الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد انهيارِ أسعارِ النفط، نَشرت بْلومبيرغ تقريراً في إبريل سنةَ 2015 تَحَدثت فِيهِ عن تحول منتجي النفط الصخريِّ إلى مُنْتِجِينَ مُرَجِّحِين Swing Producers على غِرار السعودية. استشهد التقرير بتصريحات ٍمُتفرقةٍ لعددٍ من المسؤولينَ في المَيدان النفطي، أَمْثال رايان لانس Ryan Lance، رئيس شركة كونوكو فيليبس النفطية الأمريكية، ومايكل ويتنر Michael Wittner، رئيس مركز أبحاث النفط في بَنْك سوسيتيه جنرال الفرنسي، الذي تَحَدث عَن قُدرةِ الشَركات النفطية المُطورة لحقول النفط الصخري على التَكَيف مع الأسعار المنخفضة وضَخ المزيد من النفط في الأسواق قريباً.
هل بالفعلِ تَحول تَجَمُّع منتجي النفط الصخري إلى مرتبة “مُنْتج مُرَجِّحٍ” موازٍ بثقلهِ لوزن أوبك؟ وهل بإمكان إمدادات النفط الصخري الحفاظَ على توازنِ الأسواقِ واستقرارِ الاقتصادِ العالمي؟
قبل الإجابةِ على هذهِ الاسئلةِ، دَعُوني أولًا أشرح ماهيةَ المُنْتِج المُرَجِّح، والمعايير الرئيسية التي تُمَكِّن أي كَيانٍ من تَبَوُئِ هذه المرتبة. المنتج المرجح حسب أكثر التعريفات تداولًا هو الكيان التجاري أو الحكومي الذي يمتلك فائضًا من مواردَ أو سلعٍ تمنحه القُدرةَ على التَحكم بالأسعار والسيطرة على السوق وخلق توازناتٍ عَبر زِيادةِ المعروضِ أو سحبِ الامدادات بِيُسْر ٍوسهولةٍ ودون تكاليفَ ماديةٍ جوهريةٍ. مفهوم المُنتِج المُرَجِّح ليس حكراً على السعوديةِ أو منظمة أوبك، بل هو مصطلحٌ متعارفٌ عليه في كثيرٍ من الصناعات ِخصوصاً ذَاتِ الصلةِ المُباشرةِ بأسواقِ الموادِ الخام، كَمَثَلِ الألماس الذي تَتَحكم بأسعاره مجموعة دو بيرز وسَمَاد البُوتَاس الذي يخضع لسيادة روسيا.
قد يتراءى للبعض أن التعريف السابق ينطبق على مطوري النفط الصخري، فالولايات المتحدة الأمريكية استنادًا إلى إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لديها موارد نفطية صخرية غير مؤكدة تقدر بـ 78.2 بليون برميل كما أن انتاج النفط الصخري فيها بلغ 4.25 مليون برميل يوميًا في 2016.
على الرغم من ضخامة هذه الاحصائيات إلا أنها وحدها لا تكفي كي تتحول أمريكا أو الشركات النفطية الأمريكية إلى منتجين يتحكمون بالأسعار حيث يرى د. أنس الحجي الخبير النفطي المعروف أن هنالك 6 معايير يَجِبُ اسْتِيفَاؤُها كَي يَتِّم اعتمادُ أيِّ جهةٍ أو كَيانٍ كَمُنْتِج مُرَجِّحٍ، وجميع هذه المعايير دون استثناء، تنطبق على المملكة وعدد من دول أوبك كالكويت والامارات العربية المتحدة، ولكنها لا تنطبق على مُنتجي النفط الصخري، وهي كالتالي:
1- التَحكم بالأسعار: تُعَدُّ شركة أرامكو السعودية الجهة المسؤولة عن استكشاف وتطوير حقول النفط حول المملكة عدا المنطقة المَقسومة، بِحُكم عقد الامتياز الممنوح لها. يتم اتخاذ قرار زيادة الإنتاج أو خفضه بالتنسيق مع وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، في حين يختلف الوضع تماماً في أمريكا. تخضع صناعة القرار في أمريكا لرغبات الآلاف من الأفراد والشركات النفطية التي تمتلك أو تدير الحقول النفطية بما فيها النفط الصخري، وهم بطبيعة الحال في تنافسٍ محمومٍ يَصْعب معه التَكَهن بِكمية الإنتاج فضلاً عن التحكم به.
2- تَوَفُّر فائضٍ انتاجيٍ: يتم استغلال آبار النفط الصخري في أمريكا بأقصى طاقتها، لهذا نجد أن معدلات نضوبها سريعة جدًا مقارنة بآبار النفط التقليدي في عدد من دول أوبك التي تُسْتَغَل دون طاقتها القصوى، خصوصًا في السعودية، وذلك بهدف الحفاظ على ضغط المكامن النفطية ومنع تدفق المياه إلى الآبار الذي يسرع من نضوبها، وقد تحدثت عن الطاقة الفائضة بإسهاب في مقال سابق من جزأين بعنوان: “ما حاجة المملكة إلى طاقة إنتاج فائضة؟”
3- سرعة التدخل: إن شركات النفط الصخري غير قادرة على زيادة الإنتاج بوقت قصير، فتحريك منصات الحفر وحفر الآبار و ونجاح عملية التكسير الهيدروليكي وضمان إنتاج الآبار، كلها تستغرق وقتًا يزيد عن الـ 6 أشهر، في حين أنه بإمكان أرامكو السعودية، على سبيل المثال، ضخ طاقتها الفائضة بحسب الحاجة في غضون 30 يومًا والحفاظ عليه لما يزيد عن الـ 3 أشهر.
4- تنوع الخامات: النفط الصخري هو من النوع الخفيف، والكثير من المَصافي الأمريكية في خَليج المكسيك تفضل النفط الثقيل والمتوسط على الصخري. في المقابل، تمتلك السعودية طاقة فائضة من جميع الخامات وبإمكانها تلبية الكثير من الاحتياجات. يذكر بأنه خلال الحرب الأهلية في ليبيا إبان الربيع العربي، قامت أرامكو السعودية بإنتاج ومزج خامات ٍمتعددةٍ، لتَقُومَ مقامَ الخام الليبي لتلبية احتياجات المصافي في أوروبا.
5- ضخامة الصادرات بالمقارنة مع الاستهلاك المحلي: تستهلك أمريكا معظم انتاجها وتقوم بتصدير بعضه. في 2017، بلغت صادرات أمريكا النفطية 1.1 مليون برميل يوميا في حين أن انتاجها يزيد عن الـ 10 ملايين برميل. وما زالت أمريكا تَستورد الكثير من النفط عبر شركاتها العالمية التي تنشط في أرجاء المعمورة لتزويد مصافيها بالنفطكما اسْلَفت، لذا فتأثير النفط الصخري الأمريكي على أسواق النفط العالمية محدودٌ للغاية بالمقارنة مع نفط أوبك.
6- المُرونة: إنَّ ارتفاع تَكلفة تطوير حقول النفط الصخري مقارنةً بالنفطالتقليدي، إضافةً للعواملِ السابقة، تجعله أقل مرونةً في موازنة العرض والطلب على المدى القصيرإلى المتوسط.
لنفرض جدلاً أنَّ المعايير السابقة صارمةٌ ومثالية بعض الشيء، ولنفترض أن أمريكا من خلال نفطها الصخري قد تكون منتجًا مرجحًا، فماذا عن تصريحجون هوس، رئيس شركة هس Hess النفطية، في مؤتمر سيرا ويك CERAWeek في فبراير 2016 بأن السعودية هي المُنتج المُرَجِّح الحقيقي وليست أمريكا أو حقولها من النفط الصخري؟
السعودية هي المنتج المرجح الحقيقي … وليست أمريكا!
في خطابه الذي ألقاه أمام جمع غفير من التنفيذيين وصناع القرار، يرى جون هوس أن سرعة الاستجابة لتقلبات السوق هي العامل الفيصل، إذ أن بِإمكان السعودية والعديد من دول أوبك ضخ المزيد من النفط أو خفض إنتاجه في وقت زَمني وجيز، في حين أن زيادة وخفض انتاج النفط الصخري يستغرق ما بين الـ 6 إلى 12 أشهر، وذلك راجعٌ لأسبابَ تقنيةٍ ولوجستية.
إنَّ التنافس القائم بين منتجي النفط الصخري في أمريكا المتجلي فياستغلال الآبار بأقصى طاقتها وزيادة الاحتياطيات النفطية عبر حفر المزيد من الآبار خصوصًا وأن التكاليف التشغيلية والرأسمالية تكيفت مع نطاق الأسعار الراهنة هو في حقيقة الأمر تحد كبير للصناعة النفطية فمنذ تولي الرئيس دونالد ترامب سدة الرئاسة، أدى رَفع القيود المفروضة على الصناعة النفطية الأمريكية إلى زيادة مضطردة في الإنتاج، ومن المتوقع أن يزيد انتاج أمريكا عن 11 مليون برميل يوميًا مع نهاية العام. وبحسب دانييل يرغن، نائب رئيس iHS، فإن حقل البرميين، أحد أكبرِ حقول أمريكا من النفط الصخري، سيتضاعف إنتاجه من معدلاته الحالية ليصل إلى 5.4 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2023.
في ظل ما سبق، فإن الأحوال الراهنة لأسواق النفط من جهة، والمخزونات الهائلة السهلة الاستغلال التي تتوفر عليها أقطاب النفط العالمية، خاصة دول أوبك، تجعل إدعاءات قدرة النفط الصخري على السيطرة على توازنات البترول حول العالم خصوصًا على المدى القريب، فـ “النفط الصخري وُجد ليبقى” كما أورد د. محمد الصبان، وليس ليكون منتجًا مرجحاً، لكنه سيبقى منافسًا لا يستهان به على المدى البعيد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال