الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بداية لمن يعترض على العنوان، اقول له لست أنا من يقول ذلك، بل جامعة هارفارد هي التي تقول. وقبل أن تبدأ او تبدئين باتخاذ موقف عدائي دعوني احكي لكم القصة كاملة.
في عام ١٩٥٧ م أطلقت شركة يونيليفر العالمية صابونها الجديد الذي لا يتسبب بجفاف البشرة مثل الماركات الأخرى، صابون دوف، و الذي نجح حتى بدأ الأطباء في الثمانينيات بوصفه كدواء لجفاف البشرة.
في العام ٢٠٠٠ م بدأت يونيليفر بتطبيق استراتيجيتها الجديدة، و التي تقتضي حصر علاماتها التجارية، ١٦٠٠ علامة تجارية في ذلك الوقت، مبقية ٤٠٠ علامة تجارية فقط، و اختارت دوف لتصبح علامة تجارية رئيسية. يعني هذا التحول اندراج العديد من المنتجات الأخرى، مثل مزيلات العرق و كريم الشعر و مرطبات الجسم، بالإضافة الى الصابون تحت علامة “دوف” التجارية. لم يعد ممكناً أن يستمر تسويق علامة دوف التجارية بالمزايا الوظيفية للصابون، أصبحت دوف بحاجة لأن تصبح شيئاً أكبر، أن تصبح وجهة نظر.
هنا ظهرت سيلفيا لاجنادو، و التي تولت إدارة العلامة التجارية “دوف”. و كانت أولى خطوات سيلفيا في هذه المهمة هي إطلاق دراسة عالمية مكثفة لتوثق ماهية الجمال، كيف تراه النساء وكيف يراه المجتمع.
“شابة، بيضاء، شقراء، نحيلة”، كانت هذه نتيجة الدراسة!! ماتصفه صناعة التجميل و إعلام الموضة بالجمال هو شابة شقراء ممشوقة. لم تقتنع سيلفيا أن هذا هو فعلا ماتراه المرأه في الجمال، ربما كان هو السائد، لكن ذلك لايعني بالضرورة صحته. فاتجهت سيلفيا للخبراء، واستعانت بفريق بحثي مكون من شركة ستراتيجي اند الاستشارية، و جامعة هارفارد و كلية لندن للأعمال لإجراء بحث علمي حول ماهية الجمال و تأثيره في حياة النساء، و كانت النتائج صادمة.
شملت الدراسة ثلاثة الاف و مائتا سيدة تتراوح أعمارهن بين ١٨ و ٦٤ عاماً من عشرة دول. الصدمة كانت أن ٢٪ من النساء فقط اخترن أن يصفن أنفسهن بـ “جميلة”، رغم أن ٧٢٪ منهن يشعرن بحاجة ملحة لأن يكونوا “جميلات”. العجيب أن ٨٠٪ من النساء أشرن الى أن كل امرأة لديها ميزة تجعلها جميلة، لكنهن لا يستطعن رؤية هذه الميزة في أنفسهن هن.
المستوى المتدني لتقدير الذات و عدم القناعة بالمظهر التي أظهرته هذه الدراسة أحد أهم أسبابه هي الممارسات اللا أخلاقية لصناعة التجميل و منتجاته، صناعة يفوق حجمها الـ ٢٠٠ مليار دولار سنويا تستخدم الحاجة للإحساس بالأمان و الكمال لدى المرأة لتسويق منتجاتها “هل رأيت النقص الفلاني فيك سيدتي؟ منتجنا يخفيه لك لكي تستطيعي الثقة بأنك جميلة”.
قررت “دوف” أن تعيد تعريف صناعة الجمال، أن تتحدى السائد و الدارج، و أطلقت أحد أنجع الحملات الاعلانية في تاريخ الأعمال “حملة دوف للجمال الحقيقي”. تابع النساء الحملة في الشوارع و الأماكن العامة و القنوات، لم تطلب “دوف” من النساء شراء المنتج أو تحدثهن عن عيوبهن التي تخفيها منتجات “دوف”، بل ركزت على دعم النساء و تشجيعهن ليروا جمالهن بدون أي تأثير.
أنشأت الحملة موقعا الكترونياً يتحدث فيه النساء عن تجاربهن و آرائهن حول الجمال الحقيقي، كما وظفت سبعين مصورة مهمتهن تصوير الجمال الحقيقي للنساء. نشرت الحملة صورا لنساء طبيعيات، بلا مكياج ولا فوتوشوب، بنمشهن و شعرهن الرمادي و تجاعيدهن، و طلبت من المشاهدين أن يصوتوا على هواتفهم النقالة حول مايرونه فعلا في هؤلاء العارضات: هل يرون نمشاً أم يرون جمالاً مميزاً؟ هل يرون شعرا رمادياً ام يرون تألقا؟
أرادت الشركة التي تدير الحملة (اوجيلفي و ماذر) أن تري المشاهد ماوراء الحملة، و استضافت طفلات المدراء التنفيذيين في بيبسيكو ليتحدثوا عن ثقتهم بأنفسهم و بمظهرهن، كانت الإجابات صاعقة لدرجة أن اوجيلفي حولت هذه الفكرة الى اعلان بحد ذاته. في احد صور الاعلان ترى طفلة صغيرة يكاد يذوب قلبك من جمالها، وتقرأ تحت الصورة “تكره نمشها”، و ترى طفلة أخرى تشع بجمال الطفولة كله، و تقرأ تحت الصورة “تتمنى لو كانت شقراء”، هذه كانت اجاباتهن فعلا !!
لم تستطع برامج الحوارات و نشرات الأخبار العالمية التوقف عن التحدث عن مايحدث في حملة دوف، عن عارضة الإعلانات الجديدة و التي تبلغ من العمر ستة و تسعين عاماً، عن صدمات الحملة الجديدة للجمال القديم الذي تعيده دوف للحياة. أحب الناس الحديث عن قيم الحملة، و انضم لهم المؤثرون في الاعلام و الاعلام الاجتماعي. نشرت الاف المقالات و مئات التغطيات الاذاعية و التلفزيونية و التي قدر معادلها الإعلاني بما يساوي عشرة ملايين جنية إسترليني.
كانت آخر مراحل الحملة هي أن تبرهن دوف على أن ماتقوم به يتجاوز الإعلانات، فقامت بتأسيس “صندوق دوف العالمي لدعم تقدير الذات” لتعزيز تقدير الذات لدى الشابات و المراهقات من حول العالم. هذا الصندوق دعم بدوره مشروع “أنا مميزه” الذي تديره جمعية الكشافة الأمريكية لتعزيز الثقة في الذات بين البنات من عمر ٨ و حتى ١٧ عاماً.
في عالم ٢٠٠٦، بعد عامين من إطلاق الحملة، اختارت منظمة لاندور “دوف” كأحد أسرع العلامات التجارية نمواً من حيث القيمة السوقية و صحة العلامة التجارية في العالم. ارتفعت مبيعات دوف بمايقدر بـ ١.٢ مليار دولار، يعزى جزء كبير من هذا الارتفاع الى نجاح “حملة دوف للجمال الحقيقي”.
السؤال الآن: هل تستطيع العلامات التجارية تغيير العالم؟
الجواب: نعم، إذا توفر لها الابداع والشجاعة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال