الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كفاءة وموثوقية العنصر البشري في تطبيق نظم الرقابة الداخلية:
أُطر الرقابة تساعد الادارة علي قياس وفهم فعالية انظمة الرقابة الداخلية، ولابد من ادراك ان كل نماذج الرقابة يمكن ان توفر تاكيد معقول وليس ضمانا للموضوعية والمبررالمنطقي ان فعالية اي نظام رقابة في نهاية المطاف تعتمد علي جدارة ومصداقية العاملين بالمنظمة، اي انها تعتمد علي العنصر البشري فمهما كان نموذج الرقابة قوي وتم وضعه بمهنية عالية، او وضِع استنادا علي بعض النماذج التي تعتبر (benchmark) كنموذج (COSO) فعوامل فعاليته من عدمها تعتمد علي العنصر البشري الذي يقوم بتبني وتنزيل هذه المفاهيم وتطبيقها عمليا علي واقع العمل. ومن المرجح ان لا تعمل الضوابط الرقابية بشكل جيد اذا اعتقدت الادارة ان لا معني لها او حتي انها تشكل عقبة، او اذا تعمدث تجاهلها نتيجة لرغية محددة او حاجة غير اخلاقية، وبالتالي لن تقوم بدعمها وتوصيلها للموظفين علي جميع المستويات، مع العلم ان السياسات التي تنص على خلاف ذلك، اي التي تُولي اهتمام ورعاية للضوابط الرقابية، وتفرض مبادئي ومعاير واضحة لها، سينظرلها الموظفون على أنها “(Red Tape)” حيث “لا يمكن تجاوزها ” وصولا لأنجاز الاهداف المرجو تحقيقها.
نموذج (COSO)..نموذج الاطار المتكامل:
ومن اشهر نماذج الرقابة الداخلية نموذج (COSO) والمقصود بمصطلح نموذج ان كل منظمة تنظر للرقابة الداخلية بصورة معينة مع تحديد مفهوم معين لها حتي يسهل قياسها، وعند صدور نموذج (COSO) من قبل لجنة المؤسسات الراعية التي تكونت من خمس اجسام وهي اعضاء الهيئات المهنية المعنية بالامور المالية والمحاسبية، ومن بينها معهد المراجعين الداخلين الامريكي، حيث تغيرت مفاهيم واهداف الرقابة الداخلية من المفهوم الضيق المحدد مسبقا وهو الاهتمام فقط بالحفاظ علي النقدية والخزينة لتشمل جوانب اخري اكثر رحابة اولها التشغيل: والمقصود به كفاءة وفعالية الاعمال، وثانيها التقارير: والمقصود بها مصداقية ودقة التقارير المالية، وثالثها الالتزام: والمقصود به الالتزام بالقوانبن واللوائح والتعليمات ذات العلاقة. والجدير بالذكر ان نموذج (COSO) يعتبر معيارا ذو جودة متناهية يحقق الغرض المطلوب من انظمة الرقابة، ويمكن لجميع المنظمات قياس انظمة الرقابة الداخلية من خلاله. اي عمليا ان تقاس انظمة الرقابة مقارنة بالمعيارالموضوع من قبل (COSO) من ثم اصدار الحكم والتقييم.
بيئة الرقابة الفعالة أساس متين لمكنونات الرقابة الداخلية الاخري:
اهم واول مكون للرقابة الداخلية وفقا لنموذج (COSO) هو بيئة الرقابة وهي التي تؤسس لماهية ونوعية وجودة المنظمة، وبالتالي تؤثر علي وعي وادارك العاملين بها، وتعتبر الاساس والارضية الصلبة التي تُبني عليها مكونات الرقابة الداخلية الاخري، وتنقسم بيئة الرقابة الي سبع مكونات هي ( النزاهة والقيم الاخلاقية، الكفاءة، توافر السياسات والاجراءات اللازمة لادارة الموارد البشرية، السلطات والمسؤليات، فلسفة الادارة واسلوب التشغيل، الاهتمام والتوجيه المقدم من مجلس الادارة، والهيكل التنظيمي). واذا ركزنا تحديدا علي الركن الاول من بيئة الرقابة وهو النزاهة والقيم الاخلاقية نجد ان المنظمة مطالبة بأن تثبت التزامها بالنزاهة والقيم والاخلاقية، وبالتالي من الضرورة بمكان ان تُلزِم مواثيق الحوكمة والتدقيق الداخلي المؤسسات بتبني وانفاذ ميثاق للسلوك الاخلاقي وهو مجموعة من القيم والأخلاق العليا التي تُوجِه لضبط الممارسة المهنية والسلوكية داخل المؤسسة، ويعبر عن قواعد سلوكية تحكم واقع العمل فيما يتعلق بممارسات الاعمال المقبولة وغير المقبولة، وهذا المناخ المُعافي يعمل علي تكوين اتجاه إيجابي نحو أهمية الالتزام بالميثاق الأخلاقي مما يؤدي الي الاسهام في تعزيز مكانة المؤسسة والارتقاء بالاداء نظريا وعمليا في اطار قيمي واخلاقي واضح للجميع. وتُمارس القيم والمبادئ الأخلاقية في شتى مناحي الحياة، حتي في مفهومها البسيط الذي يتعلق بقبول العاملين للهدايا من عدمه، واستخدام معينات العمل من ادوات مكتبية، ووقود وغيره، والمفهوم الأسمي الذي يتعلق بالمعاملات مع العملاء، والموردين، وتعارض المصالح والافصاح عنه، وصولا الي الغاية المنشودة وهي المحافظة علي اصول المؤسسة وتحقيق اهدافها. وفي الواقع ضرورة الألتزام بالنزاهة واخلاقيات الاعمال موضوعا مهما يواجه المؤسسات الاقليمية والعالمية في الدول النامية والمتقدمة علي حد سواء.
فضيحة عملاق الطاقة الامريكي (Enron).. أزمة اخلاق:
وعطفا علي ماسبق ذكره بالرجوع الي دور العنصر البشري في تفعيل اوتغويض نظم الرقابة الداخلية وعدم ايلاء الجانب الاخلاقي اي اهتمام، نجد ان كل حالات سقوط وانهيار وفضائح الشركات العالمية في الثلاث عقود الماضية ان ما يجمع بينهما هو” نزعة الاحتيال” لا غيرعلي الرغم من ان كل المؤسسات التي انهارت تعتبر افضل المؤسسات المرموقة علي مستوي العالم وعلي سبيل المثال لا الحصر شركة (Enron) عملاق الطاقة الامريكي التي صُنفت الشركة الاكثر ابتكارا في امريكا من قبل مجلة (Fortune) لستة اعوام متتالية من 1996 حتي 2001 مما جعلها تحتل المركز السابع في تصنيف نفس المجلة ضمن تصنيفها لاكبر500 شركة امريكية، وفي عام 2000 قبل السقوط ادرجت مجلة الرئيس التنفيذي مجلس ادارة انرون ضمن افضل خمسة مجالس ادارية ، كما تمت الاشادة بالشركة لادواتها المتطورة في ادارة المخاطر المالية، حيث كانت تمتلك بيئة تنظيمية منتهي المهنية وخطة اعمال من طراز احترافي عالي، الا ان فضيحة السقوط كانت نتيجة لخطة احتيال مالي محبوكة بعناية فائقة ولم تكن بسبب المنافسة وتقلبات السوق. وقد كان انهيارها احدي اكبر المفاجات في عالم الاعمال نسبة للمكانة الكبيرة التي تشغلها الشركة في السوق الامريكي. وعلي الرغم من ان الشركة كانت تولي الجانب الأخلاقي اهتماما كبيرا، لا سيما أنها كانت تمتلك ميثاقا لأخلاقيات المهنة مكونا من خمس وستين صفحة يزخر بتشجيع الموظفين على تبني صفات مهنية كالنزاهة والصدق والأمانة واحترام أخلاقيات المهنة، الا ان القائمين علي امر الشركة تجاوزا كل الخطوط الحمراء لاخلاقيات المهنة، ليتم ارتكاب كل تلك الفظائع والفضائح المالية نتيجة للجشع والمصالح الشخصية وحب الذات.
اكبر عمليات الاحتيال المالي في التاريخ الامريكي:
وفيما يخص منصة FTX التي تعتبر ثاني اضخم منصة تداول عملات رقمية في العالم وتقدر من خلالها ثروة سام بانكمان مؤسس المنصة حسب تقدير مجلة فوربس بحوالي 25 مليار دولار اي ما يضعه علي قائمة اغني 70 شخصا في العالم رغم ذلك اتُهم بالاحتيال الإلكتروني والتآمر لارتكاب عمليات احتيال واسعة النطاق، وفي يوم الثلاثاء 13/12/2022 قال داميان وليامز المدعي العام الامريكي لولاية نيويورك 🙁 لقد ارتكب سام بانكمان واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في التاريخ الامريكي وهذه القضية تتعلق ( بالكذب والغش والسرقة، ولا نصبر عليها). مما يعني ان السقوط كانت نتيجة انهيار كل القيم الاخلالية لمؤسس المنصة ليتم تنفيذ جريمة الاحتيال بدم بارد، مما ادي الي نهاية اسطورة العملات المشفرة سام بانكمان للابد. وخلال مؤتمر صحفي متزامن مع المحاكمة وصُفت العملية، بأنها “واحدة من أكبر عمليات الاحتيال المالي في تاريخ الولايات المتحدة”، كما وُجهت 8 تهم جنائية، من بينها الاحتيال الإلكتروني، وغسيل الأموال، وانتهاك تمويل الحملات، كما وجهت هيئات التنظيم المالي اتهامات مدنية لبانكمان، والجدير بالذكر ان كل الثروة التي جناها الشاب المغامربانكمان بكفاءة عالية قبل ان يكمل الثلاثين من عمره، لم تسد رمق هذا الشاب الجائع، مما ادي الي تشظي كل القيم الاخلاقية وذلك كان نتاج طبيعي للطمع والجشع الذي ادي الي ذلك السقوط المُريع.
محددات قواعد السلوك الاخلاقي:
هناك بعض الممارسات الخاطئة للمُديرين تعمل علي اضعاف القيم الاخلاقية ينتج عنها مستقبلا ممارسات تلاعب وفساد، كالصفقات المشبوهة، والتهرب الضريبي، والغش في المنتج، وغيرها من الممارسات الخاطئة التي توفرمناخ ملائم للاحتيال، والجدير بالذكر ان هذه التصرفات نظريا تكون في مصلحة المؤسسة ولكن موضوعيا ينتج عنها عدم الاِلتزام بالسياسات واللوائح والقوانين داخل المؤسسة والمجمتع ككل، مما يفقد المؤسسة سمعتها ولعل اخطر الممارسات التي تؤدي الي سقوط مُدوي للقيم والسلوكيات الاخلاقية هو ان تكون الخلفية الاخلاقية للتنفيذين والمسؤلين ضعيفة وبالتالي يعملوعلي مخالفة مبادئي ومعاير نظم الرقابة الداخلية لتعلو المصالح الشخصية علي مصلحة المؤسسة، مما يمنح العاملين في الدرجات الدنيا مؤشر غير جيد لمخالفة تلك القواعد الاخلاقية، ويُسهم في توافر بيئة خصبة وحاضنة مواتية لضرب حوائط صد تلك الانظمة وانهيارها لا محال، وذلك ينتج عنه ان تواجه المؤسسة خطر الانهيار والسقوط مستقبلا. وبالتالي من الضرورة وجود مدونة للسلوك الاخلاقي من الناحية العملية وليس فقط شكلياً، اي لابد ان تعبرفعليا عن النواحي الموضوعية، ولابد من ان يتم تطبيق تلك القيم والسلوكيات وتسري علي كل العاملين بالمؤسسة، وان تكون مكتوبة وملزمة (ملزمة بمعني ان يكون العامل مهيأ نفسيا وعمليا لاِنفاذ تلك القواعد وتطبيقها علي نفسه)، والادارة العليا بالمنظمة لها دور فعال في ذلك لانها القدوة، وتمرير هذه السلوكيات للعاملين من خلال القدوة يكون له تأثير نفسي كبير وينعكس علي سلوك العاملين مما يخلق بيئة مهنية معافاه ومواتية للنجاح، واتذكر في احدي المؤسسات التي كنت اعمل بها كان المديرالعام يرفض قراءة الصحف بالمكتب وبكل ادب يقول (الوقت اثناء الدوام للعمل)، فالامانة والقيم الاخلاقية تُكتسب من القدوة ويُستدل بتتطبيقها من الميثاق المكتوب.
أثر الالتزام بقواعد السلوك الاخلاقي علي المتطلبات الاساسية لسلوكنا القويم:
لبيئة الرقابة اهمية متزايدة من بين انشطة المؤسسة المختلفة لانها الركيزة الاساسية التي تساهم في اكتشاف المشكلات وتقديم حلول لها. ويعتبر مجلس الادارة هو المسؤل الاول عن انظمة الرقابة الداخية كما يقع دوركبيرعلي عاتق الادارة التنفيذية والتي يُناط بها تنفيذ سياسات مجلس الادارة من تحقيق اهداف المؤسسة وغيره، ولكن ما سقناه من في السطور اعلاه فيما يخص سقوط وفضائح تلك الشركات الكبري يؤكد بما لا يدع مجال للشك ان العنصر البشري يعتبر اخطر عامل علي نجاح وفعالية الرقابة الداخلية من فشلها، وان بيئة الرقابة هي الاساس الذي يجب ان ترتكز عليه المكونات الاخري للرقابة الداخلية، وفي حالة فشل بيئة الرقابة لن يكون لمكونات الرقابة الداخلية الاخري اي دور، نتيجة لذلك يلعب الكادر البشري الدور الاهم في تفعيل هذا المكون، وعليه لابد من تبني وتطبيق واِنفاذ مكونات بيئة الرقابة الداخلية، والمجاهدة في تعزيز مبدأ النزاهة وبث معاني القيم والسلوك الاخلاقية بين العاملين. وعلي المؤسسات ان تبذل مزيدا من المجهودات في تفعيل وتعميق اول مكون من مكونات بيئة الرقابة الداخلية وهو قواعد السلوك الاخلاقي حتي لايكون العامل جاهل بتلك السياسات وان يكون علي دراية بنتيجة عواقبها الوخيمة في حالة مخالفتها، ويقع علي عاتق الادارات توضيح اهمية تلك المبادئي والمعاير ورفع شعار المؤسسة اولاً (اي ان مصلحة المؤسسة تعلو علي مصلحة الجميع)، ويكون ذلك من خلال عدة طرق منها الجلسات والاجتماعات والسمنارات،وتدريب العاملين علي تنمية قدراتهم لمواجهة المشاكل الاخلاقية المعقدة، وهناك بعض السلوكيات تُشعر العامل بقيمة المبادئي والمعاير الاخلاقية كالمساهمة في العمل الخيري، والاهتمام بالمسؤلية المجتمعية، وحتي الصلاة في وقتها بمسجد المؤسسة تؤطر لجو قِيمي واخلاقي جيد، كما لابد من حث العامل علي التبليغ الفوري عن الممارسات الخاطئة المكتشفة، والسلوك الايجابي والداعم لتلك القيم الرفيعة من قبل المسؤلين في الادارات العليا يحدد نوعية وثقافة الشركة، ويعمل علي ايجاد مناخ اخلاقي جيد لاِنفاذ هذه المبادئي والمعايير، مما ينعكس ايجابا علي مصلحة المؤسسة، وبالتالي الحد الفاصل بين النزاهة والاحتيال هو الالتزام بقواعد السلوك الاخلاقي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال