لا جدال في “تدويل الحج” 

الحج فريضة دينية تعتبر من أقدم العبادات لكثير من البشر. ولا تختص بالمسلمين وحدهم، فهنالك العديد من الديانات التي تشترك فيما بينها في فكرة التقرب للآلهة عن طريق ممارسة فريضة الحج. بيد أن طريقة أداء هذه الطقوس تختلف من ديانة لديانة ومن مذهب لآخر.

وعلى مر تاريخ الجزيرة العربية كان موسم الحج مناسبة ينتعش فيها اقتصاد المنطقة. وحتى اليوم يعتبر الحج أحد أهم روافد الدخل القومي للبلاد، تختص بشؤونه وزارة بأكملها، وموسمه من المواسم التي يحدث فيها ضخ مالي، كما ويوفر الكثير من فرص العمل لأبناء الوطن.

و كل عام في مثل هذه الأيام تعلو الكثير من الأصوات التي تطالب بفكرة تدعى “تدويل الحج”. وهي تعني: وضع المناطق المقدسة والتصرف في شؤون الحج وإدارته وتنظيمه تحت سيطرة وإشراف الدول الإسلامية، أو المنظمات الدولية. ووفق هذه الفرضية -التي لا نقبل كسعوديين حتى مجرد اثارتها- ستصبح هذه المناطق المقدسة دولية، وليست محلية وخاضعة لدولة ذات سيادة. الغريب في الأمر أن هذه المطالبات والاقتراحات تصدر من حكومات، ومن سياسيين محسوبين على الحكومات، وباحثين، ومثقفين، وكُتّاب و هؤلاء ينتمون غالبًا لدول علاقتها مع المملكة متوترة في الوقت الحالي.

لا أدري إن كان هؤلاء قد قرأوا كتابًا عن أساسيات أو مبادئ القانون الدولي، أو المدخل لدراسة العلوم السياسية، لأنهم لو فعلوا ذلك لعلموا أنه لا يحق لأي دولة في العالم أن تطالب بتدويل أية بقعة من أراضي دولة أخرى، وأن المناطق التي تقع داخل حدود أي دولة تخضع لسيطرة هذه الدولة وتمارس عليها سيادتها مقدسة كانت أو غير مقدسة.

وبالنسبة للقداسة، ماهي المعايير التي يمكن الاتفاق عليها، وعلى أساسها نستطيع أن نصنف بقعة معينة في العالم على أنها مقدسة؟ فالمقدس لدى المسلمين هو غير مقدس بالنسبة لغيرهم، وعلى ذلك نقيس. وفي حال اعتبرنا أن قداسة المكان تجعله مستثنى من تطبيق أحكام القانون الدولي عليه، فهل سيتم تطبيق هذه الفكرة على كل منطقة مقدسة في العالم؟ هذا بالطبع في حال اتفقنا على معايير القداسة. ففي إيران مثلاً هنالك أماكن مقدسة بالنسبة لفئات دينية، والعراق كذلك، فهل سنرى مطالبات بتدويل هذه المناطق، أو لنزعها من سيادة هذه الدول؟ وهل أهمية المكان بالنسبة لأيٍّ كان يمنحه تخويلاً بأن يطالب بالمشاركة في السيطرة عليه؟

بما أننا نتحدث هنا بلا معايير محددة ولا مرجعيات واضحة، فهل بإمكاني أن أطالب بتدويل حجرة أمي التي تعتبر بقعة مقدسة بالنسبة لي؟ أو بتدويل بيتنا القديم الذي أصبح مُلكًا لآخرين وأدخل فيه متى ما أشاء وكيفما أشاء لأنه بالنسبة لي مكان مقدس ولي فيه ذكريات طفولية مقدسة؟
هذا ليس تهكمًا ولا سخرية، على العكس تمامًا أنا أحاول هنا أن اتحدث بنفس المنطق ولكن بطريقة أكثر شفافية وبأسلوب أكثر وضوحًا.

حتى الآن لم اتوصل لتفسير واضح لسبب هذه المطالبات، هل هو رغبة في زعزعة أمن واستقرار البلاد؟ أم هي لمجرد اثارة بلبلة؟ أم استعراضات موسمية تحصل كل عام في مثل هذه الأوقات؟ أم طمعًا في نيل حصة من الكعك ومشاركة المملكة في أحد روافد دخلها القومي؟