الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
العالم القديم – 2000 قبل الميلاد – بلاد الهنــد وسومر وبلاد الرومان واليونان – بدأ ظهور النموذج الأول للنظام المصرفي بتقديم قروض للمزارعين للعمل بها ثم العودة وتسديد القرض بعد فتـرة من الزمن متفق عليـها، ظهر النظام الذي سيتحكم بالعالم بشكل كامل بعد قرون من الزمن ليـتصدر المشهد الاقتصادي، ويبقى النظام هو السيد المتحكم الأول لكل حركـة فيه. البنوك المتهم الأول في الأزمة العالمية القاسيـة 2008م وسارقت الأضواء الأولـى في كل أزمة ورخـاء، فالبنوك التي دمرت الاقتصاد العالمي في الأزمة المالية مطلع القرن الواحد والعشرين هي من نهضت بهذا العالم قبل ثلاثة قرون من الزمن في الثورة الصناعية في أوربا وبعدهـا بسنوات عديدة في الشرق والان هي المُـشارك الأبرز في نهضـة الشرق الأوسط.
العمل الأساس للبنوك هو ” مُتلقي الودائـع، صانـع القروض “، فالأفراد والمؤسسات المالية التي لديها أموال تريد استثمارهـا تعمل على أيداعها في البنك وتستفيد من العائد الذي يقدمـه البنك لها – على سبيل المثال – 4.20% سنويًا، والبنك يستفيد من هذه الأموال بإقراضها بفائدة أعلى، لنفترض 4.30% سنويًا، الفرق بين عائد الإيداع وفائدة القرض هو ربح البنك الذي يسعى الى تحقيقــه، ويستمر عمل البنك بشكل فعـال طالمـا أن هناك من يودع لديه وهناك من يقترض منه، وفي حال اختلال هذه المعـادلة البسيطة فأن البنك سوف يعاني من هيكل مالي سيء قد يجبره على الإفلاس، وبما أن المؤسسات المالية الأخرى لديها ودائع في البنك المفلس فأنها سوف تعاني هي أيضًا، وستستمر رحلـة السقوط من بنك إلى أخر، ويتهاوى بذلك النظام المصرفي بشكل تدريجي ليطول التدمـير في نهاية المطاف الاقتصاد الكـلي والعالمي.
البنوك تختلف عن باقي المؤسسات الأخرى في قوائمها المالية وجوهر عملها والقيود الشديدة التي تُسلط عليها من الحكومات والبنوك المركزية لتقليل احتمالية الوقوع في سلسلة السقوط التي ذكرناهـا في الأعلى. الاختلاف جاء لأن البنـوك لها ثلاث خصائص مهمـة وجوهرية وهي أن لها أهمية نظامية، فالمؤسسات المالية والبنـوك ضرورية لحسن سير العمل والصحة العامة للاقتصاد، ولها تنظيم عالي بسبب أهميتها العالية ودورها الجوهري وهي ملزمـة بـلوائح تُجبرهـا على الالتزام بحد أدنى من متطلبات رأس المال، وحد أدنى من متطلبات السيولة، وحدود مخاطرة معينـة، والأمر الأخير هو أن للبنوك خاصـة والمؤسسات المالية عامـة أصول مالـية مثل القروض وأدوات الاستثمار الأخرى على عكس المؤسسات الأخرى التي لها أصول ملموسـة.
فهم ما جاءت به مدينـة بازل جارة نهر الراين هناك في سويسـرا مهم في تحليل القوائم المالية للبنوك وفهم مدى فاعليـة البنك في تغطية التزاماتـه وتعزيز الأصول لديـه، قرار بازل الثالث يعمـل على تشديد الرقابة والمتطلبات على البنوك، حيث يرتكـز على ثلاثة ركائز وهي الحفاظ على الحد الأدنى من مستويات رأس المال والسيولة والتمويل المستقر. الحد الأدنى لرأس المال المطلوب للبنك يعتمد على مخاطر أصول البنك. كلما كانت أصول البنك أكثر خطورة، كلما زاد رأس المال المطلوب. أما الحد الأدنى للسيولـة فهو أن يحتفظ البنك بسيولـة قادرة على تلبية طلبات السحوبات لمدة ثلاثين يومًا قادمة، والمتطلب الأخيـر هو أن يبقى لدى البنك تمويل مستـقر يغطي التكالـيف لمدة عام واحد ويعتمد هذا الاستقرار في التمويل على تناسـب مدة ودائع العملاء مع قروض المستهلكيــن. في حال أن البنك أخترق إحدى هذه الحدود فأنها تعتبر إشارة غير جيدة ومن الممكن أن تصل به الحال الى أن يبـدأ مراحل الإفلاس.
لتحليل البنوك والقطاع الخاص بها وينطبق هذا على المؤسسات الماليـة أيضًا، فأن هناك ستة عوامل تحدد هل البنك في حالة جيدة ومستقرة ماليًا وتنظيميًا أم لا. العوامل هي كفاية رأس المال، جودة الأصول، الإدارة، الأرباح، السيولة والحساسية، أذا كانت جميع المؤشرات الستـة في وضع جيد فهذا يعني أن البنك على المسار الصحيح وله القدرة على توفير السيولة وتغطية الالتزامات والنمو أيضًا في المستقبـل. وللحصول على تصنيف مرتفع للبنك بناءًا على الست عوامل المذكورة أعلاه فأنه لابد من أن يكون لديه الاتي:
كفاية رأس المال – يجب على البنك الالتزام بقواعد والممارسات العالمية والنظامية في متطلبات القيمة الصافية القائمة على المخاطر ومدى فاعلية خطط النمو والبيئة الاقتصادية والقدرة على التحكم في المخاطر والقروض والاستثمار.
جودة الأصول – يجب على البنك أن تكون الأصول لديه ( القروض ) مقدمة على مؤسسات وأفراد ذات تصنيف ائتماني مرتفع ودرجـة مخاطر منخفضـة.
الإدارة – يجب أن تكون ادارة البنك لديها القدرة على التصرف الصحيح للضغوط المالية التي تواجهها وقياس مخاطرها وتفاديها.
الأرباح – يجب على أن يكون البنك قادر على أنتاج الأرباح والتوسع والنمو والبقاء في المنافســة.
السيولـة – يجب على أن يكون البنك يتوفر لديه نقد أو أصول قصيرة الأجل وسياسة للتسييل فعالة في حال الحاجة لتفادي الضغط في السيولة عند تغيـر ظروف الأسواق.
الحساسية – يجب على أن يكون البنك متنوع في القروض التي يقدمها (قروض زراعية، استهلاكية، عقارية…) ليتفادى بذلك التركز في أصل واحد ويعمل هذا على تقليل مستوى الحساسـية المصاحبـة لتغير الأسواق.
كل هذه العوامل مهمة في تحليل البنوك وتحديد درجة المخاطر في البنك وهل هو من البنوك المجدية في الأستثمار أو لا، ومنها يمكن أيضًا تحديد البنوك ذات النمو المتوقع في المستقبل والأدارة الفعالة والتدفق النقدي الجيد وتسـاعد على إتخاذ القرار الإستثماري الجيد.
رغم كل هذه النظريات الماليـة والعوامل المساعـدة والتشدد في مراقبـة البنوك وعملـها الا انها لازالت لا تُصيـغ لكل أمر فالبعض منها يسقط ثم يعود وبعضـها تُفلـس وتتبدد كما هو الحال مع بنك سيليكون فالي الذي تهاوى في مارس 2023م بعد مرور سنوات عديدة على حِـزم التشدد والقوانيـن واللوائـح وليمـان برثـرز والمواعـظ، ولكن لعلهـا عنيدة لا تستفيد من دروس الزمـن، ورغم كل هـذا والحـصار الخانق عليها، لاتزال البنوك على عرش قيادة اقتصاد العالـم ومـلاذ التوازن والكبـيرة على أن ” تسقط ” أرضًـا.
اقتباس اقتصادي: ” البنك هو المكان الذي سيقرضك المال إذا تمكنت من إثبات أنك لا تحتاج إليه.” – بوب هوب
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال