الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا يمكن لمنصف أن ينكر الجهود التي تقوم بها وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية في توطين الوظائف في القطاع الخاص ، والعمل على توظيف أكبر عدد ممكن من الشابات والشباب السعودي . لكن لا يمكن إيضا تجاهل الأعداد الكبيرة جدا من العاطلين من الشباب السعودي الذين بلغ بهم اليأس مبلغه وهم يستجدون العمل ممن يستحق ومن لا يستحق . فكيف يمكن القبول بهذه الأعداد الهائلة من العاطلين السعوديين في سوق يتجاوز فيه غير السعوديين نسبة 89٪ من العاملين فيه .
بداية ركزت وزارة العمل ومعها صندوق الموارد البشرية على (طاقات) بمساعدة عدد من شركات التوظيف على الوظائف الدنيا في السوق ، خصوصا قطاع التسويق . لذلك فرضت وزارة العمل سعودة عدة قطاعات معظم خدماتها تسويقيه ، كسوق الذهب والاتصالات والمستلزمات النسائية وقريبا خدمات تأجير السيارات وغيرها .
وتلك الوظائف مغرية للوزارة لأنها توظف اعدادا كبيرة من طالبي العمل و لا تتطلب تخصصات دقيقة ولا مهارات معقدة ويمكن تدريب مهاراتها البسيطة بسهولة . و تلك الوظائف قد تناسب بعض التخصصات النظرية ، لكنها لا تناسب التخصصات المهمة لسوق العمل والتي تنادي بها وزارة العمل ، وتحث الشباب على الإلتحاق بها ليتمكنوا من دخول سوق العمل بيسر . ككل التخصصات الطبية والهندسية والحاسب وغيرها ، والتي يشتكي خريجوها من البطالة كغيرهم من التخصصات النظرية .
والمشكلة الأخرى في وظائف التسويق أنها منخفضة الدخل بالنسبة للشباب السعودي ، خصوصا انها تخلو في الغالب من العمولة والبدلات الأخرى لأن معظم تلك الوظائف ضمن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لا تستطيع تقديم الكثير من المزايا . لكن أكبر مشاكل مهنة التسويق دوامها الذي يمتد لما يقارب 14 ساعة في بعض المجالات ولا يقل عن 11 ساعة في اليوم في أي مجال تسويق.
كل تلك الإشكاليات تجعل الإقبال على مهن التسويق من الشباب إقبالا ضعيفا جدا مقارنة بعدد العاطلين . وحتى أولئك الذين يقبلون بتلك المهن لأي سبب لا يمكثون فيها طويلا و يتركونها لمهن أخرى أو للشارع في الغالب .
والشركات العاملة مع طاقات يهمها ذلك العدد الكبير من التوظيف بغض النظر عن النوع ، فعوائدها تعتمد على عدد الموظفين لا نوعية التوظيف . فخلال رحلة التوظيف تحصل الشركة على مبلغ عن كل مرحلة بدءا من التسجيل مرورا بالتوظيف وإنتهاءا بالإستمرارية التي حددت بثلاثة أشهر فقط .
ولو عاد الموظف مرة أخرى يدخل مرة أخرى في نفس الرحلة أي أن شركات التوظيف تبيع العامل السعودي على الحكومة أكثر من مرة في العام ، العائد هو ما يعنيهم. كأنهم الحانوتي (القبوري) الذي يدعو بكثرة الموتى. ولأن تدريب وتوظيف وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية والشركات العاملة معهم غير نوعي وهو مجرد تدريب وتوظيف شكلي فإن الشركات الكبيرة والمساهمة ترفض التعامل معها ، أو تتعامل معها في أضيق الحدود وفي المهن البسيطة ، بل حتى الشركات الصغيرة والمتوسطة ترفض توظيف المهن الدقيقة عن طريق هدف وطاقات .
النتيجة لكل ذلك توظيف سطحي أشبه بديكور خارجي على مبنى قديم متهالك آيل للسقوط . فالوظائف العميقة في سوق العمل السعودي مازالت بعيدة المنال عن السعوديين ولا تستطيع وزارة العمل فرضها على الشركات . لضعف تأهيل السعوديين ، ولرفض القطاع الخاص خوض مغامرة التأهيل المكلفة وغير المضمونة في مقابل العامل غير السعودي المؤهل ، ولضعف تأهيل وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية والشركات العاملة معهم .
وفيما يتعلق بنطاقات الذي كان أداة الوزارة في فرض السعودي على القطاع الخاص فقد أدركت الوزارة صعوبة تطبيق النظام حرفيا ، وقد تسبب تطبيقه الصارم الضرر لبعض الشركات ، وحدث بسببه السعودة الوهمية للخروج من مشكلة إيقاف الخدمات . لذلك إبتكرت الوزارة ما يسمى بالتوطين الموازي ، حيث تدفع الشركة مبلغ مالي عن كل موظف سعودي كان يفترض توظيفه . وقد سألت بعض أصحاب الشركات عنه ، فقالوا أنهم يفضلونه عن التوظيف الوهمي الذي كانوا يقومون به ، وفي كل حال هم لا يفضلون توظيف السعودي .
أخيرا الشباب السعودي الذي يملك تخصصات نوعية دقيقة وخبرات جيدة أو حتى بدون خبرة يفضلون البحث بأنفسهم عن الوظائف التي تناسبهم بعيدا عن وزارة العمل والصندوق ، لسببين رئيسيين ؛ الأول سرعة الحصول على العمل عن طريق البحث الفردي، والأهم نوعية العمل الذي يأملون العمل به، أن يكون مناسبا لمعارفهم وخبراتهم وطموحاتهم بعيدا عن المهن المعلبة التي تقدمها الوزارة والصندوق .
من الواضح جدا أن سوق العمل السعودي عاجز عن (تقبل) الشبابالسعودي ، ومن يتحدثون عن عدم قدرة السوق على استيعاب العاطلين أقول لهم إين هم من ملايين العاملين غير السعوديين في كل التخصصات والمهن ؟ المسألة ليست استيعاب بل تقبل .
نحن أمام معضلة حقيقية ومشاكل هيكلية معقدة أدت إلى ما نراه من حجم البطالة المتزايد كل عام ، في مقابل عجز واضح للمؤسسات الحكومية ذات العلاقة في علاج تلك المشاكل . وماذا بعد ؟ لي عودةالأسبوع القادم بإذن الله .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال