الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
معرفة مهارات التعامل مع الدخل وإدارة الميزانية الشخصية أو الأسرية أو ما يسمى الإدارة المالية الشخصية لا يضمن الحرية المالية أو النجاح المالي، ولكن من المؤكد أن الجهل بهذه المعارف والمهارات له تكلفة عالية على الفرد والأسرة والمجتمع والاقتصاد ككل.
بحسب إحصاءات حديثة لوزارة العدل السعودية، فإن قضايا المطالبات المالية تمثل ٢٥٪ تقريبا من القضايا الواردة للمحاكم العامة خلال العام الهجري الحالي، ربما لا يشير الرقم إلى شيء حتى نعرف عدد القضايا التي تمثّل ٢٥٪ وهو ما يعادل ١٨٠ ألف قضية مالية!
هذا الخبر دفعني للتفكير: أليس لهذا تكلفة؟ كم تتكلف الدولة بسبب هذه القضايا في الشرط والمحاكم والسجون؟!؟
خاصة أن السواد الأعظم من تلك القضايا كان يمكن تفاديها بتكلفة بسيطة مقارنة بالعائد المرجو، وهي تكلفة التوعية المستمرة للمجتمع.
عدد كبير من أولئك المواطنين – بالتأكيد- كان ضحية الجهل المالي، الذي دفعه لاتخاذ قرارات لا يدرك أبعادها مستقبلا، أو انشغل بيومه عن غده، بعضهم وقع ضحية استثمارات لا يتقن التعامل معها مثل الأسهم، أو ضحية احتيال مالي، أو ضحية تعثر في الديون بسبب غياب الوعي المالي، والأدهى من ذلك الضحايا الذين اتجهوا للاقتراض بنسب فائدة عالية من أشخاص غير مرخصين، فقط لسد العجز المالي، وكل ذلك لعدم وجود ثقافة مالية، وعدم وجود ثقافة الادخار.
كم من سجين مسجون بسبب قضايا مالية ومطالبات لم يستطع إيفائها؟ وكان بالإمكان تفادي كل ذلك لو كان هناك وعي مالي حقيقي؟!
للأسف كلنا نعرف أسراً وأفراداً تعرضوا لمشاكل مالية فقط لجهلهم بالمعارف الأساسية للتعامل مع المال. وحسب تصنيف الجي ٢٠ في المعرفة المالية (معرفة وسلوك ومواقف)، تقلدت السعودية -للأسف- المركز الأخير بسبب ضعف الأفكار والقناعات الموجّهة. فهل نبقى في خانة الجهل هذه، أم نحصّن أنفسنا بالمعرفة والتوعية ونحمي أنفسنا من ١٨٠ ألف قضية محتملة قادمة؟!
دراسة نشرت من قبل هيئة تنظيم القطاع المالي الأمريكية في عام ٢٠١٥ أوضحت وجود علاقة بين المعرفة في أبجديات الإدارة المالية الشخصية وارتفاع القدرة الائتمانية وأيضا انخفاض حالات العجز المالي. أحد الاستطلاعات الأمريكية أيضا نشرت نتائج استطلاعها بأن ٤٥٪ من الطلاب خريجي الثانوية يصرحون بعدم معرفتهم بإدارة دخولهم وميزانياتهم، أيضا تشير الإحصاءات الأمريكية أن ٧٥٪ من الطلاب الجامعيين الحاملين لبطاقات ائتمانية لم يكونوا يعرفون بخصوص تكلفة الاقتراض من البطاقة الائتمانية أو رسوم التأخر في دفع المستحقات.
ونتيجة لما سبق، حالياً في أمريكا توجد ١٧ ولاية تفرض منهجاً خاصاً بالإدارة المالية الشخصية لطلاب الثانوية، و٢٠ ولاية تفرض منهجاً اقتصادياً يتضمن فصولاً عن الإدارة المالية الشخصية. والولايات التي تنضم للقائمة في ازدياد لمعرفتهم بأهمية هذه المعارف للطلاب والأجيال القادمة، وليست كالعرف السائد بأن هذه العلوم مهمة فقط للمستثمرين، الحقيقة أن ذوي الدخل المحدود أشد احتياجا لهذه المعارف.
وبرغم أهمية الموضوع لا توجد لدينا دراسات عن وضعنا في المملكة، ولا أستبعد أن ما توصلت له نتائج الدراسات الامريكية بالعموم ينطبق على مجتمعنا. لذلك في ظل الآثار السلبية الكبيرة لضعف الوعي المالي، أخذ هذا الموضوع حيزاً من رؤية المملكة ٢٠٣٠ بوضع هدف أساسي وهو زيادة ادخار الأسرة من ٦٪ إلى ١٠٪ من إجمالي دخلها، السؤال المنطقي في نظري: ما الخطوات العملية لتحقيق هذا الاتجاه؟
الحلول كثيرة جدا ومتعددة، وكل واحداً منها يتطلب مقالاً لوحده، لكن سأعرج على بعضها باقتضاب. من الحلول :
١- تصميم مناهج إدارة مالية شخصية في مراحل التعليم المختلفة تصميماً يلائم المرحلة العمرية للطالب.
٢- المحاضرات والندوات المجانية، كون الكثير لديهم الرغبة للتعلم لكن لأن مشكلتهم مالية فغالبا لا يستطيعون دفع قيمة الدورات المطروحة من بعض المراكز التدريبية .
٣- تشجيع برامج الادخار في الشركات، مثل المطبق في شركة أرامكو وبعض الشركات الكبيرة، بحيث يكون اختيارياً للموظف، والملاحظ أن لها قبولاً كبيراً خصوصاً إذا كانت مصممة بشكل ذكي ومربح للموظف على المدى الطويل.
٤- تشجيع وتسهيل إجراءات وجود مكاتب المخططين الماليين المستقلين.
أتمنى أن تصل كلماتي لصناع القرار، وأن نرى حلولاً عملية لمواجهة المشكلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال