الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
التغيير السريع في محاور التنمية الثلاثة “بيئية، إقتصادية، إجتماعية” هو أقوى محرك للمنظمات لتفعيل دور إدارة المعرفة، لأن المعرفة ليست مسلمات أو كلام منزل من السماء أو كتاب له إصدار دوري بموعد معلوم، إن التغيير المؤدي لتغيير المعرفة يحدث بين يوم وليلة أو حتى بين لحظة وأخرى ويترتب عليه ربما ضرورة تعديل قرار إستثماري بملايين الدولارات، وبلادنا اليوم تمر بعمليات إدارة تغيير Change Management و تحول Transformation تشبه ما تقوم به الشركات الكبرى من ناحية السرعة والمرونة حيث أصبحت قرارات الدولة أسرع من تفكير المواطن، ولا يمكن هنا حتى تشبيهها بالقطاع الخاص الذي أصبحت الدولة تتفوق عليه وهذه ربما تكون سابقة تاريخية بين الأمم.
فعلاً، ليس لما يتم مثيل في التاريخ المعاصر إلا تجارب نادرة مثل النمور الأسيوية سنغافورة وماليزيا وغيرها، مع وجود إختلاف كبير في ظروف المنطقة المحيطة، حيث نعيش في المنطقة الأكثر إشتعالاً، مما يجعل من هذه المهمات تحدياً كبيراً للدولة والشعب على حد سواء. السؤال الهام الذي يتبادر إلى الذهن الأن، هل التحول القادم يرتكز على زيادة “الريع” بإستخراج وبيع ثروات أكثر الأرض أم أنه سيرتكز على إستثمار الثروة المعرفية. الإجابة الواضحة على هذا السؤال من واقع المعطيات الحالية، أن زمن المال السهل الذي كان في عهد “الإقتصاد الريعي” قد إنتهى وأصبح بناء أو إعادة بناء الثروات قائماً على إستثمار المعرفة والتي تبدأ بإدارة المعرفة.
لمسنا مؤخراً مقدمات التغير الإيجابي الكبير والإصلاحات الإقتصادية والإجتماعية والبيئية في المملكة، كان من أبرزها من وجهة نظري، تغيير النظرة إلى “الرشوة” لدى رجل الشارع وصاحب القرار من أنها شيء “عادي” ويمارسه الجميع، ولا يمكن تنفيذ المشروع بدونها، إلى كونها جريمة قد تؤدي إلى خسارة الحرية والمال بقوة القانون “كائناً من كنت”، حيث كان الطالب أو الكاتب يسرق كتاباً أو بحثاً ليقدمه لأستاذه أو لجمهوره على أنه من إعداده فينال ترقية أو درجة علمية أو وظيفية أو يبيع من كتابه نسخاً تدخل لحسابه ملايين الريالات، والطامح الكسول الذي يشتري شهادة وهمية لتقديم نفسه للمجتمع بلقب “دكتور” ويدعي العلم في مجال ما ليجمع المال الحرام، فينثر نظريات جذابة تستميل القلوب دون وجود أي أساس علمي سواءً في علم النفس أو الفلك أو الإقتصاد وما يسمى بالتنمية البشرية أو غيرها، والمقاول الذي ينفذ المشروع شكلاً مع مضمون فارغ وجودة منخفضة لينال مكسباً أسطورياً، كل هذا الهراء انتهى وأصبح الجميع ملتزماً وخائفاً من مطرقة النظام بعد أن قالت الدولة كلمتها، وهذا قد أحدث تغييراً جذرياً في المجتمع السعودي خلال أشهر معدودة!!. وقد رأينا بأم أعيننا ما كانا نقرأه في الكتب عن أسطورة “غسيل الدرج من الأعلى للأسفل” والتي كان أول من تحدث عنها رئيس وزراء سنغافورة السابق.
وهنا نعطي مثالاً إقتصادياً يوضح الفكرة فقد كانت الفجوة في إدارة المعرفة سبباً مباشراً في وقوع العديد من شركات المقاولات تحديداً في قضايا فساد بسبب إستمرار موظفيهم بالعمل بالطريقة القديمة “الرشوة لتعظيم الربح” ومن ناحية أخرى كان هناك دور كبير للموظفين المفصولين بتلك الفترة في الكشف عن مستندات سرية تثبت فساد شركاتهم السابقة، وترتب على ذلك وصول عدد ملفات الفساد عام 2017 فقط إلى أكثر من عشرة آلاف قضية!! ولو تم بناء القرارات بهذه الشركات على “معرفة” سليمة لكان هناك إستدامة في الإستثمار، ولكان القرار الهادف للإستدامة هو العمل بكفاءة وصدق و”الرضا” بالطرق النظامية وإن كان ربحها قليلاً والبعد عن الخطأ وإن كان سائداً، ولكن نظراً لوجود الغير سعوديين بالمفاصل الرئيسية بهذه الشركات وبطبيعة الحال عدم وجود الحرص الكافي لديهم على أرواح الناس فيها بقدر حرصهم على جمع أكبر قدر من المال، حيث كانت المعلومات بهذه الشركات لدى أشخاص محدودين لا يتعدون أصابع اليد الواحدة في شركة يبلغ عدد موظفيها آلاف الموظفين يعملون كمنفذين فقط!!.
وعندما حدثت “الطامة” والمحاسبة من الدولة تم القبض على “السعودي” صاحب الحلال الذي “لا يعرف” هو شخصياً عن شركته إلا المبلغ المودع بحسابه سنوياً أو كل ربع سنة ليعيش حياة مرفهة، ولم ولن يعرف شيئاً عن ما يسمى “إدارة المعرفة” وأن عدم تطبيقها كان سبباً في سيطرة الأجنبي عليه، ثم هروبه عند سقوط الشركة، مع عدم وجود مسؤولية قانونية عليه إلا في حالات قليلة جداً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال