الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
السادس من يوليو من عام 2018م كانت الشرارة الأولى للحرب التجارية الأمريكية الصينية عندما اتهمت الولايات المتحدة الصين بممارسات تجارية غير عادلة تتعلق بسرقة الملكيات الفكرية والنقل القسري للتكنولوجيا وعدم وصول الشركات الأميركية في الصين إلى الأسواق وخلق ساحة لعب غير متكافئة من خلال الإعانات الحكومية للشركات الصينية الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة إلى فرض تعرفة جمركية بنسبة 25% على 34 مليار دولار أميركي من الواردات الصينية وهي الأولى من سلسلة التعريفات المفروضة خلال عامي 2018 و2019م.
التنين الصيني كان جاهزاً للرد بإجراءات مماثلة على الواردات الأميركية وعلى الشركات الأميركية في الصين في حرب تجارية ضخمة بين قطبي الاقتصاد العالمي واستمر التصعيد بين الطرفين على شكل تعريفات استيراد مختلفة على منتجات بعضهما البعض حتى تم التوصل إلى اتفاق مبدئي يخمد لهيب الحرب المشتعلة في 15 يناير 2020م.
تعود الحرب التجارية العالمية بفصل جديد من سلسلة التعريفات الجمركية لا سيما مع اقتراب الانتخابات الأمريكية حيث يتفق مرشحو الرئاسة في الولايات المتحدة على أن النفوذ الصناعي الصيني يستهدف الأمن القومي الأمريكي من منظور التبعية الاقتصادية والاعتمادية الكاملة على الواردات الصينية والذي من شأنه أن يقود لأن يكون العالم بأسره تحت سيطرة صينية مطلقة في العديد من السلع الأساسية والتي تؤثر بشكل مباشر على نمط الحياة لمختلف مواطني دول العالم وهو مالا ترغب به الولايات المتحدة بالرغم من أن واردتها غزت العالم لعقود من الزمن.
لم تكن حرب التجارة مع الصين هي حرب ترمب كما تبدو في المناظرات الإعلامية وهو ما توقعه الكثيرون، بل إن بايدن جعل الأمور أكثر إزعاجًا حيث زاد من عمق الأزمة التجارية بفرض إجراءات أكثر صرامة وعلى منتجات نوعية واستراتيجية.
تضمنت إجراءات بايدن قيوداً على بيع الرقائق الإلكترونية المتقدمة ومعدات تصنيعها إلى الصين وفرض حظراً على جميع السلع المنتجة في منطقة شينغانغ الصينية وقام بإدراج بعض الشركات الصينية في القائمة السوداء ومعاقبة العشرات من المسؤولين الصينيين بسبب حملة بكين القمعية للإدارة الخاصة.
بايدن ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير حيث حدد في استراتيجية الأمن القومي كل ما يتعلق بحصول بكين على رقائق متقدمة أو تصنيعها وتشكل ذلك في:
1- منع بيع الرقائق المتقدمة إلى الصين.
2- منع بيع آلات تصنيع الرقائق المتقدمة إلى الصين.
3 – منع بيع برامج تصنيع الرقائق والآلات إلى الصين.
4- منع بيع أي منتج يدخل في صناعة آلات تصنيع الرقائق المتقدمة إلى الصين.
لا يبدو أن سلسلة التعريفات الجمركية الأمريكية في فصلها الأول أوقفت المارد الصيني من التغلغل داخل الأسواق الأمريكية فما زالت العديد من السلع الاستراتيجية الصينية تتصدر مدخلات الصناعة الأمريكية ، حيث فرضت المنتجات الصينية سيطرتها على 72% من واردات أمريكا من بطاريات الليثيوم في استخدامات متعددة كما تسيطر الصين على 65% من الواردات الأمريكية من بطاريات الليثيوم كمدخل لصناعة السيارات الكهربائية ، كما أن الولايات المتحدة تستورد ما نسبته 68% من الأقنعة الطبية من الصين من اجمالي واردتها بالإضافة إلى منتجات أخرى تتعلق بالرعاية الطبية بنسب تتجاوز 25%.
اتجهت الحكومة الأمريكية للطريق الأكثر صعوبة في حربها التجارية مع التنين الصيني حيث شملت القرارات زيادة التعريفات الجمركية على بعض السلع الاستراتيجية المستوردة من الصين والتي ستدخل حيز التنفيذ في وقت ما من هذا العام مع تطبيق بعضها الآخر تدريجياً في عام 2025 و 2026 وذلك لمنح الأسواق الأمريكية والمستوردين الوقت الكافي للتكيف خشية حدوث اضطرابات ونتائج عكسية متمثلة بتضخم أسواق تلك السلع وكذلك لإيجاد حلول مرحلية لضمان سلاسل إمداد أكثر مرونة وأقل اعتمادية على الواردات الصينية.
تستهدف الحكومة الأمريكية رفع التعريفات الجمركية على عدة سلع استراتيجية مختارة بنسب زيادة تبدأ من 25% كما أن بعضها سوف يشهد تعريفات أعلى بنسبة 50% متمثلة بأشباه الموصلات والخلايا الشمسية والمحاقن والإبر كما ستصل التعريفات إلى 100% في السيارات الكهربائية لوقف سيطرة الشركات الصينية على الأسواق العالمية بعد أن تزعمت الصين مؤخراً إنتاج السيارات وفي طريقها نحو السيطرة المطلقة على سوق السيارات الكهربائية بلا منافسة تذكر!
يزداد الإصرار الأمريكي على وقف الزحف الصناعي الصيني إلى الأسواق الأمريكية مع مرور الوقت وهو ما توضحه القائمة التالية لأهم السلع الصينية المدرجة في التعريفات الجمركية الأمريكية المقترحة وكذلك الوقت المقترح لتطبيق التعرفة لكل منتج:
المنتج | التعرفة الحالية | التعرفة الجديدة المقترحة | سنة التطبيق |
البطاريات ومدخلاتها (غير الليثيوم) | 7.5% | 25% | 2024 |
السيارات الكهربائية | 25% | 100% | 2024 |
أقنعة الوجه الطبية | 7.5% | 25% | 2024 |
بطاريات السيارات الكهربائية (ليثيوم) | 7.5% | 25% | 2024 |
الخلايا الشمسية | 25% | 50% | 2024 |
منتجات الألمنيوم والحديد | 7.5% | 25% | 2024 |
المحاقن والإبر | 0% | 50% | 2024 |
الرافعات البحرية ورافعات الموانئ | 0% | 25% | 2024 |
المعادن الحرجة ذات الاستخدام الدقيق | 0% | 25% | 2024 |
الرقائق الإلكترونية | 25% | 50% | 2025 |
بطاريات الليثيوم (لاستخدامات أخرى غير السيارات الإلكترونية) | 7.5% | 25% | 2026 |
القفازات الطبية | 7.5% | 25% | 2026 |
المغناطيس الدائم | 0% | 25% | 2026 |
الجرافيت الطبيعي | 0% | 25% | 2026 |
تدرك بكين تماماً صعوبة اتخاذ قرار مماثل للرد على الاستفزازات الأمريكية فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية المقترحة في الوقت الذي يؤيد فيه الاتحاد الأوروبي وربما اليابان النهج الأمريكي المبرر بأهمية تحقيق عدالة الممارسات التجارية وحماية الملكيات الفكرية وكذلك حماية التكنولوجيا وعدم توجيه الإعانات الحكومية لتحقيق نهج تجاري محدد.
لن يحدث رد الصين على التعريفات الأمريكية بمعزل عن غيرها حيث تدرس الصين أيضًا ردها على تشديد الضوابط التكنولوجية الأمريكية كما تدرس فرض رسوم الاتحاد الأوروبي الوشيكة على واردات السيارات الكهربائية من الصين في إطار تحقيق لمكافحة الدعم الحكومي وتكثيف المناقشات على مستوى مجموعة السبع حول البيانات والأدوات المتعلقة بالإنترنت لتقييد الصين، علاوة على ذلك فإن انتخابات الاتحاد الأوروبي في شهر يونيو الحالي والانتخابات الأميركية في نوفمبر القادم سوف تؤثر على توقيت وحجم استجابة الصين لوضع عدة خيارات للانتقام وبلا شك ليست جميعها متنافية !
النتيجة الأكثر ترجيحاً هي أن ترد الصين بتعريفات متبادلة على الصادرات الأمريكية متمثلة في إعادة فرض الرسوم الجمركية على المنتجات الأمريكية على أساس تطابق الأثر الاقتصادي تقريبًا مع التعريفات الجمركية التي وعد بها البيت الأبيض ، ويتوقع هذا النهج البيروقراطي الصيني لاسيما وأن الولايات المتحدة صدرت ما قيمته 6.2 مليار دولار من السيارات إلى الصين في عام 2023 ونظرا للقدرة الفائضة الحالية في قطاع السيارات الصيني سيكون من السهل على الصين تكرار الرد على التعريفات الجمركية بنسبة 100٪ على صادرات السيارات الأمريكية دون إلحاق الضرر بالمستهلكين في الأسواق الصينية.
تناقش مجموعة السبع منتصف هذا الشهر في إيطاليا ” معايير الجدارة بالثقة ” لسلاسل التوريد الحيوية والتي تسلط الضوء على أهمية العمل لمعالجة التعريفات الشاملة بالتنسيق مع الشركاء ذوي التفكير المماثل بشأن التنويع السلعي بعيداً عن الصين خصوصاً فيما يتعلق في السلع الحيوية دون الانخراط في إجراءات عقابية على نفس مستوى الولايات المتحدة في سبيل بناء إجراءات تجارية إيجابية تحت غطاء ما يسمى بمرونة سلاسل التوريد.
جميع هذه التدابير الاقتصادية تجاه المارد الصيني قد تشكل إرباك لسلاسل التوريد العالمية وتؤثر بشكل مرحلي على نمو الاقتصاد العالمي وربما تؤثر بشكل أكبر لتكون النتيجة على شكل موجة أخرى من الركود التضخمي المدروس والذي سيكون ثمنه إزاحة الصين عن سلاسل الإمداد الحيوية والحرجة وكذلك التأثير على سيطرتها المتسارعة في الصناعات الواعدة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال