الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حرصت الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين (SOCPA) ومنذ نشأتها في عام 1412هـ على تنظيم مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة من خلال إصدار المعايير المهنية والقواعد المنظمة لسلوك وآداب المهنة وتحديثها والعمل على كثير من المبادرات التي تنظم المهنة وتقضي على بعض الممارسات السابقة الخاطئة ولعل أهمها ما يعرف بتجار الشنطة من خلال المتاجرين بالتراخيص.
تشدد الهيئة على ضرورة التزام المحاسبين القانونيين بكافة الأنظمة ومنها المادة السابعة من نظام المحاسبين القانونيين والتي توجب توقيع تقارير المراجعة من الشريك الذي شارك أو أشرف على المراجعة فعلاً ولا يجوز إنابة شخص آخر في التوقيع، ولمراقبة مدى التزام المحاسبين القانونيين بهذه المادة قامت الهيئة بتحديد سقف سنوي لإجمالي ساعات العمليات لكل محاسب قانوني.
أدركت كافة مكاتب المحاسبة العاملة في المملكة العربية السعودية وخاصة الكبرى (العالمية) منها جدية الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين في إلزام الجميع بسقف الساعات وخطورة ذلك على محفظة عمليات المراجعة لديها وخططها المستقبلية لإستمرار النمو والتوسع في سوق الخدمات المهنية في المملكة وبدلاً من خلق وطرح حلول تبرهن من خلالها على خبراتها الاستشارية العالمية التي دائماً ما تسوق لها في ابتكار الحلول قامت وعلى ما يبدو بنسخ تجربة إحدى الشركات المحاسبية المحلية فيما يتعلق بشركاء المجهود أو الشركاء بالعمل.
توجه الشركات المحاسبية العالمية لهذا النوع من المشاركة ومن تبعهم لاحقاً نابعاً من عدم ثقتهم في جاهزية وامكانية الكفاءات الوطنية الشابة المؤهلة من الجنسين على الرغم من أن كثير منهم يحملون شهادات علمية عليا من كبرى الجامعات المحلية والعالمية وحاصلين على أكثر من مؤهل مهني معترف به مقارنة بالكوادر الفنية الوافدة مع كل تقدير واحترام لهم ولما قدموه ويقدمونه للمهنة ولكن لا تزال الشركات المحاسبية الكبرى العاملة في المملكة ترى أن الكوادر الفنية الوافدة أكثر جاهزية ولديهم قدرات فنية تفوق قدرات زملائهم المواطنين أو قد تكون هناك أسباب أخرى.
على الرغم من خطورة مفهوم تجار الشنطة الذي كان سائداً في السابق حتى تمت السيطرة عليه الى حد كبير باستخدام عدة وسائل لعل آخرها برنامج قوائم إلا أن النوع الجديد من المشاركة بين الشركاء الأجانب والسعوديين داخل الشركات العالمية الكبرى وغيرها من شركات المحاسبة المحلية من من نسخ الفكرة أيضاً وسار على الدرب أشد خطراً وضرراً على مستقبل المهنة والمستفيدين من منتجاتها والاقتصاد الوطني بشكل عام.
قد يستغرب البعض سبب قبول الكوادر الوطنية الشابة المؤهلة لهذا النوع من المشاركة الذي لا يعترف بهم علناً كشركاء بدرجة مساوية للشركاء الآخرين غير المرخصين الذين لا يتمتعون نظاماً بصلاحيات ومسئوليات هذه الصفة ولكنهم في الواقع يمارسمون صلاحيات وسلطات تفوق بكثير ما يتمتع به شركاء المجهود ولكن قد يكون سبب القبول عائداً الى رغبة الكوادر الوطنية المؤهلة في الاستمرار في المهنة واثبات الذات وتجنب اهدار ما يُعتقد أنها فرصة ذهبية قد يتسبب رفضها في إنهاء مستقبله الوظيفي والمهني لدى المكتب أو الشركة صاحبة العرض.
يتسبب هذا النوع من المشاركة بالمجهود بمخاطر كبيرة على شريك المجهود نفسه حيث لا يغطي في العادة التأمين على المخاطر المهنية من لا يحمل درجة شريك حسب النظام العالمي للشركات الكبرى كما أنه يُعرض الشركاء الآخرين المتضامنين الى مخاطر كبرى وفق مفهوم ما نصت عليه المادة التاسعة من نظام الشركات السعودي الجديد في البند (2) والتي أعفت من الخسارة الشريك الذي لم يقدم سوى عمله ناهيك عن مخاطر التعويض المالي التي قد يتعرض لها المتضررين من الأخطاء المهنية لشركاء المجهود عند تعرضهم للضرر نتيجة الاعتماد على تقارير مراجعة موقعة من قبلهم ثم يتبين وجود اخطاء جوهرية بها حيث أن هذا الاعفاء قد يعيق مطالبة هذا النوع من الشركاء بالتعويض عن الخسائر، وقد يقلل من عزيمة شريك المجهود في الاجتهاد في عدم الوقوع في الأخطاء المهنية حيث لن يكون مسؤول عن الخسارة، كما أنه يتعارض مع جوهر المبدأ العام للمسؤولية عن الأخطاء المهنية.
وعلى الرغم من الفزع الذي كانت تسببه لنا المنتجات الرخيصة لمن يعرفون بتجار الشنطة وأثرها على الصحة العامة للاقتصاد ككل إلا أن ما يصدر من تقارير عن شركات المحاسبة التي تستخدم حديثي الحاصلين على تراخيص لمزاولة مهنة المحاسبة والمراجعة تحت غطاء شركاء بالمجهود بعد أن أكدت هي وحسب مفهومها ونظامها الداخلي أنهم غير مؤهلين بدرجة كافية الى الآن ليصبحوا شركاء حسب أنظمتهما العالمية، قد يكون أشد خطراً وضرراً.
يُشكل شركاء المجهود الذين يعملون في منصب مدير أو أقل أو تحت أي مسمى وظيفي آخر حسب النظام الداخلي للشركة ومنصب شريك بالمجهود حسب عقد التأسيس فقط خطورة أكبر من تجار الشنطة حيث أن من يستخدم هذا النوع من المشاركة هم غالباً شركات محاسبية كُبرى تقدم خدماتها لمنشآت تجارية ذات تأثير جوهري على الاقتصاد ككل، كما أن شركاء المجهود وبسبب صفتهم الحقيقة داخل هذه الشركات يفقدون استقلاليتهم وقدرتهم الإشرافية على عملية المراجعة أمام أعضاء فريق المراجعة الآخرين الذي هم في الحقيقة أعلى منهم في السلم الوظيفي الداخلي للشركة وهم في الواقع من يؤثر على القرارات المتعلقة بالمستقبل الوظيفي والمهني لشريك المجهود وبالنظر الى حقيقته العلاقة بين شركاء المجهود والشركات المهنية وبتطبيق أحد أهم مبادئ المحاسبين أنفسهم فقد يرى البعض لا سمح الله أن جوهر هذه العلاقة يندرج تحت تعريف التستر التجاري من خلال السماح للآخرين باستخدام تراخيصهم المهنية مقابل وعود بمستقبل وظيفي داخل الشركة.
بالنظر الي ما بُذل ويُبذَل من قبل الهيئة السعودية للمحاسبين القانونين وغيرها من الجهات ذات الصِّلة والتي عالجت الكثير من أوجه الخلل السابقة والحد من بعض الظواهر والممارسات السلبية وأسهمت بشكل واضح وملموس في تطوير المهنة وتهيئتها للأجيال القادمة من الكوادر الوطنية المؤهلة يكون التفاؤل أكبر بأن ظاهرة شركاء المجهود ليست الا سحابة صيف ستزول قريباً بإذن الله بتظافر جهود الجميع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال