الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا يخفى اليوم على أحد من المهتمين بعالم الأعمال في منطقة الشرق الأوسط أننا نعيش طفرة نوعية في تقنية المعلومات و ما لها من دور كبير في تغذية شريان ريادة الأعمال بمئات المشاريع والأفكار الريادية التى تتفاوت بين فكرة جميلة لم ترى النور وثورة تغير المجال التى دخلت فيه.
وقصص النجاح في منطقتنا كثيرة وملهمة يكاد لا توجد مجموعة لم تتكلم عن مشاريع بدأت من الصفر و كادت تلامس أو لامست فعلا المليار دولار منها على سبيل المثال لا الحصر كريم، المسافر، هنقرستيشن وغيرها الكثير من المشاريع التي حولت طموح الشباب اليوم من وظيفة مرموقة إلى مشروع ريادي ليحقق به حلمه ويصنع التغيير.
ولا أعتقد أنني أكون مبالغاً لو قلت أننا نعيش في بداية العصر الذهبي لريادة الأعمال لما يوجد من توجه من الشباب نحو ريادة الأعمال وتقبل المجتمع وتشجيعه النسبي لمثل تلك الأفكار بالإضافة إلى توجه الجهات الحكومية والشبه حكومية و الإستثمارية نحو دعم ريادة الأعمال.
لكن علينا أيضا أن نسلط الضوء على مشكلة كوننا ما نزال في المهد مقارنة بأوروبا وأمريكا فحيثما تسمع عن ريادة الأعمال (Entrepreneurship) تجد مباشرة من المرادف لها كلمات مثل حاضنات الأعمال (Incubators) ومسرعاتالأعمال (Accelerators) وصناديق إستثمار رأس المال الجريئة (Venture Capital) ومع الأسف هذه الأخيرة لدينا ليست جريئة أبدا، وهنا تكمن المشكلة!
فرائد الأعمال له عدة تعاريف وتعريفه حسب موسوعة الإستثمار (Investopedia) هو فرد يفضل أن يؤسس ويدير منشأة صغيرة ويقبل بجميع المخاطر والمكافآت من مشروعه على أن يعمل كموظف.
وفي تكملة التعريف توضح الموسوعة أن ريادي الأعمل الذي يثبت نجاحه يكافأ على تحمله مخاطر المشاريع الناشئة (Startup) ويحصل على الربح والنمو المالي المستمر، وهنا نجد المفارقة الكبيرة والمعضلة المعطلة لنمو بيئة محفزة لمثل هذه المشاريع فمعظم الصناديق الجريئة والجهات الداعمة لاتريد المخاطرة في بيئة عمل جزء من تعريفها تقبل المخاطرة وبطبيعة هذه المشاريع فهي خارجة عن المألوف مختلفة لا يفهمها معظم الناس حتى تثبت جدواها.
وفي مثل هذه المشاريع نجد القيمة المضافة الفعلية حيث أن تقريراً نشرته منظمة إدارة المشاريع الصغيرة في الولايات المتحدة (https://www.sba.gov) يربط ربطاً مباشراً بين المشاريع الريادية و خلق الوظائف وتقليل البطالة ورفع الناتج المحلي الإجمالي (GDP) وإنعاش الاقتصاد و رفع مستوى الإبداع وتطوير المنتجات وكل هذه مشاريع ريادية دخل معها صندوق رأس مال جريء ودعمها حتى تحولت إلى عملاق ملياري مثل جوجل وفيسبوك وغيرها.
ومن إطلاعي على هذا المجال فلقد كرست دول وشركات المنطقة رؤوس أموال جبارة لريادة الأعمال ولكن هناك فجوة مهولة بين الأمول المخصصة والأموال المستخدمة وهذا يعود لمشكلتين:
1. المشاريع الريادية يتم تقييمها بشكل أساسي:
a. في الخارج على أساس: الفكرة، الرؤية، الفريق، الدخل.
b. في المنطقة (على الغالب): الدخل الحالي، التحالفات، العقود والضمانات.
2. إدارة الصناديق والمسرعات:
a. في الخارج:
i. على يد خبراء لديهم تجارب ناجحة في ريادة الأعمال أو سنوات عديدة من التدريب مع خبراء بالمجال.
ii. لدى مدراء الصناديق صلاحيات كبيرة بحكم خبرتهم تحولهم فعلا لصناديق جريئة.
iii. مدراء الصناديق دخلهم وتقييمهم على الأداء الربحي الكلي للصندوق طويل وقصير المدى.
iiii. مدراء الصناديق هم مستثمرين بالصناديق ويبحثون عن مضاعفات ربحية وليس الدخل النسبي على الإستثمار.
b. في المنطقة:
i. معظم مدراء الصناديق ليسوا رواد أعمال وإنما تجار (أقل تقبل للمخاطرة) أو أصحاب رؤس أموال أو موظفين بخبرة محدودة بريادة الاعمال مع صلاحيات محدودة.
ii. رغبت المدراء بالمخاطرة محدودة جداً إما لعدم الخبرة أو لكونهم بنوا رأس المال بمخاطرة محدودة أساسا.
iii. دخل مدراء الصناديق إما رواتب محدودة تصعب إيجاد أصحاب الخبرة أو هم ملاك الصندوق بالكامل.
iiii. معظم المدراء هدفهم تفادي الخسارة وليس إيجاد المشروع الملياري القادم.
v. لا يوجد ثقافة الإستثمار بمشاريع رأس المال الجريء في المجتمع لذلك لايوجد صناديق من هذه النوع مفتوحة للعامة.
وبسبب هاتين المشكلتين نجد أموال مخصصة لسنوات لريادة الأعمال دون استخدام 10% منها أو مشاريع ذات أفكار ورؤيا ريادية لاترى النور بسبب عدم استيفاء شرط وجود الدخل مما يجعل معظم مشاريعنا الممولة اليوم إما مشاريع منسوخة من الخارج أو مكررة وبسيطة تتركز معظمها على التوصيل أو الطعام لانها سهلة التنفيذ نسبياً ومجربة ويفهمها كل مدراء الصناديق والمسرعات ويمكنها إنتاج دخل على المدى القصير لتحفز الصناديق الداعمة والإستثمارية لكي تدعمها.
هذا بحد ذاته نجاح رائع لا يجب الإقلال من قدره ولكن هناك الكثير من الفرص الواعدة التي قد تغير ميزان الدخل الاقتصادي للمنطقة وخلق آلاف الفرص الوظيفية لكنها تحتاج إلى بنية تحتية أو أبحاث قبل الوصول للنتائج وهذه الفرص هي الأعلى تأثيرا وربحا في حال نجاحها ولكن أسفا البيئة الاستثمارية في المنطقة لا تستطيع أن ترعى وتدعم مثل هذه المشاريع.
وعلى النقيض نرى مشاريع لم تدخل أي مبلغ مالي وتم دعمها بعشرات بل مئات الملايين لسنوات إيمانا بالمنتج والفريق مثل مشروع (Clinkle) الذي جمع 25 مليون دولار وهو في مرحلة البذرة (Seed round) ولديهم فريق من 50 موظف ومنتجهم لم ينزل للسوق حتى!! ويأتي هذا الدعم إيماناً بالفريق و الرؤية، و كذلك شركة (MAGIC LEAP) التي جمعت أكثر من ملياري دولار، كإستثمار من أكبر الشركات مثل Google و Alibaba وJ.P. Morgan فهذه الشركات لا تستثمر اعتباطاً وانما تعلم أن الإستثمار في التطوير و الأبحاث له مردود استثنائي على المدى الطويل.
ولكي ننسخ مثل هذه التجارب نحتاج إلى صناديق عملاقة بمدراء صناديق يفهمون الرؤية ويومنون بأنه لا يوجد مشروع ريادي حقيقي يؤتي أوكله ويغير من صناعات بأكملها دون أن يكون الإستثمار مبني على مخاطرة محفزها الإيمان بالفريق و الرؤية و المشروع وليس الدخل فقط.
ولكن بالنهاية، أعتقد أن هذا هو التدرج الطبيعي للتعلم والتطور و نرى الكثير من التطور المحمود في عالم الاستثمار بالمنطقة وكثير من الصناديق دخلت في استثمارات بشكل احترافي برؤوس أموال عملاقة وان كان الاستثمار في مراحل متأخرة من المشاريع فهي تحسب لهم و باعتقادي أن دخول صناديق رأس المال الجريء من الخارج إلى المنطقة هي أول خطوة بالإتجاه الصحيح لتسريع هذه العملية لتطوير سوق المنطقة لمَ فيه من إمكانات لم يتم تفعيلها حتى الآن.
و من الواضح أن المنطقة عبارة عن شعلة من الطاقات والابداع والمنظمات الداعمة وماهي الإ فترة محدودة حتى تصطف النجوم لكل هذه الموارد بعد أن ترتب أوراقها لكي تكون المنطقة منبعا لمشاريع ريادية إبداعية تحدث تغيرا جذريا بمصادر الدخل وشكل ميزان الاقتصاد والتجارة في المنطقة و العالم بأسره.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال