الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نشهد في المملكة العربية السعودية تحولاً اقتصادياً واجتماعياً متسارعاً، مدفوعاً بإستراتيجية المملكة 2030. وفي ظل هذا التحول، يبرز دور التعليم العالي، لا سيما كليات إدارة الأعمال كمحرك رئيسي للنمو والتطور. ومع ذلك، ورغم الجهود المبذولة، فإن برامج إدارة الأعمال في العديد من الكليات تحتاج إلى تحديث نوعي للمسارات المطروحة حالياً، وذلك لمواكبة التطورات المتسارعة في عالم الأعمال الحديث. فالتحديات الجديدة التي تواجه الشركات الخاصة والقطاعات الاقتصادية في الدولة، تتطلب مهارات وقدرات جديدة لا تغطيها المسارات التقليدية. لذا، فإن تحديث المسارات الحالية لبرامج البكالوريوس في كليات إدارة الاعمال أصبح أمراً ضرورياً لضمان تخريج كوادر وطنية مؤهلة وقادرة على قيادة التحول المنشود.
حالياً، تركز برامج الإدارة في الجامعات السعودية بشكل كبير على مسارين رئيسيين وهما إدارة الأعمال العامة وإدارة الموارد البشرية. حيث يمثل كل منهما جزءًا لا يتجزأ من منظومة الإدارة الشاملة، يوفر مسار إدارة الأعمال العامة للطلاب فهمًا شاملاً لمبادئ الإدارة الاستراتيجية والتشغيلية، بينما يركز مسار إدارة الموارد البشرية على الجانب البشري في المنظمات، مما يساهم في تطوير كفاءات قادرة على تحقيق التوازن بين الأهداف الاستراتيجية والاحتياجات البشرية.
ومع ذلك، فإن تطور مشهد الأعمال الحديث يتطلب من الخريجين امتلاك معرفة متخصصة في مجالات تتجاوز نطاق الإدارة التقليدية. خصوصاً وان الاقتصاد السعودي المتنامي والمدعوم على أساس التنويع الاقتصادي وتعزيز مخرجات تنمية رأس المال البشري، خلق حاجة ماسة إلى محترفين يمتلكون خبرة تخصصية في قطاعات ناشئة مثل إدارة الأعمال الدولية، إدارة سلاسل الإمداد واللوجستيات وإدارة الابتكار، وهذه المسارات ذكرتها في هذا المقال على سبيل المثال وليس الحصر.
ومن هُنا ولتلبية هذه الاحتياجات، لابد ان تبادر كليات ادارة الاعمال بتوسيع مخرجاتها لتشمل مسارات حديثة تتماشى مع الطموحات الاقتصادية للمملكة. على سبيل المثال، في ظل تدفق الشركات الاجنبية خارج حدودها الوطنية بحثًا عن فرص في الأسواق المتنامية، أصبح من الضروري أن تتوفر لدى الخريجين معرفة عميقة بديناميكيات الأسواق العالمية واستراتيجيات الاعمال الدولية. سيساعد مسار متخصص في ادارة الأعمال الدولية الطلاب على التنقل بين تعقيدات التجارة العالمية، وتزويدهم بالمهارات اللازمة للمشاركة في ادارة الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمشاريع المشتركة والتحالفات الاستراتيجية العالمية. لن يدعم هذا المسار فقط جذب الاستثمارات الأجنبية الى المملكة، بل سيجعل أيضًا الخريجين السعوديين قادة في الشركات متعددة الجنسيات.
بالإضافة، في ظل التوسع الاقتصادي السريع الذي تشهده المملكة العربية السعودية، ومع التركيز على تطوير البنية التحتية وتعزيز مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي، أصبح تخصص إدارة سلاسل الإمداد واللوجستيات أمرًا بالغ الأهمية. هذا المجال يلعب دورًا حيويًا في تحسين كفاءة العمليات التجارية وتدفق السلع والخدمات عبر الحدود. لذلك، من خلال توفير مسار متخصص في إدارة سلاسل الإمداد واللوجستيات، يمكن لكليات الأعمال تأهيل الطلاب للتعامل مع تحديات إدارة الشبكات المعقدة للتوريد، وتحسين استراتيجيات الشحن والتوزيع، والتأكد من استمرارية تدفق السلع في أوقات الأزمات. كما سيسهم هذا المسار في تأهيل خريجين قادرين على دعم رؤية المملكة من خلال تحقيق التميز التشغيلي وتعزيز موقع المملكة كلاعب رئيسي في سلاسل الإمداد العالمية، خاصة مع تطور موانئها ومشاريعها اللوجستية الكبرى.
وفي الوقت نفسه، يأتي الابتكار في قلب النمو الاقتصادي، ويتطلب التحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة توافر قادة قادرين على إدارة الابتكار داخل المنظمات. يمكن لمسار متخصص في إدارة الابتكار أن يزود الطلاب بالمعرفة اللازمة لتطوير المنتجات والخدمات ونماذج الأعمال الجديدة. فمن خلال فهم العمليات الاستراتيجية التي تدعم الابتكار، سيكون الخريجون قادرين على قيادة المبادرات التي تعزز من قدرات البحث والتطوير وإدارة التحولات التنظيمية. ومع سعي المملكة إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، فإن وجود محترفين قادرين على إدارة الابتكار يعد أمرًا بالغ الأهمية لدفع النمو في القطاعات الناشئة مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
في الختام، يعد التحديث والتطوير المستمر لبرامج الإدارة الاكاديمية أمرًا ضروريًا لمواكبة التطورات السريعة في عالم الأعمال. لذلك على كليات الأعمال أن تتبنى نهجًا استباقيًا في مراجعة وتحديث مناهجها ومساراتها التعليمية لتلبية احتياجات المنظمات المحلية والدولية على حد سواء. أيضاً، يجب أن تكون الأقسام الأكاديمية مرنة وديناميكية بما يكفي لتقديم تعليم يركز على الإبداع، الابتكار، والتخصصات الحديثة، والتي تٌعتبر جميعها مكونات حيوية في الاقتصاد المعرفي الذي تطمح المملكة إلى بنائه. إن الاستثمار في تطوير المسارات التعليمية والابتعاد عن النماذج التقليدية هي الخطوة الاولى نحو تحقيق مستقبل مشرق يعزز مكانة المملكة كقوة اقتصادية عالمية تقود الابتكار والتنمية المستدامة. وأخيراً، لتعزيز التنافسية بين الجامعات، من الضروري أن تقوم كليات الأعمال في كل منطقة بدراسة احتياجات منطقتها الخاصة ومن ثم تطوير مسارات تعليمية تلبي هذه الاحتياجات بشكل فعال. فعلى سبيل المثال، بالنظر الى منطقة الرياض كونها مركزًا اقتصاديًا وترفيهيًا رئيسيًا في المملكة، يجب تطوير برامج إدارية تركز على إدارة الأعمال في مجالات الترفيه والسياحة وإدارة الفعاليات، إلى جانب مسارات متخصصة في إدارة المؤسسات الاقتصادية الكبرى. وفي المقابل، يمكن أن تركز كليات الأعمال في منطقة مثل الشرقية، التي تتميز بكونها منطقة صناعية ونفطية، على تطوير مسارات متعلقة بإدارة سلاسل الإمداد والصناعات البتروكيماوية. بهذه الطريقة، ستتمكن الكليات من تخريج كوادر مؤهلة قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلي بشكل مباشر وفعال، مما يعزز التنمية الاقتصادية المستدامة في كل منطقة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال