الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم تعد قضايا تمكين المرأة مثيرة للجدل كما كانت في السابق فالمجتمع والمرأة السعودية الآن تخطوا هذه المرحلة لتدخل مرحلة جديدة في تعزيز القوانين التي تهدف لإدماجها في المجتمع وتعديل تلك التي لم تعد تتواكب مع المتغيرات الإجتماعية والاقتصادية ولم تحث عليها تعاليم ديننا الإسلامي بل كانت قوانين وحدود وهمية.
فالتشدق بقضايا تمكين المرأة أصبح تنظير ووسيلة لإثبات الوجود عبر استغلال قضايا المرأة دون أي فائدة حقيقية مضافة لواقع المرأة السعودية وقضاياها وهمومها الحقيقية التي الآن تعدت مصطلح “تمكين”، فقيادتنا الرشيدة اليوم مكنت المرأة وأصبحت تؤكد على أدوارها وحقوقها، وتعمل على تفعيل أدوارها تنفيذياً وعلى كل المستويات لذا فنحن بحاجة إلى استراتيجيات توازن بين الرجل والمرأة على جميع الأصعدة لتحقيق التكامل في التنمية الإقتصادية بفعالية والحد من الفجوة بين الجنسين.
في الدراسة التي عملت عليها مؤخراً وناقشت من خلالها “استراتيجيات التوازن بين الجنسين وإدماج النوع الإجتماعي في التنمية” من فئة البحوث الاقتصادية وضعت إطار عمل استراتيجي وآلية تفعيل تهدف إلى تكامل الأدوار بين المرأة والرجل لبناء مجتمع حيوي متماسك قادر على مواكبة المستجدات المحيطة به وتوفير مقومات الحياة الكريمة، والذي أصبح معه دور المرأة كشريك في التنمية مهماً وأساسياً في صناعة التحول للخروج ببرنامج وطني يضع الأطر التشريعية والتنظيمية لتحقيق التوازن المطلوب ويدعم رؤية الملكة 2030 وبرامج التحول الوطني .
وحقيقة لابد من التركيز على تعزيز التقدم وقياسه في عدة جوانب رئيسية منها تولي المرأة لمناصب قيادية عليا، وتمثيل المرأة في المجالات التقنية والمتخصصة، وتهيئة أماكن عمل تدعم التوازن بين الجنسين، وكنت قد طالبت في مقال سابق بإنشاء “هيئة عامة لشؤون المرأة” تعمل على تمكين المرأة السعودية على كل المستويات وتساهم في تأسيس البنية التحتيه لتمكين المرأة وتعزيز القرارات والتشريعات المتعلقه بها خلال مرحلة التحول فالمتغيرات سريعه وتحتاج لتركيز الجهود لمواكبة المتغيرات بشكل موازي والتنسيق مع كل الجهات. (يمكن الرجوع للمقال السابق هنا)
ولكنني اليوم أرى أن المتغيرات المتسارعة تفرض علينا تخطي هذه المرحلة إلى مرحلة أكثر موائمة لتحقيق التنمية في مجال التوازن بين الجنسين تحتم علينا ضرورة تحقيق الإلتزام والمراقبة للسياسات والبرامج ودمج الجنسين في السياسات والبرامج (سياسات ادارة الموارد البشرية، موازنات مستجيبة للنوع الإجتماعي) من خلال مبادرة تعمل على اعداد وتهيئة قيادات الإدارات العليا كالمدرآء ووكلاء الوزارات، المسؤولين التنفيذين وأعضاء مجالس الإدارات ومدرآء أقسام الموارد البشرية في المؤسسات العامة والخاصة، والعمل على بناء الوعي والإلتزام بتطبيق استراتيجيات التوازن بين الجنسين من خلال خبراء في هذا المجال واتخاذ خطوات تنفيذية، والعمل على إنجاز مؤشرات نوعية لتقرير التوازن بين الجنسين، للوصول إلى خطة عمل متكاملة نستطيع من خلالها قياس الأثر الإجتماعي لتصميم البرامج والسياسات بما يتناسب مع كل قطاع وقياس التقدم.
من خلال الدراسة التي عملت عليها تتضح اهمية مراعاة التوازن بين الجنسين عند اعداد كافة الموازانات والخطط سواء التخطيطية او الخطط العامة للدولة في ظل وجود برامج محددة واداء مستهدف في اطار محدد للمتابعة والتقيم ومن ثم تقويم الاداء بما يضمن تحقيق كلاً من النتائج والآثار، وعمل مؤشرات تتبعها كل المصالح والشركات الحكومية والخاصة لتحقيق التوازن، تطلق من قبل الدولة وتكون إلزامية لمتخذي القرار في الوظائف القيادية بحيث تتحقق الفائدة من التوازن ودفع عجلة التنمية الإقتصادية لأن أساليب التخطيط التقليدية لا تأخذ بعين الإعتبار الإختلافات والإحتياجات في الحسبان مما يؤثر سلباً على الخطط والبرامج من حيث إنخفاض الكفاءة والحقوق وبالتالي ضعف قدرة هذه الخطط والبرامج في تحقيق الاهداف والاثار المطلوبة .
أن “الفجوة بين الجنسين” مؤشر لقياس اللامساواة في الأجور بين الرجل والمرأة وتُقدّر في العالم بنسبة 22.9 % إلا أنها تجاوزت الـ 40% في عدد من دول آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب الدليل التعريفي حول المساواة في الأجور الذي أصدرته المنظمة عام 2013، ولقد أكدت دراسة أجرتها “مؤسسة الملك خالد الخيرية” ، تضاعف فجوة الأجور بين الجنسين في سوق العمل السعودي بمقدار 3 مرات خلال عامين فقط بنسبة 332 % حيث كانت فجوة الأجور بين الجنسين 324 ريالاً في العام 2014 لصالح الرجال وارتفعت في 2016 لتصل إلى 1077 ريالاً، واعتبرت الدراسة أن مشاركة المرأة ضعيفة في سوق العمل السعودي، إذ لا تزال الفجوة واسعة بين المرأة والرجل في نسب البطالة والمشاركة الاقتصادية، حيث تشارك 22.8 % من النساء اقتصادياً، مقارنة بـ 79.5 % من الرجال، وتعاني ما نسبته 21.3 % من النساء من البطالة مقارنة بمعدل بطالة نسبته 2.6 % بين الرجال، كما أظهرت تفاوت مشاركة المرأة في سوق العمل السعودي في توزيعها، رغم تركزها في الوظائف الإدارية العليا والمتوسطة، حيث تصل مشاركتها في وظائف “المهن العليا” إلى نسبة 33% مقارنة مع توزيع أكثر انتشاراً بين المهن للرجال.
إن المرأة السعودية احتلت المركز الأخير في الفجوة بين رواتب الرجل والمرأة كما حلت في مرتبة متأخرة بين عدد من الدول العربية والعالمية من حيث الراتب الذي تتقاضاه، مقارنة بزميلها الرجل في العمل، وذلك بحسب المنتدى العالمي الاقتصادي عام 2017، إذ احتلت السعودية المركز 107 عالمياً في فجوة معدلات الأجور بين الجنسين، إذ تتقاضى المرأة السعودية 56 % من راتب زميلها الرجل في العمل ذاته، كما أن نسبة النساء المسجلات في حساب المواطن بصفتهن معيلات لأسرهن، بلغت 21 % كما أنه وفقاً لمسح إنفاق ودخل الأسرة السعودية تشكل الأسر السعودية التي تعولها امرأة 5 % من إجمالي الأسر السعودية، كما أن الأسر التي يعولها رجل تتمتع بزيادة في الإنفاق أكثر من الأسر التي تعولها امرأة بمقدار 6349 ريالاً شهرياً.
لهذا ولتحقيق التوازن بين الجنسين في السعودية لابد من إنشاء مجلس يعني بالتوازن بين الجنسين ويضع دليل ومؤشرات تدعو إلى تقليص الفجوة في العمل، وتعزيز مكانة السعودية في تقارير التنافسية العالمية، بالإضافة إلى مراجعة اقتراح تحديث تشريعات وسياسات وبرامج لتحقيق التوازن بين الجنسين في مجال العمل، والتوصية بتفعيل القوانين واللوائح والقرارات والإتفاقيات الدولية ذات الصلة بالتوازن بين الجنسين في مجال العمل، لتحقيق عدم التمييز ضد المرأة، كما يهتم بالتقارير والإصدارات الدولية في هذا الصدد، ويعمل على مراجعة ومتابعة تقارير التنافسية العالمية، فضلاًّ عن العمل على وضع التوصيات لتقليص الفجوة بين الجنسين في مجال العمل، ثم اقتراح مؤشرات التوازن بين الجنسين ورفعها للإعتماد، والسعي لتعزيز تطبيقها بالتنسيق مع الجهات المحلية في الدولة، بما يحقق التوازن بين الجنسين في المجتمع، ويدعم مكانة المملكة عالمياً.
وأخيراً: نحن نريد عدالة في الفرص لا مساواة وتفعيل لأدوار المرأة بما يعزز رؤية المملكة في رفع نسبة مشاركة المرأة ويواكب خطوات قيادتنا الرشيدة ويتناسب مع أدوارها المجتمعية بما يحقق التوازن إجتماعياً واقتصاديا، ولتحقيق ذلك لابد من قراءة واقع المرأة بواقعية وأن لا نغتر بلغة الأرقام التي قد تكون مضلله أحياناً ، فهناك اعتقاد سائد بأن النتائج العلمية التي يتم استنتاجها عن طريق الأرقام والنسب نتائج معتمدة لا يحيد عن الوثوق بها اثنان، ولكن تظل الأرقام تعطي بعض وجه الحقيقة ويظل الواقع يحمل الكثير من الأوجه التي تحتاج لقراءتها بعمق وحيادية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال