3666 144 055
[email protected]
ارتفع عدد الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية خلال السنوات العشر الماضية من نحو 70 شركة إلى 162 شركة الآن، إضافة إلى 35 شركة عائلية على وشك الإدراج، وفقاً للرئيس التنفيذي لسوق الأسهم السعودية “تداول”. تم إدراج هذه الشركات بطريقة الاكتتاب التقليدية التي من خلالها يمكن لأي مواطن سعودي التقدم للاكتتاب والحصول على عدد من الأسهم بسعر الطرح المعلن. لم تتغير طريقة الاكتتاب هذه طيلة السنوات الماضية، على الرغم مما يشوبها من قصور، بدءا بتحديد علاوة الإصدار وكمية الأسهم التي يتحصل عليها المكتتب ودور الأطراف المتعددة في هذه العملية.
الإشكالية الأولى في عملية الاكتتاب هي أن العملية برمتها تبدو كأنها منحة مالية مقدمة من الحكومة للمواطن، لا على أنها عملية استثمارية بين شركة خاصة ومستثمرين، ما أدى إلى جعل عملية الاكتتاب تأخذ طابعاً حكومياً رسمياً يبعث على الطمأنينة والموثوقية لدى المكتتبين. بل إن الاشتراط الحكومي بأن يكون لكل فرد نصيب من أسهم الشركة يبدو كأنه دعوة للاكتتاب وأن من لا يكتتب يضيع على نفسه فرصة مجانية منحتها له الحكومة! وبالطبع نجد أن الشركات المتقدمة للاكتتاب سعيدة جدا بهذا الغطاء الحكومي، كما أن متعهد الاكتتاب أكثر سعادة بذلك، بحكم أنه لن يضطر لاتمام عملية الاكتتاب بشراء الأسهم بنفسه في حال فشل الاكتتاب، فعملية الاكتتاب ناجحة قبل ولادتها. حتى وإن اشتملت عملية الاكتتاب على علاوة إصدار، فالاكتتاب الكلي مضمون بشكل كبير، حيث جرى العرف على أن كل عملية اكتتاب ناجحة، بغض النظر عن مقدار علاوة الإصدار. لذا فإن أسرع وسيلة للثراء الفاحش، إلى جانب طرح شركة تملكها للاكتتاب العام، هي أن تصبح متعهد اكتتاب!
قد تكون عملية تحديد علاوة الإصدار أكبر مشكلة تعتري عملية الاكتتاب، فالشركة تود الحصول على أكبر قدر من التمويل لصالحها ولصالح المؤسسين، بينما المواطن المكتتب يحبذ علاوة إصدار متدنية، فيما هيئة السوق المالية تكتفي بنص قصير في وثيقة الاكتتاب تخلي فيه مسؤوليتها عن صحة البيانات المرفقة. الحقيقة أن الشركات المتقدمة للطرح تعرف نقطة ضعف هيئة السوق المالية وتستغل ذلك في تحديد علاوات الإصدار، فهم يعرفون أن الهيئة لا تمتلك الإمكانات الفنية ولا الخبرات اللازمة للمصادقة على علاوة الإصدار، ما دفع ببعض الشركات التي طرحت أسهمها إلى تضخيم رؤوس أموالها قبيل فترة قصيرة من الاكتتاب، وذلك من أجل تضخيم أصولها ورفع عدد الأسهم المطروحة. لقد تمكنت بعض الشركات من تضخيم علاوة الإصدار وتمريرها على الهيئة بحيل مالية متنوعة، منها اللجوء إلى مكرر الربحية.
فكرة مكرر الربحية تشبه فكرة العائد المعقول في أي عملية استثمارية، فمثلاً قد تقوم شركة بتقديم بياناتها المالية التي تشير إلى ربحية تساوي 3 ريالات للسهم الواحد، ومن ثم تقدم التبرير التالي: بافتراض مكرر ربحية معقول بمقدار 15 مرة، فمن العدل أن يكون سعر السهم 45 ريالاً (3 ريالات * 15 مرة)، وهذا بالفعل معقول ومقبول. غير أن هذه الربحية تحققت للشركة وهي برأس مالها القديم، قبل رفع رأس المال عدة مرات تأهباً للاكتتاب، وبذلك من غير المضمون ولا المعقول أن تبقى ربحية الشركة بهذا القدر بعد تضخيم رأس المال. لتوضيح “الخدعة”، لو أن صالونا للحلاقة برأسمال 100 ألف ريال يربح سنوياً 50 ألف ريال، وقسمنا رأسماله إلى 10 آلاف سهم، فستكون ربحية السهم 5 ريالات (50 ألف ريال تقسيم 10 آلاف سهم). وعلى افتراض مكرر ربحية بمقدار 15 مرة، فيمكن لصاحب الصالون أن يطالب بأن يكون سعر السهم 75 ريالاً. وهذا مطلب معقول جداً طالما أن رأس مال الصالون 100 ألف ريال، أما إذا قام الحلاق بتضخيم رأس ماله إلى مليون ريال قبيل بضعة أشهر من الاكتتاب، ورفع عدد أسهمه إلى 100 ألف سهم، فمن غير المعقول أن يطرح الصالون بسعر 75 ريالا للسهم (أو 7,5 مليون ريال للمحل)! أي أن تحقيق خمسة ريالات للسهم برأس مال 100 ألف ريال، لا يمكن تكراره برأس مال يبلغ مليون ريال، حتى وإن قام الحلاق بفتح عدة فروع، كون من الصعب القول إن ربحية كل فرع ستكون بمستوى الفرع الأول.
هناك كذلك خدع أخرى تقوم بها بعض الشركات في سبيل تضخيم أصولها قبل الاكتتاب، أبرزها تقييم بعض الأصول بمبالغ فلكية بعيدة عن القيمة الفعلية للأصل، خصوصاً الأراضي والمباني والاستثمارات المملوكة للشركة، بل إن إحدى الشركات قامت بإدراج عقود مشاريع لديها كأصول مملوكة! الهدف الذي تسعى إليه هذه الشركات هو تضخيم العجل قبل الذبح، حتى إن لزم الأمر نفخ العجل بالماء أو الهواء.
إحقاقاً للحق، حاولت الهيئة تلافي مسألة التضخيم هذه من خلال بناء سجل الأوامر، الذي من خلاله تقوم مؤسسات مالية معينة بالاكتتاب بالأسهم بالسعر المحدد قبل زج الأسهم على بقية الناس في محاولة لجس النبض قبل أن تقع الفأس بالرأس. هذا حل جزئي غير كاف، والسبب أن هذه المؤسسات لا تكتتب بأموالها بل بأموال المساهمين المستثمرين من خلالها، إضافة إلى ما يثار من شكوك حول نزاهة العلاقة بين الشركة المطروحة والمؤسسات المالية المشاركة في الاكتتاب.
الطريقة المتبعة في الدول الغربية هي أن عملية تقدير سعر الطرح تتم من خلال بنوك استثمارية كبرى وبيوت خبرة تعتمد على البيانات المدققة للشركة مع دراسة وضع الشركة ومستقبلها والظروف المحيطة بها. وعلى الرغم من ذلك، تترك عملية استحقاق السعر من عدمه لقوى العرض والطلب وثقافة المستثمرين. مشكلة الأخذ بهذا النهج في السوق السعودية أن الغطاء الحكومي المفترض له تأثير سلبي في العملية، إلى جانب الإيحاء للمواطن بأن له حقا كفلته له الأنظمة والتشريعات بحيث يكتتب هو وجميع أفراد عائلته المسجلين في سجل الأسرة. إضافة إلى ذلك هناك إشكالية ضعف المصداقية في البيانات المالية المقدمة من الشركة، وعدم وجود بيوت خبرة ذات مهارة عالية وسمعة كبيرة تكون بمثابة المراقب الأمين لما يدور في كواليس الاكتتابات. المحصلة النهائية أن الاكتتاب غير مكلف على المواطن – أحياناً بمبالغ لا تتجاوز ألف ريال – بينما تحقق الشركة كامل التمويل المطلوب بسهولة، فتبدو العملية سهلة ومريحة للشركة وغير مكلفة على المواطن، فلا تثير العملية قدراً كبيراً من الامتعاض!
ما الحل إذاً لمسألة تحديد علاوة الإصدار وبالتالي سعر الاكتتاب لأسهم الشركات الجديدة؟ لا يوجد حل فعال وناجح في كل الظروف، ولكن ربما الحل يكمن في فتح عملية بناء سجل الأوامر بشكل أكبر وتوسعة دائرة المشاركة لتشمل جميع الراغبين في الاكتتاب، وهذا بالفعل ما يسمى بالاكتتاب المفتوح وتم تطبيقه في بعض الاكتتابات في الولايات المتحدة وبعض الدول، وهو ما سنتطرق إليه في مقالة قادمة.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734