الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حققت الباحثة الاقتصادية الأميركية كلوديا غولدن جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2023 عن بحثها (التاريخ يساعدنا في فهم الفروق بين الجنسين في سوق العمل)، وقد ركزت على فكرة (التمييز ضد المرأة) من حيث حقيقته، وأسبابه، وتطوره تاريخيا. المرأة في كل مكان وزمان تواجه صعوبات في سوق العمل لأسباب طبيعية، وأسباب اجتماعية، وأسباب اقتصادية.
وتجربة المرأة السعودية في سوق العمل حديثة جدا، والصعوبات التي واجهتها وستواجهها كثيرة، بعضها من السهل معالجته، والبعض معقد وقد يستغرق سنين للتغلب عليه، والبعض الأخر لا يمكن حله بحال.
أعتقد، بل أكاد أجزم أن أكبر صعوبة تواجهها المرأة السعودية في سوق العمل هي نظرة المجتمع للعاملة في الأماكن المختلطة، خصوصا تلك التي يكون فيها الاختلاط كاملا، وأساسيا لإنجاز العمل. ولمحدودية الوظائف غير المختلطة فإن أمام بعض النساء خيارين، إما مواجهة نظرة المجتمع خصوصا المقرب منها بالعمل في الأماكن المختلطة، أو الإنتظار الطويل لفرصة عمل غير مختلط، التي قد لا تأتي أبدا.
وهذا العائق ينطوي على عدة عوائق مرتبطة به، أولها رفض الأسر عمل الفتاة في تلك الأماكن خوفا من نظرة المجتمع. ومنها رفض الفتاة نفسها للعمل في مثل تلك الأماكن لخوفها من تأثيره على زواجها، فبعض الشباب لا يقبل بالزواج من فتاة تعمل في الأماكن المختلطة.
العائق الآخر المرتبط بالأماكن المختلطة، وجود مضايقات في أماكن العمل تصل للتحرش، خصوصا في بعض مؤسسات القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة. وهذا الأمر وإن كانت القوانين صارمة جدا في مواجهته، وقادرة على حماية المرأة بكل قوة. إلا أن الإشكالية تكمن في خوف بعض الفتيات من تقديم شكوى بسبب نظرة المجتمع. وخوفا من أسرهم بعدم السماح لهن بالعمل مرة أخرى، ويفضل معظمهن ترك العمل على تقديم شكوى بحق المضايق، أو المتحرش.
وهنا أتمنى على كل العاملات سعوديات أو غير سعوديات، في أي مكان ألا يسكتن عن أي مضايقة يتعرضن لها من أي شخص كان. قد تكون التكلفة في البداية كبيرة كالفصل، وربما الصدام مع الأسرة، لكن المكسب الخاص والعام على المدى الطويل كبير جدا. والمسيء جبان وإن بدا صوته مرتفعا وتهديده حادا، فذلك صوت الخوف وليس الشجاعة. والنظام قوي وصارم ولن يرحم المعتدي على المرأة مهما كان وضعه، والشواهد من الواقع كثيرة.
ومن العوائق التي سعت وزارة الموارد البشرية في حلها، طبيعة مكان العمل غير المناسب للمرأة، من حيث مكان العمل نفسه (المكتب)، والمرافق الأخرى الضرورية. حيث تعاني كثير من مواقع العمل خصوصا في المنشآت المتوسطة والصغيرة من عدم مناسبتها لعمل المرأة. وبعض الموظفات يتركن العمل لهذا السبب تحديدا. وهذا الأمر طبيعي وحل إشكاليته مجرد وقت.
أما العائق الأكثر إيذاء للمرأة السعودية فهو تسلط بعض المديرين وتحكمهم فيها بطريقة غير مناسبة، مستغلين بند موجود في كل العقود و الذي ينص على (تنفيذ أي أمر تطلبه الإدارة). وقد استغل هذا البند بعضهم حتى من غير السعوديين لأسباب مختلف منها الضغط عليها لتترك العمل، وربما لمجرد الإساءة لها فقط كونها امرأة وكونها سعودية.
والضغط على المرأة العاملة ظاهرة عالمية لأنها أقل قدرة من الرجل على المواجهة، وأقل منه قدرة على ترك العمل والبحث عن عمل آخر. لذلك تقع المرأة تحت العمل المجهد، وفي بعض الحالات تكلف بأعمال لا علاقة لها بالعمل المنصوص عليه في العقد. وقد تكون بعض الأعمال مهينة، كالطلب من موظفة إدارة تجهز القهوة أو تنظف المكان.
أما أحد أكبر عوائق عمل المرأة فهو المواصلات. ورغم أن السماح بقيادة المرأة خفف كثيرا من مشكلة المواصلات، إلا أن هذه المشكلة مازالت قائمة. وقد عملت وزارة الموارد البشرية على التخفيف منها عن طريق تقديم دعم نقل للعاملات لمن تقل رواتبهم عن 8 آلاف ريال، إلا أن هذا الدعم محدود بمبلغ شهري، ومحدود بمدة زمنية يتوقف بعدها. لذلك يظل تأثيره محدودا. والمواصلات العامة في بداية العمل، ولم تثبت كفاءتها بعد. ومشكلة المواصلات قديمة وحوادث المعلمات على الطرق الطويلة تدمي القلب.
ومن العوائق المخالفة للشرع وللنظام اشتراط كشف الوجه. ليس بشكل مباشر ضمن شروط التوظيف، ولكن ضمن أسئلة المقابلة الشخصية، مثل (هل تقبلين بكشف الوجه)، أو (يفضلون كشف الوجه، ايش رأيك؟) وما إلى ذلك من أسئلة وملاحظات.
ومن مشاكل المرأة في سوق العمل على مستوى العالم، عدم إسناد الإدارات الهامة والقيادية لها كونها امرأة، ويزداد الأمر صعوبة إن كانت متزوجة ولديها أطفال. والأخير قد يحرم المرأة من التوظيف من الأساس، فبمجرد معرفة أن المتقدمة للوظيفة متزوجة ولديها أطفال يتم استبعادها من الترشيح مباشرة.
وما لم يتم التغلب على تلك الصعوبات فلن ينخفض المعدل الحقيقي لبطالة المرأة السعودية، وبالتالي لن ينخفض معدل بطالة السعوديين، للوصول لمعدلات البطالة العالمية في الدول المتقدمة التي تتراوح بين 2-5٪. وجهود وزارة الموارد البشرية في هذا الجانب مشكورة، ونأمل منها المزيد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال