الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن رأس المال الاجتماعي يعد من المفاهيم التي تستعمل في أبحاث العلوم الاجتماعية والسياسية منذ عقود، وفي أدبيات الاقتصاد والمال منذ مدة قريبة، وتبنته بعض المؤسسات الدولية الاعتبارية مثل البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD وغيره من المؤسسات الأخرى، فقد عرفه البنك الدولي بأنه ” المؤسسات والعلاقات والمعايير التي تشكل نوعية وكمية التفاعلات الاجتماعية في المجتمع” كما قدمت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD تعريفا مشابها أنه ” شبكات من قواعد وقيم وتفاهمات مشتركة تسهل التعاون داخل المجموعات أو في ما بينها، والتي لها فوائد إنتاجية تعود على الأفراد والمجتمع بالنفع”
ورأس المال الاجتماعي يتمايز عن صور رأس المال الأخرى بأنه لا يكمن في الأشخاص أو الواقع المادي، بل في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد إن في كيان واحد أو في كيانات متعددة، وإن في تنمية رأس المال الاجتماعي تعزيز للعلاقات الاجتماعية، والشبكات التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة في المجتمع، وهذا يشمل بناء الثقة والتعاون بين الأفراد والمؤسسات، والعمل بروح الفريق الواحد مع التشجيع على المشاركة والمسؤولية الاجتماعية، ومبادرات التطوع، وبالتالي تعزيز القيم الاجتماعية المشتركة.
ومفهوم رأس المال الاجتماعي يتمثل في العلاقات الاجتماعية بالشبكات المجتمعية ومجموعة القيم الإيجابية كالثقة والتسامح والاعتراف بالآخر، وبناء الثقة والتعاون بين الأفراد والمؤسسات، والعمل بروح الفريق الواحد مع التشجيع على المشاركة والمسؤولية الاجتماعية، وتتفاوت القدرات المجتمعية في توظيف واستثمار وتخطيط رأس المال الاجتماعي لضمان استمرارية التنمية وتحسين نوعية الحياة والارتقاء بالإنسان ومن هنا كان ترتيب وتصنيف المجتمعات، ويعد الاستثمار في رأس المال الاجتماعي أحد أهم متطلبات التنمية المستدامة، فلا يمكن تصور حدوث تنمية حقيقية في مجتمع يعاني من ضعف الاندماج الاجتماعي بين مكوناته المختلفة، كما اتضح من خلال الملاحظة المباشرة في الحالات سابقة لتجارب تنموية أن تقدم وإصلاح المجتمعات البشرية لا يمكن أن يحقق أهدافه في غياب نسق قيمي يدعم العلاقات والتفاعلات المتبادلة، ويعزز من مساحة الثقة الواجب توافرها وتفعيل العدالة والمساواة وفرص التمكين المتساوية والمشاركة الفعالة الجماعية.
ورأس المال الاجتماعي يعتبر أحد معايير قوة المجتمع لما لدوره الفاعل في بناء مجتمعي متماسك، وبناء الشخصية التنموية بكل ما تتميز به من قيم ومعايير وفضائل اجتماعية تجعل الشخصية أكثر انتماء ومشاركة، وبذلك يسهم في تنظيم الأفراد لتحقيق التنمية والكفاءة وفعالية التخطيط والمتابعة والتقويم واتخاذ القرارات وحشد الجهود لتعبئتها.
ومن الخصائص تراكم رأس المال الاجتماعي يعد مفتاحا لنمط جديد من التنمية هي الأكثر إنسانية واستدامة في نفس الوقت، كونه أحد العناصر التي تهيئ البيئة المناسبة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، ويعزز الثقة واحترام التقاليد بين أفراد المجتمع، وييسر المعاملات الاقتصادية والتجارية ويخفض تكلفة نقل السلع والخدمات مما يخلق نواة استراتيجية للوصول إلى تنمية بشرية مستدامة، وتعزيز ثقافة العمل التطوعي، ودعم الجمعيات الأهلية والخيرية، وتشجيع مبادرات شباب الوطن المجتمعية والذي يعتبرون هم الأساس في الحراك الاجتماعي الإبداعي الذي نشهده، وهم الحيوية والطموح والازدهار، أيضا تعزيز التعليم والتدريب لبناء قدرات الأفراد، حيث هذه الجهود تساعد في بناء مجتمع متماسك وقوي يمكنه مواجهة التحديات وتحقيق التنمية الشاملة في ظل ما تشهده البلاد من تحولات كبيرة وعلى المستوى عالمي.
وتعزيز بناء الثقة بين الأفراد والمؤسسات يزيد من التعاون والمشاركة الفعالة في المجتمع، وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة، ومن خلال تعزيز العلاقات الاجتماعية الرصينة والهادفة، ويمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة بشكل أكثر فعالية، كذلك تقوية النسيج الاجتماعي، حيث هذا يساعد في بناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات والتغيرات، وهناك جانب مهم وهو دعم الابتكار والإبداع، فيجب أن تكون البيئة الاجتماعية داعمة ومعززة للابتكار والإبداع مما يسهم في التنمية الاقتصادية، وهذا لا شك داعم لتحسين جودة الحياة المستهدف الأهم، ومن خلال تعزيز الروابط الاجتماعية والمشاركة المجتمعية، يمكن تحسين جودة الحياة للأفراد والمجتمع ككل، وبناء على ذلك، فإن تنمية رأس المال الاجتماعي تعتبر من أهم الركائز الأساسية لتحقيق التقدم والازدهار وجودة الحياة في المجتمع السعودي الذي يمر بتحولات كبيرة غير مسبوقة سوف تستفيد منه الأجيال المعاصرة والقادمة.
وإن تنمية رأس المال الاجتماعي السعودي قد تضمنته الرؤية الوطنية في جوانب عدة ونجحت في تنميته بشكل مميز ككل المستهدفات بوتيرة عالية ونافعة، ومنها تعزيز القيم وزيادة تماسك النسيج الاجتماعي بكل أطيافه وفئات ومناطقه، والذي عزز عناصر التنمية المختلفة الاجتماعية منها والثقافية والاقتصادية، وقبول الأخر بكل ود واحترام، وتبني مستهدفات الرؤية في كل جوانبها والتقيد بملازماتها واحترام الأنظمة المؤطرة لجوانب الحياة المعيشية بكل أفرعها، وقد وضعت لتلك الأهداف السامية آليات عالية الجودة من خلال تنمية وتعزيز الثقافة المحلية في نماذج وصور عدة، وتوفير بيئة تطوعية جاذبة في كل مناحي الحياة وحوافز تشجيعية لها، والانتشار الواسع للتدريب والتطوير سواء حضوري أو عن بعد، والذي أسهم في زيادة الوعي المعرفي المعزز لتكوين جودة الحياة في أعلى وأسعد مراتبها، والمتابع لا يخالجه الشك أن مع توالي إنجازات الرؤية الوطنية سيزداد الرأس المال الاجتماعي السعودي الذي سيفيض على الجوانب التنمية الشاملة والمستدامة محفزات تحقق المستهدفات في أفضل نتائج وأنجع فوائد.
وعليه يجب الاستمرار في تعزيز عناصر رأس المال الاجتماعي السعودي أسوة بغيره من مستهدفات الرؤية لما له من دور فاعل في تحقيق المستهدفات التنموية المختلفة بأفضل النتائج وأقل التكاليف وأسرع الطرق، فضلا عن إسهاماته الجليلة في القضاء على المعوقات التي قد تنشأ أثناء التنفيذ للخطط والاستراتيجيات في المراحل والمناطق المختلفة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال