الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ن مفهوم رأس المال الاجتماعي يتمثل في العلاقات الاجتماعية بالشبكات المجتمعية ومجموعة القيم الإيجابية كالثقة والتسامح والاعتراف بالآخر، وبناء الثقة والتعاون بين الأفراد والمؤسسات، والعمل بروح الفريق الواحد مع التشجيع على المشاركة والمسؤولية الاجتماعية، وفي تنمية رأس المال الاجتماعي تعزيز للعلاقات الاجتماعية، والشبكات التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة في المجتمع، وهذا يشمل بناء الثقة والتعاون بين الأفراد والمؤسسات، والعمل بروح الفريق الواحد مع التشجيع على المشاركة والمسؤولية الاجتماعية، ومبادرات التطوع، وبالتالي تعزيز القيم الاجتماعية المشتركة، وقد يتعرض رأس المال هذا إلي التأثر في كل عناصره ومكوناته مما يحول دون تحقق التنمية المستدامة من أفة خطيرة تؤثر سلبي وبشكل مباشر فيه وفي كل مكوناته وعناصره المتعددة، وكذلك تؤدي إلي إشكاليات عديدة اقتصادية واجتماعية وصحية وديموغرافية لا حصر لها، ألا وهي ظاهرة انخفاض معدلات الخصوبة.
فقد شهدت العقود الأخيرة، في العديد من المجتمعات حول العالم انخفاضاً ملحوظاً في معدلات الخصوبة، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول تأثير هذه الظاهرة على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ومن ذلك رأس المال الاجتماعي الذي يعتبر أحد أهم العناصر التي تتأثر بمثل هذه التغيرات الديموغرافية، لما له من تأثير مباشر، فهو يلعب دوراً حيوياً في تعزيز التماسك الاجتماعي والتعاون بين الأفراد.
بل هو معاكس تماماً لمن تستهدفه الخطط التنموية والإستراتيجية من سعيها إلى لتنمية رأس المال الاجتماعي، الذي تراكمه بلاشك يعد مفتاحا لنمط جديد من التنمية، وه الأكثر إنسانية واستدامة، كونها أحد العناصر التي تهيئ البيئة المناسبة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، ويعزز الثقة واحترام التقاليد بين أفراد المجتمع.
وأن انخفاض معدلات الخصوبة يؤثر بشكل كبير على رأس المال الاجتماعي. بحيث يؤدي انخفاض معدلات الولادة إلى تقليص في التعداد السكان للمجتمع أو الدولة، مما يضعف الروابط الاجتماعية ويقلل من فرص التفاعل والتعاون بين الأفراد. هذا يمكن أن يؤدي إلى تراجع في التضامن المجتمعي، وتقليل الشبكات الاجتماعية التي يعتمد عليها الأفراد للحصول على الدعم والمساندة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر سلباً على نقل القيم الثقافية والتقاليد بين الأجيال، مما يضعف النسيج الاجتماعي بشكل عام، ويؤثر على العلاقات الاجتماعية، والتضامن المجتمعي، والقدرة على بناء شبكات دعم قوية ومستدامة، وتتفاقم أكثر بإيجاد بدائل خارجية لسد تلك الفجوات الاحصائية.
ولقد شهد العالم انخفاض حاد في معدلات الخصوبة من (5.06) في عام 1964 إلى (2.4) في عام 2018، و في الوقت الحاضر اصبح يشكو نصف دول العالم من معدلات خصوبة أقل من مستوى الاستبدال (أي يحافظ على معدلات لتعداد السكان بلا نقص) والمقدر (2.1)، وبالوصول إلي عام 2050 متوقع سترتفع هذه النسبة إلى ثلثي الدول، وتشير التوقعات لبعض الدراسات إلى أنه بحلول عام 2100 سترتفع النسبة لحوالي (96٪) من الدول (198) دولة ستعاني من انخفاض معدلات الخصوبة لأقل من مستوى الاستبدال، وإن أكثر عشرين من دول العالم التي تعرضت إلى انخفاض في معدلات الخصوبة من عام 1950 إلى 2024 هي، كوريا الجنوبية (88%)، الصين (83%)، تايلاند (81%)، اليابان (80%)، إيران (75%)، البرازيل (75%)، كولومبيا (72%)، المكسيك (72%)، بولندا (71%)، تركيا (70%)، روسيا (69%)، السعودية (69%)، ماليزيا (68%)، المغرب (67%)، أوكرانيا (67%)، إيطاليا (66%)، كندا (66%)، الهند (65%)، بيرو (65%)، بنغلاديش (64%).
وحسب الاحصائيات للعام الماضي (2023) فأكثر الدول التي وصلت لمرحلة الخطر هي، كوريا الجنوبية (0.9)، سنغافورة (1.0)، سان مارينو (1.1)، الصين (1.2)، مالطا (1.2)، البوسنة (1.3)، قبرص (1.3)، إيطاليا (1.3)، جمايكا (1.3)، اليابان (1.3)، إسبانيا (1.3).
وكما أشير فإن لهذه النتيجة الخطيرة أثار سلبية متعددة، بداية سوف تغير في الفئات العمرية للتعداد السكاني، بحيث تقل نسبة الشباب وترتفع بالمقابل نسبة الشيخوخة، وبحسب بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان، تضاعفت حصة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فأكثر على مستوى العالم تقريبًا من (5.5%) في عام 1974 إلى (10.3%) في عام 2024.
ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى (20.7%) بحلول عام 2074، مع تضاعف عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 عامًا فأكثر بأكثر من ثلاثة أضعاف. وفي الوقت الحالي، تتمتع البلدان المتقدمة بأعلى نسبة من السكان المسنين، في حين تشهد البلدان النامية عادة شيخوخة سكانية سريعة. ويرتبط شيخوخة السكان على مستوى العالم بتحسن متوسط العمر المتوقع وانخفاض معدلات الخصوبة في العديد من البلدان.
أن تأثير انخفاض معدلات الخصوبة على رأس المال الاجتماعي يكمن في التالي:
– تقليص حجم الأسرة، حيث انخفاض معدلات الخصوبة يؤدي إلى تقليص حجم الأسرة، مما يعني عدد أقل من الأطفال والأحفاد. هذا يمكن أن يقلل من الروابط العائلية التقليدية والشبكات الاجتماعية التي تعتمد على العلاقات الأسرية القوية.
– تأثير على العلاقات الاجتماعية، فمع تقليل حجم الأسرة، قد يكون هناك تراجع في التفاعل الاجتماعي بين الأجيال المختلفة، مما يجعل فئة الأجداد والآباء قد يشعرون بالوحدة والعزلة إذا لم يكن هناك عدد كاف من الأحفاد والأطفال للحفاظ على الروابط العائلية، وهذا يؤثر على نسيج الأسرة.
– التحديات الاقتصادية، حيث انخفاض معدلات الخصوبة يؤدي إلى زيادة نسبة كبار السن في المجتمع مقارنة بالشباب. هذا يمكن أن يؤدي إلى ضغوط اقتصادية على النظام الصحي والرعاية الاجتماعية، والتأمينات الاجتماعية، مما يؤثر على الموارد المتاحة لتعزيز رأس المال الاجتماعي.
– فرص التعليم والعمل، ومع انخفاض عدد الأطفال، قد تكون هناك فرص أفضل للتعليم والتنمية الفردية لكل طفل. هذا يمكن أن يعزز رأس المال البشري ويؤدي إلى تحسينات في رأس المال الاجتماعي على المدى الطويل.
– التغيرات الثقافية، حيث انخفاض معدلات الخصوبة يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في القيم والتقاليد الثقافية، قد يكون هناك تحول نحو القيم الفردية بدلاً من القيم الجماعية، مما يؤثر على العلاقات الاجتماعية والتعاون المجتمعي.
بناءً على ما تم ذكره سابقاً يمكن القول أن انخفاض معدلات الخصوبة له تأثيرات متعددة على كل جوانب الحياة، ومنها على رأس المال الاجتماعي، بعضها قد يكون سلبياً والآخر قد يكون إيجابياً. ومن المهم دراسة هذه التأثيرات بشكل شامل لفهم كيفية التكيف معها وتعزيز رأس المال الاجتماعي في المستقبل، ورأس المال الاجتماعي يعد من أهم الركائز الأساسية للمجتمعات وتقدمها، كذلك إن من السمات التي تأكدت من استفحال ظاهرة انخفاض معدلات الخصوبة أن معالجتها بعد وقوعها (انخفاض المعدل عن مستوى الاستبدال) يصعب تعديله إن لم يكن مستحيل، لذا كلما كانت المعالجة مبكرة كلما أمكن تلافيها، وإلا لتعرض إلى حلول قد تكون مزعجة كأن يستقطب لسد النقص حتى ولو أدي إلى خلل في التركيبة السكانية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال