الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ما أقسى الوداع، ما أقسى لحظات الفراق، ذلك الفراق الذي لا رجعة منه، الموت اشبه بكائنا موحش غالبا لا يؤمن بالمقدمات، هكذا يأتي فجأءة دون إنتظار، فالموت لا يأبه بآلام المحبين والأبناء، الموت ليس مسؤولا عن كلمات الحنين التي لم تقل، والموت لايكترث بالوعود التي لم توفي، فهو يحطم الآمال والأحلام، لانه قاهر يأتي بسرعة لكي يخطف من أتى لأجله ثم يذهب بسرعة كالبرق دون مراعاة للظروف والأحوال.
فارقتني قبل ايام أمي لطيفة وهي بين يدي وفي أحضاني، فارقتني وانا في موقف لا تصبر عليه الجبال، فارقتني وانا أحاول انتشالها من حضرة المهاب .. صحت وانا مقابل لوجهها لعلها تسمعني (أريدك أن تبقي إلى جواري يأ امي إلى الأبد)، ولكن هكذا الموت اذا أتى يأبى إلا أن يتم كلمته وليس بيدي شيئا غير الدعاء أن يغفر الله لك وأن يسكنك فسيح الجنات، فالحياة قصيرة جدًا.
الموت اذا أتى يأتي بهيبته وقوته وجبروته وصرامته صدقوني أن الحياة قصيرة جدا احفظوا ذلك جيدا ضعوه بين أعينكم، الموت لا يرحم صغيرٍ او كبيرٍ. اكتب هذه الكلمات وتذرف من عيني دموع لاذعة تحرقني ألما على فراق أمي لطيفة المصلية والصائمة والقائمة بذكر الله ليل نهار. هي في الجنة بإذن الله لأن الجنة لا تؤوي غير الطيبين، هكذا يقول لي والدي وأنا أخبره عن النبأ.. رحمك الله يا لطيفة.
سقطت والدتي من طولها فجأءة وكانت السقطة التي لم تقم بعدها أكلمها صامته لا تسمعني حاولت إنعاشها صناعيا عن طريق الفم وعيني تلوح في ووجهها المصفر من ألم التعب ولم يجدي نفعا، نقلناها بسرعة قصوى الى المستشفى وحاولوا إنعاشها بكافة اجهزتهم الطبية ولم يستطيعوا، حينها قالت لي نفسي قف يا فهد هذه ليست كليلة عابرة مثل باقي الليالي الجميلة هذه هي ليلة الوداع ليلة الفراق الأبدي ليلة الظلام على أبنائك يا لطيفة ليلة التعب والفقد والشوق ليلة السهر والحنين على تذكر الماضي، ليلة يهيج فيها العتب على التقصير واللوم على التفريط. قبلت رأس لطيفة قبل نقلها الى المكان الذي لا عودت منه ولسان حالها يقول: (كفى يا بني هكذا هي الحياة لا شيء يدوم فيها وللبداية نهاية).
إلهي هزمني الموت، كانت الريح تعصر عيني المًا على فراقها فتنثره في الطريق، كانت أمي إمرأة كألف إمرأة، رحيمة على ابنائها روؤفة بزوجها وفية لأصحابها، تحفظ آيات كريمة، وتحفظ شعرا بسيطا فتردده وقت فراغها، تحدثنا عن ماضيها الجميل وعن صاحباتها اللاتي تركنها أو تركتهم، الفقد يا أمي أصبح مرعب في هذه الحياة بعد أن خلت منك يا حبيبتي يا أجمل من عرفت .
اكتظ الجامع بالمصلين والمعزين، اتوا من كل حدب وصوب، اطفالا ورجالا شيبا وشبانا، الجميع يأن ويتحسر على فراقك يا أمي، لا أحد يعرفك بسوء من الأهل والأقارب والجيران، صلينا عليها صلاة العصر وانتقلنا من دار الواقع الى دار البقاء نحملها فوق اكتافنا، دقات قلبي تتصاعد الى حلقي أحاول أن أبلع ريقي والذي لم اجده اصلا في حلقي. اتجهنا الى باب مقبرة المنصورية بابا من يدفن فيه لا يعود، بابا سيبقى راسخا في قلبي مهما حييت، احاسيس الحزن والألم والأسى تتخفى خلف وجهي، اتمتم بالدعاء وانا في طريقي الى دفنها ولا يسمعني غير من أمر القدر أن يأخذها.
استجمعت قوتي وصبري وألمي حتى ننتهي من دفنها ولكنني فشلت، ذرفت من عيني دموع الوداع دموع الحسرة على فقدان الأم والصديقة، وقفنا على ذلك القبر المظلم الا من نوّر الله له فيه، والجميع من حولي يبكون ويدعون، نثرنا فوق جسدها الطاهر التراب واستودعتها الله ورضيت بمن امرني أن ارضى بالقضاء والقدر. خرجنا من المقبرة وشريط الذكريات والحنين يمر على مخيلتي، وجه امي الباسم لا يغيب عن عيني، ادعو الله أن يطبطب على قلبي وقلب أخوتي لا شيء اصعب من الفقد يهزم الانسان يكسر حصن الرجولة منه، الفقد يأخذ كل شيء منا ولا يبقى لنا سوا الحنين والذكريات الأليمة .
سأفتقدكِ كثيرا يا أمي، سأفتقد رائحتك الزكية التي تفوح منك، سأفتقد لذة تقبيل رأسك ويديك ورجليك، سأفتقد اتصالاتك المتكررة على هاتفي وحرصك الزائد على ابنك، سأفتقد كلمتك المعروفة التي تذكريني بها عند خروجي مع أصحابي (لا تطول برا البيت يأبوي وتخلينا لحالنا ارجع بدري) ذهبتي ايتها العزيزة وتركتيني لوحدي .. آه ما أصعب الليالي والأيام والسنين القادمة على فراقك يا أمي .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال