خط أساس عالمي جديد نحو الاستدامة

شهد العالم في الأسابيع الماضية اهتماما متزايدا بقضايا الاستدامة والمناخ، وذلك بعد أن أصدر مجلس معايير الاستدامة الدولية (ISSB) أول معيارين للإفصاح عن الاستدامة ضمن المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS S1 & IFRS S2). وفي خطوة مهمة أخرى، صادق اجتماع وزراء المالية لمجموعة G7 رسميا على تشكيل فريق عمل جديد للإفصاح المالي المتعلق بالطبيعة (TNFD). كما قامت المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية (IOSCO) بالمصادقة على المعيارين الجديدين، وأشاد مجلس معايير المراجعة والتأكيد الدولية (IAASB) ومجلس معايير السلوك الأخلاقي الدولية للمحاسبين (IESBA) بجهود (ISSB) و (IOSCO) وقراراتهم في هذا الخصوص.

ومع انتشار الاهتمام العالمي بالاستدامة والمناخ، يحظى مجلس معايير الاستدامة الدولية (ISSB) بدعم عالمي من قبل مجموعة G7 وG20، بالإضافة إلى أكثر من 40 من محافظي البنوك المركزية. ويعتبر إصدار المعيارين الجديدين نقطة تحول في رؤية ISSB لوضع خط أساس عالمي يهدف إلى تحقيق توحيد معايير الإفصاح عن معلومات قابلة للمقارنة حول قضايا الاستدامة على جميع المستويات. ومن المتوقع أن تعزز هذه المعايير الجديدة أهمية تقارير الاستدامة وتضمينها في التقارير المالية الرئيسية، دون النظر للمعايير المحاسبية المستخدمة في إعداد التقارير المالية. وبناء عليه، سيتوجب علي الكيانات أن تلتزم بتنفيذ عمليات وضوابط فعالة لممارسات الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، وأن تكون هذه الممارسات متصلة بالمعلومات المالية ومتوافقة معها، بدلا من أن تكون مجرد ممارسات منفصلة.

يهدف المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية (IFRS S1) إلى توفير مجموعة من المتطلبات العامة للإفصاح عن المعلومات المالية ذات الصلة بالمخاطر وفرص الاستدامة، سواءٌ كانت على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، وتزويد أصحاب المصلحة بالبيانات ذات الصلة. من جانبه، يهدف المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية (IFRS S2) إلى مطالبة الكيانات بالإفصاح عن المعلومات الجوهرية حول تعرضها للمخاطر والفرص المتعلقة بالتغيرات المناخية، ويركز كلا من المعياريين على حوكمة الشركة، والاستراتيجية، وإدارة المخاطر، والمقاييس والهدف، من حيث صلتها إما بالاستدامة أو المناخ وهذا ما سيساهم في تمكين مستخدمي هذه المعلومات من تقييم الأثر على مركزهم المالي وأدائهم المالي وتدفقاتهم النقدية.

سيدخل كل من المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية (IFRS S1) والمعيار الدولي لإعداد التقارير المالية (IFRS S2) حيز التنفيذ في 1 يناير 2024، وعلى الكيانات تطبيقهما على التقارير السنوية التي تبدأ في أو بعد هذا التاريخ. وقد دعت (ISSB) السلطات القضائية والهيئات العالمية الأعضاء إلى تبني هذين المعيارين وتحديد كيفية تنفيذهما والجدول الزمني لتطبيقهما.

ويتوجب على الكيانات الغير ربحية والخاصة اتباع عمليات حوكمة وضوابط وإجراءات فعالة لرصد ومراقبة وتقييم المخاطر والفرص المتعلقة بالاستدامة، بالإضافة إلى اعتماد نهج شامل لإدارة هذه المخاطر والفرص وتقييم أداء الكيان في هذا السياق. لذلك، فإن فهم معايير الاستدامة وتأثيرها على الكيان يعد أمرا بالغ الأهمية في الوقت الحاضر والمستقبلي لضمان تحقيق الاستدامة.

ولتحقيق هذه الأهداف، يجب على الكيانات تطوير وتنفيذ خطط استراتيجية للاستدامة الشاملة والمستمرة، وأن يكون لديها أنظمة وآليات قوية لرصد وتقييم المخاطر والفرص المتعلقة بالاستدامة واتباع أفضل الممارسات في هذا المجال. كما ينبغي عليها العمل على تحسين أدائها المستدام بشكل مستمر، وتزويد أصحاب المصلحة بالبيانات ذات الصلة لاتخاذ قرارات مستنيرة ومبنية على الوقائع.

لذا، أصبح من الضروري على القادة التنفيذيين وأعضاء مجالس الإدارة توجيه اهتمامهم نحو فهم المعايير الجديدة للاستدامة والأطر التي يجب على الكيان الامتثال لها. وقد يتطلب الأمر أيضا تعزيز الكيانات بالقيادات والقدرات الفنية المتخصصة بالجوانب المتعددة للاستدامة، مع خلق النماذج التشغيلية الفعالة لتنسيق العمل المشترك بين فرق المالية والاستدامة والإدارات المعنية بالكيان، وذلك لضمان تدفق المعلومات المتعلقة بالاستدامة بشكل متوائم ومستند إلى الحقائق.

وفي هذا السياق، نثمن الجهود التي تبذلها الجهات الحكومية في المملكة العربية السعودية، والتي تترجم تطلعات وتوجيهات القيادة الرشيدة والملهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويظهر ذلك بوضوح بتقرير الاستعراض الوطني الطوعي الثاني الصادر مؤخرا، والذي جسد بكل فخر جهود والتزام المملكة بالتنمية المستدامة والنهج الشامل نحو مستقبل يجمع بين التنمية الاقتصادية والاستدامة، وكل ذلك تحت مظلة رؤية المملكة 2030.