19” اكل الأخضر واليابس وتحديدا حينما توقفت سلاسل الامداد، وتوقفت الكرة الأرضية عن التنفس، وقتها فقد 200 مليون شخص وظائفهم وانخفض الدخل العمالي بمقدار نحو 4 ترليون دولار، حتى بعد انتهاء الجائحة وعودة الحياة الى طبيعتها تقريبا منذ عام 2022، لم تعد بنفس العافية التي كانت عليها قبل 2019، حيث فرضت الجائحة نمطا جديدا في العمل، مع العديد من المتغيرات والتنظيمات الإدارية والعملية والتقنية أيضا.
نشاط خدمات توصيل الطلبات التي انتعشت بشكل لافت خلال فترة الجائحة، اغرت الكثير من المستثمرين الى خوض تجربة المطاعم، وشهدت خلال الثلاث سنوات الماضية نموا متسارعا في افتتاح مطاعم ومحلات لبيع القهوة والمشروبات وشهدت العام الماضي 2022 حصول نحو 1500 محل جديد على رخصة لافتتاح كافيهات كان نصيب مدينة الرياض الأعلى بنحو 400 محل، تليها جدة بنحو 200 محل، ثم المنطقة الشرقية اكثر من 120 محل، وتتوزع بقية الكافيهات في مدن سعودية أخرى، وتوسعت بعض الكافيهات ومحلات بيع المشروبات بشكل لافت، وشهدت 4 اشهر انتعاشا ونموا كبيرا في افتتاح هذه المحلات وهي اشهر مايو ويونيو ويوليو وشهر أغسطس وديسمبر التي شهدت نسبة افتتاح اعلى بلغت نحو 80 مقهى، وتوزعت بقية الأرقام بين الشهور الأربعة السابقة لتبلغ عدد المحلات خلال هذه الفترة نحو 250 محل جديد.
طبعا صاحب هذا التوسع للمطاعم ومحلات الكافيهات والمشروبات، مع فتح أبواب استقبال السياح من الخارج ومنح تسهيلات في التأشيرات والقدوم، وفتح العمرة والحج بكامل طاقتها، الامر الذي اعطى للمستثمرين الجدد وخاصة من رواد الاعمال والمبتكرين الى اعتقاد ان السوق بحاجة الى المزيد لمثل هذه الأنشطة، ولا اعرف هل مكاتب دراسات الجدوى كانوا يقدمون دراسات مختلفة عن واقع السوق، ام انهم كانوا يخفون الحقيقة على المستثمرين، وهمهم الوحيد هو الكسب المادي وتقديم دراسات جدوى اقتصادية “مضروبة”؟.
ما حدث اننا شهدنا منذ النصف الثاني من عام 2022 ، نمو غير منضبط لافتتاح محلات وفروع لمطاعم وكافيهات ومحلات مشروبات، حتى أصبحت المسافات متقاربة وخاصة في مدن الرياض وجدة والمنطقة الشرقية، كل 50 متر تجد مطعما او كافيه، وكل منهم يضع اسما مختلفا ومميزا، ما يحدث في هذا السوق هو التزاحم، وكل محل يضرب الآخر، نفس النوع والصنف والنكهة، وديكورات مكلفة وأسعار مرتفعة وعالية جدا، مع تكلفة تشغيل عالية من عاملين ولبس فخم، ونفس الحال للمطاعم.
حينما يشتكي هؤلاء أصحاب المطاعم والكافيهات والمنشآت الصغيرة، من مضايقة الأجهزة الرقابية عليهم وتغريمهم نتيجة مخالفات ودفع رسوم عالية، دعونا نتحدث بصراحة، هل من مصلحة البلديات ان تغلق هذه المحلات من دون سبب؟ وهل من مصلحة مؤسسات التمويل الحكومية او البنوك المحلية ان تغلق هذه المطاعم، وأيضا هل من مصلحة وزارة الموارد البشرية ان يشكو اليها الموظفين من طردهم من وظائفهم وتوقف مرتباتهم، وغيرها من الجهات التي ترتبط إداريا ومهنيا وتقدم خدمات لوجستية لهذه المطاعم والكافيهات، ان تتعرقل وتغلق، اغلاق محل واحد يعني انهيار سلسلة من الخدمات المرتبطة، فضلا عن فقدان مجموعة من الأشخاص لوظائفهم وربما دخول مالكها للسجن والملاحقات المالية التي ليس لها اول ولا آخر.
جميعنا يعلم ان ممارسة الأنشطة التجارية في السعودية أصبحت سهلة وميسرة، وجميعها تتم بضغطة زر على الهاتف الجوال، لا يحتاج الى مراجعات مكاتب حكومية او خدمية الا في نطاق محدود، حتى استخراج الرخص والسجلات التجارية، ونشطت البلديات والجهات الرقابية المرتبطة بالأنشطة التجارية بوضع المزيد من الضوابط والشروط، وتحديدا فيما يتعلق برضاء المستهلك وعدم المساس بحقوقه الصحية، ولكل نشاط تجاري معايير وضوابط يتطلب التقيد بها، وحتى المخالفات التجارية والجولات التي تقوم بها الجهات الرقابية، لم تعد كما كانت في السابق، حسب اهواء الموظف او عنادا في صاحب المحل.
اليوم جميع المراقبين ملزمين بتصوير المخالفة وتوثيقها، الى جانب الكاميرات الموجودة في هذه المحلات، فمن غير المعقول ان يدخل المراقب او الموظف المكلف بالمتابعة ويكيل لهذه المحلات، كومة مخلفات من دون سبب، وأيضا من غير المعقول لهذه المحلات تريد ان تتكسب وتحقق ارباح ودخل جيد ولديك مخالفات لا تتوافق مع شروط المحل، والتي سبق انها أعطيت لك ووقعت عليها.
سبل الاعتراض على المخالفات ميسرة ولا تحتاج الى وساطات او تدخل شخص لحلها، انما الكثير من المحلات لا تلوم نفسها حينما تقصر في تنفيذ التعليمات والشروط، وتضع اللوم على الأجهزة الرقابية والمختصة في متابعة هذه الأنشطة.
نعم نحن مع تطبيق المعايير والشروط والالتزامات الضرورية، وأيضا ضد افتتاح غير منضبط للأنشطة التجارية من مطاعم وكافيهات، بشكل غير مدروس، نحن بحاجة الى مستثمرين ورواد اعمال يملكون عقول تجارية ناضجة ومبتكرين، وليسوا مقلدين، يسلمون رؤوسهم لأشخاص ليست لديهم لا خبرة ولا تجربة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال