اقتصاد معرفي ابداعي

لم تمكث رحلتنا طويلا في المعجزة التايوانية كواحدة من أهم الدول الاقتصادية الموجودة من ضمن دول جنوب شرق آسيا والتي كان جليا لجميع زوارها تميزها الحضاري والاقتصادي. تاريخ تايوان الاقتصادي مر بقفزات مكن الدولة من اثبات نفسها عالميا حيث كانت تعتبر تايوان جزيرة آسيوية محدودة الموارد الاقتصادية وبدأ التحول الاقتصادي فيها بالتسعينات الميلادية وأذهلت العالم اقتصاديا مع دخول الحقبة الالفية وأصبحت ذات اقتصاد متطور. يعتبر واحد من أهم أسباب بروز تايوان عالميا في المجال الاقتصادي هو اهتمامها بالاقتصاد المعرفي ومنها انها أصبحت أكبر اقتصاد مصنع لأشباه الموصلات حيث أنها صنعت 63.8% من أشباه الموصلات في العالم بعام 2022. (حسب بلومبيرغ)

لم يأتي بروز الجزيرة كلاعب رئيسي في التكنولوجيا ومنافس عالمي ومركز اقتصادي رائدا ايضا من محض الصدفة، بل وضعت تايوان إصلاحات اقتصادية كبيرة لنهضتها وتحولها منها: التركيز على المهارات المحلية والاهتمام ودعم أصحاب المهارات العالية بالإضافة الى وضع سياسات اقتصادية للدولة لمحاولة ابطاء التضخم الموجود في البلاد للحد من ارتفاع الأسعار مثل اقرار برنامج لضبط الأسعار، وأصدرت برنامج لإبدال الواردات وتصنيعها محليا بدلا من الاستيراد فأصبحت الصادرات مؤشر أساسي ومهم في نمو اقتصاد الدولة. 

أيضا اهتمت حكومة تايوان بالبحث والتطوير وقامت بصرف معونات للعاملين والمستثمرين بأشباه الموصلات وعملت على تدريب الفنيين والمهندسين بأجور تنافسية وشرعت إعفاءات ضريبية للشركات العاملة في أشباه الموصلات واستثمرت في مرافق التصنيع وقامت بصنع نموذج تجاري ناجح.

ان الاهتمام بالاقتصاد المعرفي هو واحد من أهم أساسيات احداث قيمة تنافسية اقتصادية في عصرنا الحالي في ظل وجود التنافسية العالمية من خلال تحويل الأفكار المبتكرة الى سلع وخدمات ذات قيمة إضافية في الاقتصاد وركيزة نمو مهمة , حيث يعمل على تنوع الفرص الاستثمارية وزيادة فرص العمل ودعم أًصحاب العقول المبدعة وتمكين ذوي المهارات والكفاءات.

تعتبر صناعة الابداع والابتكار في الافكار الغير نمطية ورأس المال الفكري والإنتاج الفكري وتوظيفه بالاقتصاد بصورة ناجحة من أساسيات الاقتصاد المعرفي من خلال تحويل هذه الأفكار الى مشاريع اقتصادية مستدامة تحقق إيرادات وعوائد مالية مما ينعكس إيجابا على الناتج القومي. وتسعى المملكة حسب رؤيتها الى التنوع الاقتصادي وتسليط الضوء على الاقتصاد المعرفي لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.

اليكم بعض المقترحات لزيادة مساهمة الاقتصاد المعرفي بالاقتصاد:

• وجود مؤشر سعودي للابتكار: لقياس حجم الابتكارات المدرجة في قياس المؤشر وتصنيف مجالات الابتكارات ومخرجاتها الفعلية على أرض الواقع لمعرفة آداء الابتكارات مما يساعد صناع القرار بمعرفة نقاط القوة والضعف والفرص لتطوير الابتكارات المحلية ومقدار مساهمتها في النتاج المحلي.
• وجود مناهج تدعم التفكير المنطقي والابداعي لدى الطلاب حيث من المهم تفعيل دور المؤسسات التعليمية كشركاء استراتيجيين في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأن يكون التعليم يتماشى مع الاحتياجات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
• استحداث هيئة للبحث والتطوير تشرف على جميع الأبحاث داخل المملكة وزيادة المساهمة بالاستثمار بالبحث والتطوير، ومما لا شك فيه ان البحث والتطوير واحد من ركائز التنمية وهو واحد من أهم مفاتيح التقدم الاقتصادي ومعرفة الفرص وتنميتها لمواكبة الركب العالمي والتفوق عليه.
• تعزيز دور ريادة الأعمال على الابتكار ومساهمة قيمة الفكرة في التنوع الاقتصادي كواحدة من الركائز الاقتصادية لخلق فرص عمل وزيادة رأس المال، حيث تعتبر ريادة الأعمال واحدة من أهم الوسائل لتحويل الأفكار المبتكرة الى تحقيق ربح مادي من خلالها مما يساهم بزيادة الاستثمار بالاقتصاد وتحقيق النمو الاقتصادي وانشاء أسواق اقتصادية جديدة، ومن المهم توفير السبل لاستدامة المشاريع ونموها لخدمة الاقتصاد. ومن المهم أيضا ان ننوه ان المملكة تسعى من خلال رؤيتها الى رفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالتنمية الاقتصادية.

وفي الختام نظرا للتغيرات الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد ويرافقه تغير سلوك المستهلكين فان الاقتصاد المعرفي هو واحد من اهم الخيارات لاستحداث منتجات وخدمات جديدة تصبح الخيار الأول للمستهلك المحلي ويتم تصديرها عالميا.