الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في البداية وحتى يكون القارئ على إطلاع بآخر الإحصائيات في القطاع الخاص بالمملكة العربية السعودية فإن الهيئة العامة للاحصاء ضمن منتجاتها المتطورة تصدر ما يمسى بالمسح الاقتصادي وهو عبارة عن عينة بحث إطارها تعداد الاقتصادي الشامل وهو يتضمن جميع المنشآت الاقتصادية داخل المملكة ويناقش العديد من النقاط المهمة كتعويضات العاملين وتكوينات رأس المال وفائض التشغيل وغيرها من النقاط وهو يُعد كل خمسة أعوام حيث كانت نتائج آخر مسح كالتالي:
بلغ عدد المنشآت (جميع أحجامها )في التعداد الاقتصادي الشامل 1,003,745 منشأة حيث شكلت المنشآت الصغيرة ( أقل من 5 مشتغلين وفق لتعريف المعتمد في هيئة الاحصاء) مانسبته 83% والمنشآت المتوسطة ( 5-19 مشتغل ) 14% والمنشآت الكبيرة ( أكثر من 20 مشتغل )فقط 3%. وبلغ عدد المشتغلين في جميع المنشآت 6,255,640 مشتغل ؛ حيث شكلت نسبة المشتغلين السعوديين ما نسبته 27% فقط ؛ في حين كان إجمالي تعويضات المشتغلين 271,019,267,000 ريال تدفع سنوياً.
كذلك من أهم مؤشرات المسح الاقتصادي هو إجمالي فائض التشغيل السنوي ( مجموع الإيرادات – مجموع النفقات ) 1,425,494,329,000 أي ربح أكثر من ترليون ريال سنوياً لهذه المنشآت ؛ شكلت نسبة المنشآت الصغيرة والمتوسطة 17% فقط.
ويجدر التنويه إلى أن ماذكر أعلاه من إحصائيات مشتمل قطاع استخراج النفط الخام والغاز الطبيعي ؛ و لا يشترط في جميع المنشآت أن تكون ذا فائض تشغيل موجب وما ذكر هو مجمل لجميع المنشآت.
اتفق خبراء الاقتصاد على أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تلعب دوراً كبيراً في تنمية اقتصاد الدول ولا سيما في ظل دورها الرئيسي في محاربة مؤشري الفقر والبطالة و تعزيز طموحات الشباب وتنفيذ ابتكاراتهم وتمكينهم من مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة وهي في الغالب مشاريع لا تحتاج إلى رأس مال كبير ؛ كما أنها تلعب دوراً تكاملياً مع قطاع المنشآت الكبيرة فتهتم بتوفير ما تحتاجه القطاعات الصناعية الكبيرة من مواد أولية أو وسيطة فمثلاً شركة جنرال موتورز تتعامل مع أكثر من 30000 مورد من الصناعات الصغيرة ، وشركة رينو الفرنسية تتعامل مع أكثر من 50000 مورد وفي اليابان توفر المنشآت الصغيرة والمتوسطة ما يقارب 72% من احتياج صناعة الآلات و 79% من صناعة الأجهزة الكهربائية.
كذلك لها دور رئيسي وبارز في زيادة حجم وقيمة الصادرات فهي تشكل 30-66% من إجمالي صادرات الدول المصنعة ؛ ومن جهة أخرى تعتبر المنشآت الصغيرة والمتوسطة مصدر للمنافسة للمنشآت الكبيرة وبالتالي تحد من الاحتكار في أسعار السلع والخدمات كما أنها بذرة أساسية للمشروعات الكبيرة.
والسؤال المهم ماهو الوضع الراهن للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بالمملكة العربية السعودية؟
من خلال الاطلاع على العديد من الدراسات والمقالات المتخصصة واللقاءات التلفزيونية والندوات التي أُقيمت بشأن المنشآت الصغيرة والمتوسطة و من واقع الحال
فإن الوضع الحالي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة غير منظم وبالتالي ظهرت العشوائية في أنشطة تلك المنشآت ولعل أبرز تلك المعوقات والتي يجب ان تنظر لها القطاعات الحكومية المختصة كتحديات هو عدم وجود معاهد متخصصة للتدريب حول كيفية إنشاء المشروع والتدرج فيه، وبطء إجراءات الأنظمة القضائية وتعقيد إجراءاتها والتأخر في الحكم؛ كذلك الإجراءات الحكومية وهذه مشكلة متعاظمة وبالذات في جانب الأنظمة والتعليمات التي تهتم بتنظيم عمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة حيث يُصدر عدد من القرارات في الوزارات المعنية بدون دراسة مسبقة عن حجم الآثار المترتبة عليها مما قد يتسبب بانهيار (الإفلاس) المنشآت الصغيرة.
أيضا غياب الشفافية بين الجهات ذات العلاقة (القطاع الحكومي والخاص) حيث أن القرار يصدر والمطلوب من الآخر التنفيذ فقط وهنا الكارثة لابد أن تتغير عقلية صانع ومتخذ القرار في تلك الجهات من العمل بشكل منفرد داخل أورقة الوزارة إلى المشاركة مع أصحاب تلك المنشآت بالطريقة التي تضمن للجميع تحمل المسئولية والالتزام بالتنفيذ ؛ فمن ضمن ما اتخذ من قرارات وكانت نتائجها عكسية هو برنامج نطاقات أي إجبار المنشآت الصغيرة والمتوسطة على توظيف السعوديين مما ولد عملية توظيف وهمي لا تخدم أهداف البرنامج وأضرت بجميع الأطراف.
ايضاً كلفة رأس المال من حيث الإنشاء والتجهيز وما يتبعها من رسوم حكومية ؛ التضخم وتأثيره على ارتفاع أسعار المواد الأولية وكلفة العمل مما سيؤدي حتماً إلى ارتفاع تكاليف التشغيل وهنا تعترض هذه المنشآت مشكلة رئيسية وهي مواجهتها للمنافسة من المشروعات الكبيرة مما يمنعها ويحد من قدرتها على رفع الأسعار لتجنب أثر ارتفاع أجور العمالة وأسعار المواد الأولية ؛ كذلك العوائق التمويل حيث تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة صعوبات تمويلية بسبب حجمها (نقصالضمانات) وحداثتها (نقص السجل الائتماني).
وعليه تتعرض المؤسسات التمويلية إلى جملة من المخاطر عند تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مختلف مراحل نموها( التأسيس – الأولية – النمو الأولي – النمو الفعلي – الاندماج ) ؛ ونظراً لهذه المخاطر تتجنب البنوك التجارية توفير التمويل اللازم لهذه المشروعات لحرصها على نقود المودعين ؛ كذلك ندرة المواد الأولية من حيث الندرةالطبيعية وعدم القدرة على التخزين وضرورة اللجوء إلى الاستيراد وتأثيرات تغيرات أسعار الصرف.
أيضا من العيوب المهمة بل أكثرها أهمية أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة ووفق المسح الاقتصادي كانت الغالبية تتمركز حول قطاعات التجزئة والعقار والزراعة وجميعها مستوردة لا منتجة وهذه نقطة ضعف قوية داخل الاقتصاد السعودي وهنا يكمن التحدي القادم في كيفية تحويل غالبية تلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى منتجة وليست حلقة وصل بين ما يتم استيراده والمطلوب داخلياً ؛ ففي التقرير السنوي الصادر أيضاً عن الهيئة العامة للإحصاء حول الصادرات السلعية الغير بترولية لعام 2016 لشهر اكتوبر كانت القيمة 15 مليار ريال هو إجمالي قيمة الصادرات السلعية الغير بترولية وهذا الرقم لا يمثل قوة اقتصاد المملكة الحقيقي في مختلف قطاعاتها لذلك فالفرصة كثيرة وكبيرة جداً فيجب استغلالها على الوجه الأمثل لما يعود على الوطن والمواطن بالفائدة.
في المقابل لا يعني ذكر هذه العيوب أن الأمر برمته غير سليم بل على مدى عقد ماضي من الزمن كانت الدولة بوزاراتها المعنية تعمل جاهدة في تحقيق أهدافهافي تلك البرامج التي كانت تطلقها مما يكلفها موارد مالية وبشرية كبيرة جداً لذلك لابد من تقييم تلك التجارب أثناء التنفيذ وبعد كل مرحلة من مراحله لمعرفة الفجوات ومعالجتها سريعاً.
ولعل إنشاء الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لمعالجة أهم العوائق والتحديات التي تواجه تلك المنشآت حيث تهدف الهيئة إلى تنظيم قطاع المنشآت في المملكة ودعمه وتنميته ورعايته وفقاً لأفضل الممارسات العالمية لرفع إنتاجية تلك المنشآت وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي ؛ أيضا من المميز في قرار إنشاء الهيئة هو تكوين لجنة دائمة بعضوية هيئات ووزارت حكومية ذات الاختصاص وهي مفيدة لدراسة احتياجات الاقتصاد الوطني بشكل شمولي ومن ثم تحليل القرارات مع جميع الجهات الحكومية قبل البدء في إصدارها وبالتالي تقضي على ما ذكر في مقدمة المقاله من صناعة القرار بشكل منفرد عن الواقع.
كذلك من وجهة نظر شخصية يجب على الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة أن توجه هذه المنشآت إلى الاعتماد على الموارد المحلية الأولية مما يساهم في خفض تكلفة الإنتاج أي الاستغناء عن جزء من المستورد بإنتاج داخلي يستفاد منه إما في مرحلة تصنيع داخلية أو تصديره للخارج. كذلك يجب أن يكون هناك تنظيم في عملية الإحلال السعودي وهذه إحدى أهداف برنامج التحول الوطني في تعديل إجراءات أنظمة الأجور في القطاعين العام والخاص وعدد ساعات العمل لخلق بيئة جاذبة في تلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة وهذا الأمر معمول به في دولة سنغافورة وقد حققت فيه نجاح كبير جداً.
نجاح عمل الهيئة هو نجاح للوطن والمواطن والعكس لاقدر الله تكون النتيجة كارثية لامحالة على جميع أطراف المجتمع. فمن حق كل صاحب منشأة بمختلف فئاتهم أن يكون على دراية بما يحدث في أورقة الهيئة بل يجب أن تكون لدى الجميع ثقافة المساءلة وهي إحدى أدوات الحوكمة التي تحدث عنها رئيس مجلس الشؤون الاقتصاد والتنمية كثيراً ؛ كُلنا في مركب واحد والعمل منفرداً لن يحقق الهدف المنشود لذلك وجب أن تكون جميع الأطراف على علم برؤية وخطة الهيئة وما تم تحقيقه في قادم الأيام ؛ وإن لم يحدث ذلك فمعناه أننا نسير إلى الخلف.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال