الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يجتاز العالم في الفترة الراهنة تحولات إقليمية في غاية الأهمية لتوجيه دفة العولمة وإعادة صياغة العديد من مفاهيمها وأهدافها لتحييد عشوائيات قواها الحاكمة للعلاقات الدولية. ومع التسليم بأن هذه التحولات من العولمة إلى الأقلمة لم تسفر لتاريخه عن قيام نظام عالمي جديد، إلا أن ما يحدث على الساحة الدولية من تغيرات يتطلب من دول مجلس التعاون الخليجي العربية ضرورة التعمق في استشراف اتجاهات هذه الأقاليم، والمضي قدماً لتعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع هذه الأقاليم للاستفادة من تحقيق أهدافها، خاصةً وأن هذه الأقاليم تسعى لإنشاء المزيد من التكتلات الاقتصادية، سواءً كانت اقتصادية أو تجارية.
لذا سعت الدول الخليجية لاكتساب مزايا التعاون الإقليمي بهدف تعزيز قدرتها الاقتصادية في مواجهة التحديات العالمية. وفي هذا الإطار تمثل تجربة رابطة دول جنوب شرق آسيا، المعروفة اختصاراً باسم “آسيان” نموذجا متميزاً قابلاً للتعاون معها في سعي الدول الخليجية لتعظيم مكاسبها في ظل الواقع الدولي المتأزم، ومواجهة التحديات التي تواجهها وطرق التعامل معها. وحيث أن مثل هذا التعاون الإقليمي يعتبر أحد الاستراتيجيات الرئيسية ضمن أهداف العلاقات الدولية، خاصةً في مجالات صيانة الأمن الإقليمي وتشجيع التعاون الاقتصادي وبناء الكيان التجاري لدى أطراف هذه الشراكات الاستراتيجية.
ونظراً لما يحتويه التعاون الاقتصادي بين الدول الخليجية ورابطة دول “آسيان” من عوامل مشتركة تسعى لإزالة الحواجز والقيود التي تعترض تجارتها الدولية من سلع وخدمات وعناصر الإنتاج المختلفة، فإن المزايا التي تحققها هذه الشراكة الاستراتيجية تؤدي إلى اكتساب التكامل الاقتصادي من خلال تأسيس السوق المشتركة وإنشاء الإتحاد الجمركي. وهذا ما تؤكده المبادئ الأساسية لمنظمة التجارة العالمية الواردة في المواد الأربعة الأولى من قواعد وأحكام المنظمة، لكي تستفيد هذا الشراكة من مقومات التجارة التفضيلية، وأحكام حق الدولة الأولى بالرعاية، وتحقيق مبدأ المعاملة الوطنية في مجالات الاستثمار.
وتعتبر دول رابطة “آسيان” من أكبر دول العالم في التجارة الخارجية التي فاقت قيمتها 4 تريليون دولار في العام الماضي تعادل نسبة 8% من التجارة العالمية في السلع والخدمات، بينما تصل نسبة تجارتها البينية إلى 48% من قيمة تجارتها الخارجية. وهذا يعكس مدى ترابط دول الرابطة وحرصهم على فتح أسواقهم الداخلية أمام صادراتهم البينية.
ومن هذا المنطلق أوضح سمو ولي العهد السعودي في كلمته الضافية أمام قمة الدول الخليجية مع دول رابطة “آسيان” أن مجموعة هذه الدولة حققت إنجازاً مهماً في طريق التنمية الاقتصادية ليتجاوز الناتج المحلي الاجمالي لهذه الدول مجتمعة 7.8 ترليون دولار. كما أوضح سموه أن هذه الدول شهدت معدلات نمو اقتصادي زادت من نسب مساهمتها في الناتج المحلي العالمي خلال عام 2022، حيث نما اقتصاد دول مجلس التعاون بنسبة 7.3%، بينما نما اقتصاد دول آسيان بنسبة 5.7%، وهذا يدفعنا للعمل معاً نحو اقتصاد أكثر ازدهاراً.
وأضاف سموه أن العلاقات التجارية بين دول المجموعتين تزداد تطوراً ونمواً، حيث بلغ حجم التجارة مع دول رابطة “آسيان” 8% من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الخليجي العربي عالمياً، وبقيمة وصلت إلى 137 مليار دولار، وتشكل صادرات دول مجلس التعاون إلى دول رابطة “آسيان” 9% من مجمل صادراتها، وبلغ حجم وارداتنا الخليجية من دول الرابطة ما نسبته 6% من مجمل واردات دول مجلس التعاون. وخلال العشرين عاماً الماضية مثلت استثمارات دول مجلس التعاون في دول الرابطة ما نسبته 4% من مجموع الاستثمارات الأجنبية الموجهة إلى دول رابطة “آسيان” بقيمة تصل إلى 75 مليار دولار، وشكلت استثمارات دول الرابطة في دول مجلس التعاون الخليجي ما نسبته 3.4% من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى دول مجلس التعاون بقيمة 24.8 مليار دولار.
وشدد سموه على أن ما تمتلكه دول المجموعتين من موارد بشرية وفرص تجارية ومشاريع استثمارية واعدة، فإن الدول الخليجية تتطلع إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والاستفادة من الفرص المتاحة وفتح آفاق جديدة للتعاون في جميع المجالات مع دول الرابطة، لتحقيق أهدافنا المشتركة بما يلبي تطلعات شعوب دول المجموعتين.
وحدد سموه خطة العمل المشتركة بين مجلس التعاون الخليجي ودول رابطة “آسيان” لمدة عام 2024-2028، برسم خارطة طريق واضحة لما نسعى إليه من تعزيز التعاون والشراكة في مختلف المجالات بما يخدم مصالحنا جميعاً. وأكد سموه أن دولنا الخليجية ستستمر في كونها مصدر آمن موثوق للطاقة بمختلف مصادرها وفي الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية، وتسعى بخطوات متسارعة لتحقيق متطلبات الاستدامة لتطوير تقنيات طاقة نظيفة ومنخفضة الكربون وسلاسل إمداد البتروكيماويات، متطلعين لتحقيق أقصى استفادة مشتركة من الموارد اللوجستية والبنى التحتية وتعزيز التعاون في المجالات السياحية والأنشطة الثقافية والتواصل بين شعوبنا وإقامة شراكات متنوعة بين قطاع الأعمال في دولنا بما يحقق مستهدفات الرؤى الطموحة لمستقبل أفضل يسوده الازدهار والنماء والتقدم.
وتأتي هذه القمة استكمالاً لجهود الاجتماعات المشتركة للحوار الإستراتيجي بين دول مجلس التعاون ورابطة دول “آسيان” التي بدأت في عاصمة البحرين عام 2009م، ثم في سنغافورة عام 2010م. وتم خلال هذه الاجتماعات وضع خطة العمل في المجالات الاقتصادية والثقافية، وشُكلت ستة فرق عمل متخصصة في مجالات الاقتصاد والتجارة، والاستثمار الزراعي والأمن الغذائي، والتعليم، والسياحة، والطاقة، والثقافة، والإعلام.
وفي عام 2013م عُقد الاجتماع الوزاري الثالث بين مجلس التعاون ودول رابطة الآسيان في المنامة، وأُكد فيه على أهمية احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية انطلاقاً من مبادئ حسن الجوار والنظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ومواثيق الأمم المتحدة وميثاق رابطة أمم الآسيان، ومبادئ القانون الدولي.
ومن المعروف أن المنتجات النفطية تشكل نسبة 73.1% من إجمالي الصادرات السلعية لدول مجلس التعاون إلى رابطة دول “آسيان”، بلغت قيمتها 44.5 مليار دولار أمريكي خلال العام الماضي، تلتها المنتجات البلاستيكية بنسبة 8.7% وبقيمة بلغت 5.3 مليارات دولار أمريكي، ثم الذهب والمعادن الثمينة بنسبة 3.8% وبقيمة بلغت 2.3 مليار دولار أمريكي.
لذا أكدت دول المجموعتين في قمة الرياض على ضرورة بناء شراكة إستراتيجية بين دول مجلس التعاون ودول رابطة “آسيان” ورفع مستوى التنسيق بينها حيال الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وتفعيل هذه الشراكة إقليمياً وعالمياً، بما يعود بالنفع على مواطني دول المجلس.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال