البطاطس المقلية كنموذج لمقاومة التغيير الابتكاري – علاء الدين براده

تتطور الأفكار والابتكارات بشكل يفوق أحيانًا قدرتنا على التكيف معها، فبمجرد أن يصبح ابتكار معين جزءًا من حياتنا اليومية نميل إلى اعتباره أمرًا مفروغًا منه. نحاول في هذه الأسطر التأمل في سبب توقفنا عن تطوير بعض الابتكارات وكيف يموت فينا الدافع للتطوير المستمر، وكذلك كيف يمكننا مواجهة هذا السلوك. خذ على سبيل المثال أنظمة التعليم القائمة على الفصل الدراسي والمحاضرات فعلى الرغم من التقدم في التعليم عبر الإنترنت لكن لا تزال العديد من المؤسسات التعليمية تلتزم بالأنظمة التقليدية بسبب الاعتياد ومقاومة التغيير. حتى أشكال الترفيه التقليدية مثل السينما والمسرح فعلى الرغم من انتشار الوسائط الرقمية يبقى الناس متعلقين بتجربة السينما التقليدية وهو ما يؤخر الابتكار في هذه المجالات. الابتكار يتطلب الدافع والرغبة في التغيير ولكن عندما يحقق ابتكار معين نجاحًا هائلًا، يميل الدافع نحو تطويره إلى الخفوت. وفي بعض الأحيان يرتبط النجاح الهائل بمقاومة للتغيير، فالشركات والمستهلكون يترددون في قبول التغيير نتيجة للراحة الناتجة عن العادات الاستهلاكية التي تطورت بمرور الوقت. نعلم أن الابتكار المستمر يتطلب الفضول والإصرار وكذلك استعداد الشركات لتحمل المخاطر المصاحبة للتغيير.

إن استكشاف طرق جديدة لتقديم المنتج أو الخدمة يحمل في طياته الفرصة لإصلاح الابتكار وإعادته إلى دائرة الضوء وهذا الأمر يجب أن يكون مدفوعًا بالبحث عن تحسين الجودة والاستدامة، بينما في نفس الوقت يتم الترويج لها بهدوء لتشجيع المستهلكين على قبول الجديد.

لا بد من الاعتراف بأن الرضا عن الابتكار يمكن أن يكون مزدوج الحدين، يخلق نجاحًا استثنائيًا من ناحية لكن يعيق التقدم من ناحية أخرى. يجب علينا أن نظل منفتحين على التغيير حتى مع الأفكار التي نعتقد أنها مثالية الآن فهي أيضا يمكن أن تكون قابلة للتحسين.

حتى فكرة الوجبات السريعة رغم بساطتها هل تساءلت يوما عن آلية اختيار البطاطس كجزء لا يتجزأ من وجبات الطعام السريع؟ لطالما كانت الوجبات السريعة رمزًا للثورة في ثقافة الطعام الحديث، والقصة بدأت بمطاعم تقدم البرجر كوجبة سريعة الإعداد والاستهلاك لكن سرعان ما أصبحت البطاطس المقلية رفيقًا دائمًا لها.

تمامًا كما في حالة البرجر والبطاطس المقلية تحولت بعض الابتكارات إلى قواعد صلبة ضمن مؤسساتنا وثقافتنا. ولكن حتى في هذه الأمثلة، هناك دائمًا فرصة للابتكار على سبيل المثال في مجال الوجبات السريعة، أدت الاهتمامات المتزايدة بالصحة والبيئة إلى تطوير بدائل للبرجر التقليدي مثل البرجر النباتي والبرجر المصنوع من اللحوم المزروعة في المختبر. ويمكن رؤية هذه الظاهرة أيضًا في مجالات أخرى، حيث يُعاد صياغة المفاهيم القديمة بأساليب جديدة تتماشى مع التغيرات في الطلب الاجتماعي والتكنولوجي.

في عالم الموسيقى، قدمت الخدمات الرقمية مثل Spotify تغييرًا جذريًا في كيفية تعاملنا مع الموسيقى، دون القضاء على رونق التجربة الموسيقية لحضور الحفلات أو شراء الألبومات. إن الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي يقدم فرصًا هائلة لإعادة تصور الخدمات والمنتجات القديمة. ومن أجل تحقيق هذا الابتكار المستمر، يجب علينا تبني ثقافة تقدير الفشل كجزء من عملية التعلم. فكثيرًا ما تمثل الأفكار الجديدة تحديات أمام الوضع الراهن وقد تواجه المقاومة في البداية ولكن من خلال تبني ثقافة تحتضن المحاولة والخطأ يمكننا أن نبقى دائمًا في مسار تطور مستمر.