الثلاثاء, 3 سبتمبر 2024

قرارات “أوبك” وإعادة تشكيل الاقتصاد السعودي

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

طلعت

مع تقديري واحترامي الشديدين لقرار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في اجتماعها الأخير الذي عقد بتاريخ 4 كانون الأول (ديسمبر) بالعاصمة النمساوية (فيينا)، بعدم تقليص حصص الانتاج لدعم أسعار النفط المتهاوية بأكثر من 60 في المئة مقارنة بما كانت عليه في شهر حزيران (يونيو) من العام الماضي، إلا ان مثل هذا القرار والذي قد يكون له مبرراته المنطقية، سوف يضر آجلاً أم عاجلاً بالاقتصادات الريعية للدول الأعضاء بالمنظمة وخارجها، التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات بيع النفط الخام، في تسيير أمورها الاقتصادية والتنموية، والتي من بينها المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، ما قد يؤثر على مسيرة وسير عملياتها التنموية بجميع اتجاهات الحياة، لا سيما وأن المعلومات تشير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي قد تحقق خسائر هذا العام نتيجة لانخفاض أسعار النفط العالمية بما يزيد عن 300 مليار دولار أميركي.

إن استمرار تهاوي أسعار النفط العالمية، يتطلب لا محالة وأصبح واقعا يفرض نفسه على الاقتصاد السعودي أن يخرج من هذه الدوامة التي أَسميها ب “دوامة أسعار النفط العالمية” بحيث يتم تطوير آليات عمل وأداء الاقتصاد الوطني بعيداً عن النفط، ويصبح النفط والإيرادات المتولدة عن بيعه بمثابة مصدر دخل ثانوي وليس مصدرا رئيسا للدولة.

اقرأ المزيد

إن خروج الاقتصاد الوطني من مأزق النفط ودوامة الأسعار، يتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، بالشكل الذي بالفعل ينتج عنه التنويع المطلوب في القاعدة الاقتصادية، بحيث لا يصبح الاقتصاد السعودي حبيسا للنفط كمنتج رئيس للاقتصاد، مما يتطلب وكما أشرت في مقالٍ سابق ضرورة تفعيل سياسات التنويع الاقتصادي بالشكل المنشود، والذي بدوره سينعكس بشكل ملحوظ على المالية العامة للدولة، التي لا تزال وحتى نهاية العام الماضي تُشكل إيرادات النفط نصيب الأسد من إجمالي الإيرادات (النفطية وغير النفطية).

إن تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني، يتطلب التركيز بشكل أكبر مقارنة بأي وقتٍ مضى على الصناعات التحويلية، لا سيما وأن التركيز على الصناعات التحويلية سوف يتحقق عنه العديد من الأهداف التي تنشدها الدولة ممثلة بوزارة التجارة والصناعة، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، رفع طاقة الاقتصاد الوطني الإنتاجية، وتحقيق تنمية صناعية إقليمية متوازنة، والرفع من إنتاجية القطاع الصناعي، بما في ذلك التقليل من اعتماد الصناعة على العمال غير السعوديين وإحداث التكامل بين مختلف الصناعات القائمة.

أيضاً إن تنويع القاعدة الاقتصادية، يتطلب التركيز على الاستغلال الأمثل للثروات المعدنية المتوافرة في البلاد، من خلال تشجيع الاستثمارات وجذب المزيد من الشركات الوطنية والأجنبية إلى قطاع التعدين، لاسيما وأن المملكة تتمتع بمخزون كبير من الثروات المعدنية المختلفة، وبالذات التي يتميز بها الدرع العربي الذي يغطي معظم الأجزاء الغربية للمملكة، والذي تحتوي صخوره على معظم الرواسب المعدنية الفلزية مثل الذهب، والفضة، والنحاس، والزنك، والحديد وغيرها.

إن تحفيز القطاع الخاص لأن يكون شريكاً أساسياً وجوهرياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المملكة، سيكون له مردوده الكبير على الاقتصاد الوطني، لاسيما وأنه وعلى الرغم من التطور ومرحلة النضوج التي وصل إليها هذا القطاع، إلا ان مساهمته بالناتج المحلي، التي تقدر بنحو 40 في المئة، لا تزال من وجهة نظري دون المستوى المأمول، لاسيما لو تم ربط تلك المساهمة بالدعم المادي واللوجستي والمعنوي الذي تقدمه الدولة لهذا القطاع.

إن تنويع القاعدة الاقتصادية للاقتصاد الوطني، يتطلب التركيز على تنمية قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، باعتباره مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن توليد النسبة العظمى من الوظائف في الاقتصاد، ويعتبر المشغل والمحرك الأساسي للتجارة والتنمية في البلاد، ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن مساهمته في الناتج المحلي للمملكة لا تزال متواضعة ودون المستوى المأمول والتي تقدر بنحو 33 في المئة من إجمالي مساهمة القطاع الخاص التي هي جزء منه.

آخراً وليس أخيراً، إن تنويع القاعدة الاقتصادية للاقتصاد الوطني، يتطلب التفكير في فرص اقتصادية جديدة ومبتكرة، مثل تفعيل قطاع السياحة بشكل عام وتحويله إلى صناعة فعلية وحقيقية، وبالذات قطاع صناعة الأعمال، أو ما يعرف بصناعة المؤتمرات والفعاليات أو صناعة الاجتماعات Meeting Industry، لاسيما وأن مثل هذا النوع من الصناعة (المؤتمرات والفعاليات) شهد نمواً كبيراً وملحوظاً في المملكة، إذ تشير المعلومات إلى أنه قد تم الترخيص هذا العام لنحو 7000 فعالية في المملكة، بنسبة نمو تقدر بنحو 23 في المئة مقارنة بالعام الماضي، كما أنه يوجد بالمملكة نحو 1500 مؤسسة وشركة لتنظيم الفعاليات (مصنفة وغير مصنفة)، إضافة إلى وجود نحو 1600 مورد للخدمات للمراكز والمعارض. ومن بين الأفكار المبتكرة أيضاً لتوسيع القاعدة الاقتصادية للاقتصاد الوطني، التفكير في تبني ما يعرف بصناعة أو بسياحة الترانزيت، وبالذات وأن المملكة تتمتع بالعديد من المقومات السياحية الجاذبة للسائحين الأجانب، وتُعد منفذاً سهلاً لأوروبا وآسيا وأفريقيا، وتمر عبر أجوائها شركات طيران عديدة بسبب موقعها الجغرافي المتميز، إذ على سبيل المثال، تمر فوق اجواء مدينة حائل وحدها أكثر من 100 شركة طيران عالمية شهرياً، بسبب موقعها الاستراتيجي.

نقلا عن الرياض

ذات صلة

المزيد