3666 144 055
[email protected]
كالأيــام الخوالي لأسواق المــال والاقتصاد، أيام التأرجــح، التصحيح، الموت والحيــاة. ماضي الأسواق الملطـخ بكثيـر من التشوه والفقاعـة. كان التاريخ الحديث بداية من القرن العشــرين وحتى ما قبــل أغسطس 2024م، مليء بالأزمات المالية التي كان يُقــال عنها أن هذه المــرة لا نجاة من المأزق على الأطلاق، لكن دائــمًا ما يكون هناك طوق للنجــاة يظهـر ليعود بالأسواق الى موضع اتزانها القديــم. كانت أبرز أمثلـة السقوط، أزمة زهر التوليــب القديمـة، وكل من الكساد العظيم وأزمة النفط في حرب أكتوبر 1973م وفقاعة العملات الأسيوية والتكنولوجيا الأمريكيـة، وأزمة الرهون العقارية العالمية و الأخير هي الجائـحة مطلع 2019م، ثم بعد خمول أمتد ليس طويلًا، اشتاقت الأسواق الى إعادة إصدار بعض من ضجيجها القديم في أغسطس الحالي، ويكون ضحية هذا الفعـل المستثمرون الأفراد في الغالب ومن تصرف بغيـر منطقيـة من الكبـار من المؤسسات والهياكل المالــية، لينتهي بعد هذا كل شــيء، وتعود كما هي ساكنــة آمنــة طويــلة المدى.
سنبدأ في سرد الأحداث بشكل تاريخي ثم نعود ونرى وكيف بدأ السقوط الذي أستمر لعدة أيام الى أن بدأ التعافي يتنشـر في جسد الأسواق العالمــية من جديد. الفيدرالي الأمريكي بقيادة جيروم بـاول – 13 يوليو 2024م – قرر بــاول ورِفـاق البنك القديـم بأن يتم تثبيت أسعار الفائدة للمــرة التاسعة على التوالي من بداية رحلة التخفيض في سبتمبر 2022م في مستويات 5.25 – 5.50% على الأموال الفيدرالــية القابلـة للإقراض. كان الخبــر متوقعـًا إلى حد كبير ولم تتفاعل معه الأسواق بدرجـة عالـية. لم تستمــر الأسواق طويـلًا حتى وصـل الخبــر المؤلم الآخــر بتسجيل معدل بطــالة في الولايات المتحدة بــ 4.30% مقارنة مع المتوقـع البالغ 4.10% والماضي في شهر يونيو 4.10%. خبر ارتفاع نسبـة البطالة أشعــل شرارة في فتـيل الأسواق. لنـصل الى من أوقد تلك الشرارة لابد من فهــم جميع التفاصيل المكونــة لفتيلهــا والروايــة الكاملة.
الولايات المتحدة – 2022م – فترة الجائحــة، كانت معدلات التضخم ترتفع بوتيــرة متسارعة لتسجل مستويات عالية في حدود 7-8%. كان لابد من الفيدرالي استخدام سلطته لكبح جماح التضخم باستخدام السياسية النقدية ورفع الفائدة وكان هذا القرار الصحيح. بدأ الفيدرالي برفع معدلات الفائدة لتخفيض التضخم وسحب السيولة من الأسواق والمستثمرون، حيث إن زيادة أسعار الفائدة تسحب السيولة من الأسواق وتتجــه بها الى أسواق السندات الحكوميـة وفي نفس الوقت تصبح تكاليف الإقراض مرتفعــة، وبالتالي تنخفض معها معدلات النقد لدى المستثمرون ويقل بها الطلب الخاص بهم، ويضغط هذا على أسعار السلع والخدمــات لتنخفض مجــبرة بعد ذلك بسبب عدم وجود الطلب الكافــي لها. لم يتوقف الفيدرالي عن رفع معدلات الفائدة حتى أنخفض معدل التضخم ووصل الى مستوياته الطبيعيـة في مستويات 3-3.5%. بالتزامن مع رفع الفائدة فأن التضخم ينخفض، ولكن في الجانب المظلم الآخــر فمعدلات البطــالة ترتفع فوق معدلاتها الطبيعيــة في حدود 3-3.5%.
علاقة التضخم والبطالــة هي علاقة عكسيــة، أذا أرتفع معدلات التضخم، فأن معدلات البطالة تنخفض بسبب أن الشركات والمؤسسات لا تُسجل أرباح عاليــة ويكون معدلات النمو فيها والطلب منخفض، من زاويــة أخرى انخفاض معدلات البطالة يعني بأن هناك معدل أجور عالـي، وبالتالي سيكون هناك إنفاق عالي وهذا سوف يدفع الطلب الى أعلى وفي نهاية المطاف الأسعار الى أعلى، هذه العلاقــة العكسيــة أوضحهــا الاقتصادي فيليبس في المنحنى الخاص به الذي يدرس العلاقـة بين التضخم وبالبطـالة. لفهم كيف نشأت أزمة أغسطس الحالي، لابد من المرور على العناوين الأبرز لها وهي كالآتــي:
بسبب الترابط الاقتصادي العالمي، فأن الأثار على السوق الأمريكي انتقلت الى أسواق العالم في أول جلسات افتتاحها، كان الذعــر ومستويات البيع الهائل دليل على تصرف الأفــراد غير العقلانــي، هذا يتضح من خلال نمو معدلات البيع من يوم تداول الى أخر وبكميات أكبر، حيث يبدأ الأفراد بتقليد تحركات الأفراد الأخرين دون الاستناد على عوامل أساسيــة في قرار البيع، بالطبــع قد تتصرف بعض المؤسسات كتصرف الأفراد تمــامًا بسبب التأثير النفــسي للأسواق الهائل. بعد عدة أيــام بدأت الأسواق من ذاتهــا بالرجوع الى المناطــق الخضراء والارتفاع، المثــال الأبرز على أن الأسواق قادرة على أن تتزن دون بذل جهود عليهــا، فقــط ” أتركهـــا تعمل! “.
بين التمادي في تثبيت الفوائد الأمريكية لوقت طويل وبين استغلال الفرص لتحقيق عوائد مجانــية كما في الصفقات المحمولـة تظهر ثقافة المستثمر الفرد ومدى قدرته على الثبات على اختياراته واستراتيجيته الاستثمارية وعدم التموج بين كل منحنى ومنعطف للأسواق، ودائمًا ما تُهدي الأسواق المالــية أغلى الهدايــا لمن كان صبــورًا عندما يتناثــر الحطام.
اقتباس اقتصادي: “تم تصميم سوق الأوراق المالية لنقل الأموال من النشط إلى الصبور.” – وارن بافيت
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734