الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل يمكن أن تراجع وتفحص شيء لا تعرفه؟ قد يكون سؤالاً منطقياً لكنه في الواقع صعب التطبيق. أحد الملحوظات في عمل المراجعة الخارجية أن المراجع في الغالب ينقصه الخبرة بالواقع العملي للمحاسبة ولفلسفة العمل في القطاعات سواءً الحكومية أوالخاصة.
لا شك بوجود إجراءات وضوابط تحكم مهنة المحاسبة بغض النظرعن اختلاف التخصص والمجال التجاري وهذا يخفف كثير من المخاطر المحيطة. وللحظة بسيطة قد نتسائل هل هذه المخاطر تزيد من عرضة المراجع لفجوات قد تؤثر بصواب رأيه في القوائم المالية. في كل عقدة من الزمن تتغير بنية المنشأة التجارية وتتغير تباعاً لها أنظمتها المحاسبية وطريقة حساباتها وطرق الاستحقاق ستتغير تبعاً لها كل هذه تصب على كواهل المراجعين للتكيف وتويسع المدارك.
حينما يمر المراجع ،ولو في مرحلة من حياته، على الدورة المحاسبية ويرى بعينيه ما تعلمه في الجامعة أو من خلال الشهادة المهنية التي حصل عليها وفهم التسلسل وأثره على العمليات التشغيليلة والآثار الاقتصادية فإن مداركه في المراجعة تكون أكبر لأن الوعي بكامل التفاصيل من الأسفل للأعلى ومن الأعلى للأسفل يعطي صورة بنورامية واضحة المعالم والتفاصيل. مررت بكلا المرحلتين في حياتي الخاصة فمن مراجع خارجي إلى مجال المحاسبة في القطاع الخاص وفهمت كثيراً من خلال المراجعة ، اطلعت على كثير من أنواع الشركات ومجالاتها وطريقة التشغيل ولكني أعتقد سيكون فهمي أكبر وأدق لو راجعت بعد عملي في مهنة المحاسبة. المختصون يعرفون أن المحاسب يبدء البناء من أصغر عملية transaction level لينتهي بالقوائم المالية أما المراجع فعمليته معكوسة فيبدأ بالنهاية ليرجع إلى منشأ ومبدأ الحركة/العملية.
وصلت المراجعة إلى الاختصاص والتمحور حول مجال أو قطاع محدد، فتجد بعض شركات المراجعة مختصة في مجال الصناعات أو الأغذية أو الشركات المالية أو العقارية …الخ كل هذا تلافياً وتجنباً لاحتماليات الخطأ والتقصير وإيماناً بأهمية التخصص. من الواقع المحاسبي أرى أن المراجع يحتاج وقتاً كثيراً -أكثر مما هو سائد الآن-لفهم النموذج التجاري ومخاطره وضماناته قبل أن يستطيع إطلاق رأيه. من الطرائف أني راجعت شركة مختصة بالتدوير ولم أكن أعرف شيء عن هذا المجال فسألت من يفوقني مرتبة -من غير أهل البلد-عن كيفية التخطيط لشركة بهذه الكيفية فقال بكل سطحية ،وللأسف، الشركات تعتقد أن المراجعين أذكياء ونوابغ فلا تسألهم أي شيء إنما اطلب فقط TOCs وTOTs -مسمى لفحص العينات-. قد نكون أذكياء نوعاً ما لكن تجاهل التخطيط والفهم يؤدي إلى كوارث مالية.
أود أن أفهم كيف يستطيع شخص تقييم المخاطر -وهو جزء رئيسي من عناصر المراجعة- بتقييم شركة في مجال FinTech أو Cloud Computing وكل عملاءه السابقين يدورون في فلك البنوك أو التغذية أو ما شابهه من المجالات التي لها عقود من الزمن في السوق وقد أشبعت بحثاً وتحليلاً. من المشاهدات أن بعض شركات المراجعة العالمية تقسّم فريق العمل بناء على المجال، ابتداء من أول موظف في الهرم إلى الشريك-المخول بالتوقيع-. وبدوره فإن المراجع حينما يرغب بالانتقال إلى المجال المحاسبي سيكون من السهل عليه فهم القطاع وتحدياته وأنظمته وحتى الربحية وغيرها.
قد يتحتم نوع من التغيير والتنويع وإشراك مختصين -غير ماليين- في عملية المراجعة. زمان “بتاع كله” أعتقد سيكون صعباً في هذه التطورات المتسارعة في المجالات التجارية. الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين بدأت مشكورة وبشكل واضح وصريح بنفي وتضييق كل عناصر التساهلات وقلة الاحترافية فأصبح الجميع يحرص على سمعته – أساس المهنة- فيحفظها ويجملها لتبقى دائمة النصوع.
وفي المقابل حينما يدخل المراجع في مهنة المحاسبة فإن هناك أموراً كثيرة قد تنقصه -من الناحية المهنية العملية- لأن المعرفة والنظرية في الغالب تشرّبها أثناء المراجعة. والذي تعلمه في شركات -التي راجعها- قد لا يكون باللازم مقاربة للمجال المحاسبي الذي يعمل فيه فتنشأ فجوة تستلزم منه جهداً أكبر. ومن ملاحظتي الشخصية من يأتي للمجال المحاسبي بعد تجربة المراجعة أن قابليته للتعلم تكون أسرع ممن كان في المجال نفسه منذ البداية غير أن بُعد التأثير والتواصل على القطاع التشغيلي غائم إلى غائم جزئي،،، يبقى شعور أنه الآمر الناهي.
لا يوجد جواب قطعي لهذه الدائرة لأن هناك عوامل كثيرة تؤثر في اختيار الوظيفة والمجال كالخبرة، والتفضيلات الشخصية، والخلفية العلمية. ولكن في نهاية الأمر أنه باختيارنا لأي الخيارات يلزمنا فهم الفجوات الموجودة حتى نستطيع أن نبني مهنة لها وزنها وتأثيرها على الوطن واقتصاده.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال