3666 144 055
[email protected]
تحدثنا بإسهاب من قبل عن التقارير غير المالية وأثرها في بيئة الاستثمارات، ونتناول اليوم موضوع الإفصاح المالي، وذلك بعد أن تم اعتماد الانتقال إلى المعايير الدولية للتقارير المالية وإسناد تطبيقها إلى أربع جهات هي: هيئة المحاسبين القانونيين وممثلين من وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية، وسيبدأ التطبيق بالشركات المدرجة بتاريخ 2017/1/1 ومن ثم يطبق على باقي الشركات بتاريخ 2018/1/12 على أقرب تقدير، ولا داعي في هذا السياق لأن نؤكد أهمية ومحورية قضية الإفصاح المالي والانتقال إلى المعايير الدولية، إذ إن هذا من المسلمات التي يدركها الكثير من المختصين الماليين.
وبقراءة عابرة لما بين السطور نلاحظ تدرجا تشريعيا في اتخاذ مثل هذا القرار، فالشركات المساهمة، وهي أكثر الشركات حساسية، كونها تدير أموال شريحة كبيرة من المستثمرين تتصدر قائمة التطبيق بين أنواع الشركات الأخرى، فهي التي ستبدأ التطبيق عام 2018، ما يعني أننا على بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من هذا الانتقال.
ما يهمنا في هذا السياق هو الفوائد المرجوة من هذا الانتقال، التي يأتي على رأسها منع التواطؤ بين بعض الشركات والمكاتب المحاسبية والتي ثبت تورط العديد منها في تزييف القوائم المالية والأرقام بما يتناسب مع متطلبات الشركة التمويلية أو أي متطلبات مرحلية أخرى، وبالتالي تقديم بيانات مضللة للمستثمرين والجهات الرسمية الأخرى كمصلحة الزكاة والمصارف التجارية، ما يعني اتخاذ قرارات مبنية على بينات خاطئة. ومما لا شك فيه أن تطبيق هذه المعايير يعد نصرا جديدا يضاف إلى قائمة الانتصارات الأخيرة للكثير من التشريعات التي تهدف للحد من الفساد، حيث تحصل مصلحة الزكاة والدخل والمصارف على قائمة موحدة يمكن الاعتماد عليها.
ومن أجل الاستعداد لهذا القرار، ينبغي تفعيل دور هيئة المحاسبين بشكل كبير بما يمكنها من القيام بدورها التوعوي وضمان سلاسة الانتقال إلى المعايير الجديدة، مركزة في ذلك على أبرز النقاط التي من المتوقع أن تشكل تحديا كبيرا للشركات. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يؤدي الانتقال إلى حالة من الربكة داخل الشركات فيما يختص بالزكاة والضرائب، حيث يلزم الشركات بضرورة إعداد القوائم المالية الجديدة بما يخص الامتثال لقوانين الزكاة والضرائب في المملكة.
أما على صعيد الشركات، فينبغي الاعتماد على نهج تحول قوي، فالانتقال وإن كان يشكل تحديا كبيرا من الناحية التطبيقية، إلا أن التحدي الأكبر سيكون اختبار مدى قابلية الشركة للتكيف مع متغيرات بيئة العمل، وكيفية الإدارة الفاعلة للتغيير داخل شركاتنا، حيث من المعروف إداريا أن هناك مقاومة للتغيير من قبل الموظفين. وتعتبر قدرة الشركة على استيعاب التغيير وعمل التغيرات الهيكلية اللازمة من المؤشرات الذكية التي يمكن أن يعتمد عليها المستثمر الحذق في بناء قرار استثماري طويل الأمد، إذ إنه يؤكد قدرة الشركة على الاستمرار بمستوى الكفاءة نفسه على المدى الطويل. كما أن هذا التوجه يمثل فرصة تاريخية ويفتح الأبواب على مصاريعها لتدريب متخصص للسعوديين على هذه المعايير، وبالتالي توفير فرص وظيفية حقيقية.
أما على صعيد الشركات، فإن الانتقال، مع ما يجلبه من تحديات إلا أنه يعد في الوقت نفسه فرصة كبيرة للشركات، فمع الارتقاء بمستوى الإفصاح ستتمكن الشركات من خفض تكاليف التمويل، إذ إن هناك علاقة طردية بين دقة البيانات المالية المقدمة وتكاليف التمويل، ما ينعكس إيجابا على الأداء التشغيلي للشركة. ونود أن ننوه هنا بالآفاق المستقبلية لهذا القرار، الذي إذا ما تم تطبيقه على الوجه المطلوب فإنه سيغير بيئة العمل الحالية، وستكون انعكاساته الإيجابية جلية في التعامل بين الشركات وزيادة الثقة بينها وزيادة حجم الأعمال.
كل ما هو مطلوب الآن هو التحضير السريع لهذا التغيير، الذي بلا شك سيكون له آثاره في تنافسية شركاتنا الوطنية والاقتصاد السعودي ككل.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734