الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
AbdullahHabter@
استبشرت فئة قليلة بهذه الاتفاقية خصوصا ممن لهم نصيب الأسد منها، في حين كانت مصدر قلق لبعض الاقتصاديين، وخيبة أمل لمن سيندرجون تحت هذا البرنامج، ولعل قارئ عنوان هذه المقالة لن يجد صعوبة في الإجابة وتحديد الكاسب والخاسر من هذه الاتفاقية، فمن دون شك أن المصارف والعقاريين هم من سيحقق مكسبا كبيرا منها ، في حين أن الجانب الخاسر والضحية هو ذلك المواطن المسكين الذي ظل منتظرا دوره في مسكن أو قطعة أرض تزيح جزء كبيرا من همه .. ولكن ماذا لو حدث العكس !؟.
لقد أقلق بعض الاقتصاديين ذلك الاتفاق الذي وقعته وزارة الإسكان مع بعض البنوك وشركات التمويل العقاري بخصوص برنامج التمويل الإضافي، والذي يُمكِّن المواطن الذي صدر له قرض عقاري بأن يحصل على تمويل إضافي من أحد البنوك أو شركات التمويل العقارية التي وقعت على الاتفاقية .
وكون وزارة الإسكان هي المسئول الأول والوجهة الوحيدة للراغبين في الحصول على مسكن حسب البرامج المتوفرة لديها، فهي من خلال تلك الاتفاقية قامت بالتوقيع نيابة عن المتقدمين الذين سيكونون ضمن هذا البرنامج، والذي سبق العمل به بشكل تجريبي مع أربعة بنوك، من خلال تمويل مشترك يجمع قرض الصندوق مع قرض البنك، بحسب قدرة وملاءة المقترض، وهنا يجعلنا نتساءل ..
هل قامت الوزارة قبل توقيع هذه الاتفاقية بالرجوع إلى اقتصاديين أكاديميين ذوي الخبرة والكفاءة العالية، ممن يبنون آراءهم وفق منظور ورؤية اقتصادية بحته، بعيدا عن أي تأثير خارجي يؤثر في رأيهم؟
هل أدركت الوزارة أبعاد ذلك الاتفاق، وكيف سيكون تأثيره على السوق العقاري. ؟
إن ذلك الاتفاق ليعطي دلالة واضحة أن وزارة الإسكان لم تستوعب مشكلة السكن الذي يعاني منها المواطن، ولم تدرك أبعادها جيدا، ولم تقف على أسبابها، فإدراك المشكلة والإلمام بها هو جزء كبير من الحل، وبالتالي يبقى الجزء اليسير في إيجاد حلول أكثر فاعلية تخفف قدرا كبيرا من أعراض تلك المشكلة.
لقد كان العقاريون يلعبون على وتر القلق لدى المواطن، فتارة يُشككون في برامج الوزارة وقدرتها على التعامل مع ملف الإسكان، وتارة يصفون حالة الركود التي أصابت السوق بأنها وقتية ولن تدوم تطويلا، وسيعاود السوق نشاطه، وسترتفع الأسعار مجددا، فمن يستطيع أن يشتري اليوم فلن يتمكن من ذلك مستقبلا.
لقد كان ذلك القلق يتقاذف المواطن فهو في حيرة بين الانتظار حتى يأتي دوره في أحد برامج الإسكان أملا أن يخلصه من أجار أتى على نصف دخله لوحدة سكنية لا تساوي نصف أجارها قبل بضع سنين، وبين الانجراف خلف شائعات العقاريين وشراء منزل لا تساوي تكلفة بناءه نصف قيمة الأرض التي بني عليها.
لقد وضعت وزارة الإسكان وبكل احترافية ذلك المواطن من خلال تلك الاتفاقية فريسة سهلة سنين عديدة، تتحكم في دخلة فوائد خيالية متراكمة، قد توازي مبلغ القرض الذي سيقترضه، وكأن ذلك المسكين الذي حالما ينتهي من آخر دفعة لتمويل استثماره في سوق الأسهم ، إذ به يبدأ بدفعات جديدة تأتي على جزء كبير من دخله وما بقي من صحته تكون مصدرا غنى ومكسبا تزيد به أرباح الخزينة المصرفية .
لقد أغفلت وزارة الإسكان جانبا اقتصاديا مهما، فهي بذلك تعطي مؤشرا بعودة السوق لسابق عهده، وتزيل القلق الذي بدأ يستحكم على العقاريين والمطورين، وتزيد من حدة المضاربات، وتجعل المواطنين عرضة لشائعات السوق فيعودون إلى حلبة السباق بحثا عن مرادهم، مما يولد ضغوطا على السوق تتجه معه الأسعار صعودا لتعطي رقما تضخميا جديدا.
إن ذلك الاتفاق قد يعكس خيبة أمل لدى الكثير من المواطنين وقد يتسلل إلى قلوبهم اليأس في حل مشكلة السكن، وربما يتيقنوا أن العقاريين كانوا أكثر حنكة ودراية بحال السوق وما ذهبوا إليه في توقعاتهم.
وبالرغم من ذلك فإن هذا الاتفاق قد يلبي حاجات فئة قليلة جدا من المواطنين إلا أن له معوقات كبيرة جدا، ربما غفل عنها الكثير،قد تعيق تطبيقه، وستكون مصدر قلق للموقعين عليه سواء المصارف أو شركات التمويل، وحتى وزارة الإسكان، فقد تتسبب تلك العوائق في عدم حصول الكثير من المواطنين على قرض إضافي وسيشكل ذلك قلقا لهم ، إلا أنه سيكون له أثرا إيجابي يصب في مصلحة المواطن في أن يستمر الركود في السوق العقاري فترة ليست باليسيرة بإذن الله، وحتى نبين ذلك كانت لغة الأرقام أكثر إيضاحا، وهي الفيصل في ذلك من خلال تأثيرين سنناقشهما بشيء من التفصيل وسيتضح أثرهما على حالة السوق وبقاءه تحت مضلة الركود خلال السنوات القادمة.
الأول تأثير داخلي :
إن هذا التأثير يوضح العلاقة بين أسعار العقار المتضخمة وبين إمكانية الحصول على تمويل إضافي وأثرهما على السوق العقارية، فمن خلال التقارير الصادرة من مؤسسة النقد نجد البيانات التالية:
مما يعني أن تلك النسبة العالية من المقترضين تشير إلى صعوبة حصول نسبة كبيرة من المواطنين على تمويل إضافي .
وكون القطاع المصرفي هو المستفيد الأكبر من تلك الاتفاقية، إلا أنه يدرك حجم المشكلة التي قد تواجهه خلال السنوات القادمة من احتمال كبير في انخفاض أرباحه ، فهذه الأرباح الضخمة التي يحققها القطاع المصرفي جزء كبيرا منها نتيجة لسداد الدين الحكومي، ولا أدل على القلق الذي تعانيه المصارف هذه الفترة من عروض التمويل ذات الفائدة المنخفضة والتي لم نكن نسمع بها من قبل.
وقد تشهد البنوك إقبالا كبيرا خلال الفترة القادمة على طلبات التمويل الإضافي، إلا أن ذلك التمويل مشروط بقدرة وملاءة المقترض على الوفاء والسداد، وهذا مبني على دخله الشهري.
وحتى تتضح مدى قدرة المواطن على شراء مسكن تحت الظروف الحالية لأسعار العقار، وحسب برنامج التمويل الإضافي ينبغي الرجوع إلى دخله الشهري (الراتب الشهري )، ومقارنة ذلك مع القسط الشهري للقرض.
فمن خلال بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات لعام 2012 يتضح أن إجمالي رواتب جميع موظفي الدولة بلغت 236 مليار ريال في السنة، وبالتالي نجد أن متوسط راتب الموظف الشهري حوالي 11173 ريال
وبحسبة بسيطة ل 3 فترات سداد مختلفة ، وعلى افتراض أن متوسط سعر الفلة السكنية 1,500,000 وحسب الفائدة السائدة ، كما هو موضح بالجدول أدناه ، نجد أنه من خلال مقارنة متوسط راتب الموظف الشهري مع القسط الشهري للقرض، ما يمنع من حصوله على قرض إضافي بسبب ضعف ملاءته المالية وعدم قدرته على الوفاء بالتزاماته المالية مستقبلا.
الثاني : تأثير خارجي
من المعلوم لدى الاقتصاديين التأثير الكبير للسياسة النقدية الأمريكية على الدول التي ترتبط عملتها بالدولار، ونظرا أن الريال كعملة مرتبط بالدولار، فأن أي تغير يطرأ على سعر الفائدة الأمريكية له تأثير مباشر على سعر الفائدة على الريال ، وذلك للمحافظة على سعر الصرف وحماية للريال من المضاربات ، وكما هو واضح في الشكل أناه والذي يبين الانسجام والتوافق بين معدل الفائدة على الدولار الأمريكي ومعدل الفائدة على الريال، وأن معدل الفائدة على الريال يكون أعلى منه على الدولار للأسباب التي ذكرنا سابقا.
وهذه الأيام شهد الاقتصاد الأمريكي تحسن ملحوظا في سوق العمل الأمر الذي أدى أن تصرح جانيت يلين رئيسة مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) عن احتمال بداية رفع سعر الفائدة في منتصف 2015 مع احتمال أن تصل إلى أعلى من 2% بنهاية 2016، وقد يتم رفع الفائدة قبل هذا التاريخ ، وهذا بلا شك له أثره على سعر الفائدة على الريال، حيث سيؤدي ذلك إلى رفع معدلات الفائدة المحلية ، وبالتالي ينعكس ذلك في ارتفاع تكلفة التمويل على الأفراد الراغبين في الحصول على قرض إضافي أو عقاري، وكما هو موضح بالجدول أدناه، بافتراض ثبات سعر الوحدة السكنية، وارتفاع سعر الفائدة المتوقعة.
ومن خلال التأثيرين السابقين يتضح وجود معوقات وصعوبات قد تمتد لسنوات قادمة، وقد تحول دون حصول المواطن على قرض إضافي، أو حتى تمويل عقاري، وهذه المعوقات لها انعكاساتها السلبية على أطراف الاتفاقية.
فعلى الجانب المصرفي قد تحول تلك المعوقات دون تحقيق ما تسعى إليه المصارف في إيجاد قنوات لتصريف ما لديها من ودائع هائلة بما يحقق لها دخل وأرباح مستمرة تواجه به مصروفاتها الضخمة والتي قد تتسبب في تآكل ما حققته من أرباح سابقة، أو ما ستحققه من أرباح مستقبلية .
أما فيما يخص العقاريين والمطورين، فقد يعجز الكثير منهم في إيجاد وسيلة للتخلص من مخزونهم الكبير من الأراضي والوحدات السكنية، والإفراج عن رؤوس أموالهم التي باتت رهينة لتلك العقارات وحركة السوق، مما قد يدفعهم لطرح بعض وحداتهم السكنية لراغبي الأجار مما يولد فائضا في السوق تنخفض معه أسعار الإيجارات بإذن الله.
كما أن تلك المعوقات ستكون مصدر قلق وإزعاج لوزارة الإسكان في عدم تحقيق ما تطمح إليه الوزارة من هذه الاتفاقية، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، ويحتاج إجابة عاجلة :
ماذا سيكون رد وزارة الإسكان للمواطن الذي صدرت له الموافقة بحصوله على قرض عقاري ولم يجد من يقرضه أو يوافق على تمويله.
أما المواطن محور هذه الاتفاقية، والمعني بها، فيبدو بإذن الله أن الحظ سيقف بجانبه هذه المرة ، ولكن عليه أن يتحلى بالصبر ولا يعجل، وليرقب من بعيد ..
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال