الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف السبعينيات، برزت 7 شركات نفطية دولية (International Oil Companies) أو ما يُعرف بشركات النّفط الكبرى (Big Oil or Majors)، منها شركتان أوربية المنشأ: شركة شل الهولنديّة والشركة الأنجلو-فارسيّة البريطانية و5 شركات أمريكية وهي جلف وتكساكو وستاندرد أويل كاليفورنيا وستاندرد نيو جيرسي وستاندرد نيويورك. هيمنت هذه الشّركات على مفاصل الصناعة النفطية الدولية ابتداء من عمليات التنقيب عن النفط استكشاف، مرورًا بعمليات الإنتاج وانتهاء بعمليات التكرير من مناطق امتياز التي تسيطر عليها، كما تتحكّم في عمليّة تحديد أسعار النفط الخام ومشتقاته عالميًا.
عرفت الشركات السابقة باسم “الأخوات السبع” وسيطرت بفضل عقود الامتياز الحصرية على أكثر من 90% من احتياطيات النفط العالمية سنة 1953 وكانت تتحكم بمجمل الصناعة النفطية وتوجه معظم النفط الخام المنتج إلى معامل التكرير حسب حصة متفق عليها مسبقًا فيما بينها، ثم تُسوّق المنتجات عبر منافذ التسويق التي تهيمن عليها أيضًا.
حاولت الشركات حديثة العهد وقليلة الامكانيات منافسة هذه الشركات في مناطق الامتياز الممنوحة لها، لكنها واجهت مقاومة شرسة بفضل النفوذ الذي كانت تملكه الأخوات السبع. عدد محدود من الشركات التي تعرف بـ “المستقلة”(Independent Oil Companies)، تحدت هذه السطوة وكسرت الاحتكار والتمدد في مناطق الامتياز أبرزها شركة إيني الايطالية والتي استخدم رئيسها إنريكو ماتي كافة الاغراءات كمنح الحكومات الحق في مناصفة الانتاج وزيادة الضرائب المفروضة وهو أمر غير مسبوق في تلك الحقبة. ذهب ماتي إلى أبعد من ذلك بدعم حركات التحرر من الاستعمار في الجزائر كما سعى لتقويض نفوذ الشركات الكبرى من جهة، وكسب تأييد الحكومات والحصول على عقود امتياز منها من جهة أخرى.
في الخليج العربي، تُعدّ شركة جيتي الأمريكيّة أوّل شركة قوّضت هيمنة الشركات النفطيّة الدوليّة في المنطقة المقسومة بين المملكة العربية والسعودية. نجحت شركة جيتي بعد مفاوضات مطولة في الحصول على عقد امتياز لتطوير الحقول النفطية في المنطقة المقسومة سنة 1948. ففيما كانت الأخوات السبع تضع شروطًا تعجيزية وتحتكر الصناعة النفطية، قام بول بتقديم تنازلات كبيرة وعوائد أفضل من تلك التي كانت تقدمها أرامكو قبل تأميمها للحكومة السعودية.
مهّد دخول الشركات المستقلة في الصناعة النفطية الطريق لكسر هيمنة الأخوات السبع على مفاصل الصناعة النفطية العالمية بعد أن أدركت الحكومات أن العقود قابلة للتفاوض بشروط أكثر ملاءمة من تلك التي قدمتها الأخوات السبع وأن عمليات الإنتاج ليست بتلك التي يصعب توطينها.
بعد تأسيس منظّمة أوبك سنة 1960، قامت معظم الحكومات بتأميم الشركات العاملة في أراضيها تدريجيًا وخسرت على إثرها الأخوات حصة كبيرة من إنتاج النفط لتضطر للاندماج فيما بينها وتتحول إلى 4 شركات ناشئة هي: إكسون موبيل الأمريكية وشيفرون الأمريكية وشل الهولندية وشركة البترول البريطانية، وذلك بعد أن كانت سبعًا.
هل الشركات الكبرى محصورة في الشركات الأربع؟ طبعًا لا حيث أن عددًا من الشركات المستقلة كشركة إيني الإيطالية، التي فازت مؤخرًا بعقد امتياز في الامارات العربية المتحدة، تحولت إلى “كبرى” وذلك بعد أن تكاملت الصناعة النفطية فيها.
ما الفرق بين الشركات المستقلة والكبرى؟ وما شروط الانضمام لنادي الكبار؟
الشركات المستقلة هي شركات نفطية مملوكة للقطاع الخاص، تختصّ بمجالي التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي داخليًا أو دوليًا وإنتاجهما، لكنها لا تنشط إلا في نطاق محدود جدًا في مجالي تكرير النفط والغاز على عكس الشركات الكبرى التي تتكامل فيها الصناعة النفطية وتنشط في جميع المجالات بما فيها عمليات التكرير وهذا هو الفرق الجوهري فيما بينهما.
الشركات الكبرى عادة ما تكون مرتبطة بسياسات حكوماتها وتوجهاتها أو ممثّلة لها بصفة غير رسمية. فعلى سبيل المثال، ما زالت شركة شيفرون الأمريكية تنشط في فنزويلا على الرغم من العقوبات المفروضة على الأخيرة بينما لا تملك الشركات المستقلة لصغر حجمها نوعيًا النفوذ ذاته الذي تتميز به الشركات الكبرى لتتأثر بسياسات الحكومات التي تتبعها.
تكامل العمليات في الشركات الكبرى هو ميزة نسبية للشركات لكنه أيضا أحد أسباب تقييد نموها، لعدة أسباب منها ارتباطها بسياسات حكوماتها. في المقابل، لا تعاني الشركات المستقلة من المشكلة ذاتها ولهذا السبب وأسباب أخرى، أسهمت هذه الشركات بشكل فعّال في نهضة النفط والغاز الصخري التي تشهدها أمريكا منذ عقدين وهو ما سأتطرق إليه في الجزء الثاني من هذه السلسلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال