الاستثمار في النمو والابتكار طريق (أرامكو السعودية) إلى الاستدامة

ربما يتبادر إلى الأذهان سؤال عن فحوى الاستدامة في شركة أرامكو السعودية وكيف تنسجم مع أعمال الشركة المتعددة. بصورة موجزة، تعني الاستدامة بالنسبة لنا المسؤولية تجاه الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وهي جوانب تتجلى في تركيزنا على العمل للتقليل من آثار تغير المناخ في إطار التحوّل العالمي في مجال الطاقة، والمحافظة على سلامة الأعمال وتطوير الأفراد، والسعي للتقليل من الآثار البيئية، وتعظيم القيمة المجتمعية. وهي محاور نهدف من خلالها إلى دعم إستراتيجية الشركة، فضلًا عن أنها تتماشى مع الرؤية الطموحة للمملكة، وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

ولطالما مثّلت الاستدامة جوهر أعمالنا، وأصبحت جزءًا من هويتنا، لهذا اتخذنا منهجًا أكثر شفافية بإصدار تقرير سنوي يعكس جهودنا في هذا المجال، نقوم بتحديثه ونشره سنويًا لنسلط من خلاله الضوء على النهج الذي تتبعه الشركة في قطاعات الاستدامة. وقد أُعد تقرير هذا العام الذي صدر مؤخرًا تحت عنوان: “الاستثمار في النمو والابتكار للاستدامة” وفقًا لأطر الرابطة الدولية للمحافظة على البيئة في الصناعة النفطية، ولبرتوكول قياس انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ولمعايير إدارة السلامة والصحة المهنية، وللممارسات والتوصيات الصادرة عن معهد البترول الأمريكي.

يأتي تركيزنا في أرامكو السعودية على الاستدامة باعتبارها عامل مهم في نهجنا المتّبع لإنجاز أعمالنا، فالشركة تحرص على توفير الطاقة الموثوقة بأسعار مناسبة للمجتمعات في جميع أنحاء العالم، وفي الوقت ذاته، تضع الاستدامة في صميم إستراتيجيتها للوصول إلى تحوّلٍ سلس في مجال الطاقة. ولذلك، تواصل الشركة سعيها لأن تكون جزءًا من الحل الذي من شأنه أن يساعد في خلق بيئة مستقرة للطاقة، وهو أمر يعزز الابتكار وفرص النمو في الدول النامية والمتقدمة. هذا وغيره من إسهامات الشركة المتواصلة حتى اليوم يمكنه أن يعطينا تقديرًا لحجم الإرث الذي نتركه للأجيال القادمة.

وعلى سبيل المثال، تُعد أرامكو السعودية اليوم أحد أقل منتجي المواد الهيدروكربونية من حيث كثافة الانبعاثات الكربونية في قطاع التنقيب والإنتاج، كما أعلنت بوضوح هدفها المتمثل في تحقيق الحياد الصفري للنطاقين (1 و2) والتقليل من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري في جميع مرافقها وأعمالها التي تملكها وتديرها بالكامل بحلول عام 2050م. وقد أنشأت الشركة دائرة الطاقة الجديدة بعد المصادقة على إستراتيجيتها بعيدة المدى لتطوير وتنفيذ حلول منخفضة الكربون، وترجمة أهدافها المتمثلة في التقليل من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

وخلال عام 2023م، أطلقت أرامكو السعودية مبادرة إستراتيجية لمشروع تجريبي هو الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط لتسليم الخام العربي الخفيف بانبعاثات كربونية محسوبة على مدار دورة حياة المنتج وخطة لإدارة الانبعاثات الكربونية. واستلزمت الشحنة الأولى حساب إجمالي كثافة الانبعاثات الكربونية البالغة 6.39 كيلوغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل برميل مكافئ نفطي، منها 2.42 كيلوغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل برميل مكافئ نفطي لمرحلتي الإنتاج والتحميل. ومن بين العوامل التي أسهمت في خفض الانبعاثات الكربونية للشحنة التجريبية كانت مبادرات خفض الانبعاثات الكربونية على مستوى الأصول المعنية، بالإضافة إلى استخدام أرصدة التعويضات الكربونية للانبعاثات المتبقية التي حصلت عليها الشركة من شركة سوق الكربون الطوعي الإقليمية، ومقرها المملكة العربية السعودية، عن مشروع للطاقة المتجددة المعتمدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وفي مجال سلامة الأعمال وتطوير الأفراد وهو مجال رائد في الشركة، فقد حققت أرامكو السعودية انخفاضًا بنسبة 16% في معدل إجمالي الحوادث المسجلة، وهو ما يمثل أفضل أداء تسجله الشركة، ويجسّد نهجها في وضع السلامة دائمًا في طليعة أولوياتها. كما ارتفعت مستويات التوظيف بأرقام قياسية، وبلغت نسبة الموظفات من إجمالي الموظفين الجدد أكثر من 24% كما زادت نسبة الموظفات في المناصب القيادية بمقدار 26.3%. وفي مجال التدريب، تم تخريج 57,943 شابًا وشابة سعوديين من مراكز التدريب الوطنية منذ انطلاقها.

ونظرًا للاهتمام الذي توليه أرامكو السعودية للقضايا البيئية، تتبع الشركة نهجًا رائدًا لإدارة المياه الجوفية والنفايات والتقليل من الآثار البيئية لأعمالها، وحماية التنوّع الحيوي، إلى جانب سعيها الدؤوب للمحافظة على الموارد الطبيعية، وتطبيق نماذج الأعمال القائمة على الاقتصاد الدائري في جميع مراحل سلسلة القيمة من خلال زيادة عدد محميات التنوّع الحيوي، ليصل إجمالي عددها إلى 14 محمية تمتد على مساحات تزيد على 1700 كلم2، فضلًا عن مواصلة السعي لتحقيق هدف الحياد المائي من خلال مبادرات إدارة المياه، وزراعة نحو 6.5 مليون شجرة مانجروف، و1.1 مليون شجرة في أرجاء المملكة وعلى سواحلها.

أخيرًا وليس آخرًا، يمثل تعظيم القيمة المجتمعية لأرامكو السعودية أحد أهم قيمها الراسخة منذ بداياتها، إذ تسعى لمواصلة بناء القدرات المحلية من خلال العديد من المبادرات، وخلق الفرص الاقتصادية، وتوفير فرص العمل لآلاف المواطنين، كما ازداد عدد المستفيدين من البرامج المجتمعية التي ترعاها الشركة بنسبة تزيد على 24% خلال عام 2023م مقارنة بعام 2022م.

نحن فخورون بتقرير أرامكو السعودية للاستدامة والذي يعكس التفاني في تحقيق استدامة بيئية واجتماعية واقتصادية، كما أننا أكثر فخرًا بما حققناه من نجاحات تجسد إستراتيجيتنا الهادفة لتيسير رحلة التحوّل نحو مستقبل الطاقة المستدامة، ومواصلة السعي لإيجاد القيمة لمساهمينا وشركائنا الذين نعمل معهم، ودعم التنمية المستدامة في المملكة، وتأمين موروث إيجابي للأجيال القادمة.

النائب الأعلى للرئيس للإستراتيجية وتحليل الأسواق في أرامكو السعودية