الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الأحكام القضائية الناتجة عن عمليات التقاضي ثروة وطنية، وإرثٌ قانوني يحتاج إلى كثير من البحث والتحقيق بهدف بناء ذاكرة العمل القضائي السعودي خاصة مع مباشرة محاكم الاستئناف والمحاكم العليا لكامل اختصاصاتها، وقد كان من اللافت في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024، تنوع دور النشر الدولية التي تعنى أصالة بمخرجات عمليات التقاضي والمتمثلة في الأحكام والقرارات القضائية، ويمكن تلخيص تلك العناية في محورين رئيسيين الأول: قانوني متخصص وتتمثل العناية فيه بجمع السوابق وتحديد المبادئ ثم بالفحص والدراسة والمراجعة والنقد، وسبر الاجتهادات وإيضاح مسارات المعالجة القضائية لأشكال النزاعات، وبخاصة ما يتعلق منها بالتجارة وصنوف الاستثمار، والثاني: أدبي عام وتتمثل العناية فيه باعتبار تلك المخرجات مورد إلهام متجدد للرواية والشعر والقصة القصيرة وغيرها من أشكال الإنتاج الأدبي، وفي مقابل تلك العناية يبرز الغياب الواضح لدور النشر السعودية التي يرتكز إنتاجها ونشرها على العناية بالأحكام والقرارات القضائية، وهذا لا يعني عدم وجود دور سعودية متخصصة في النشر القانوني، وإنما الحديث عن مجال التخصص والعناية فجل الدور المشاركة تقتصر إصدارتها القانونية على تناول جوانب نظرية خالية من تحديد الاجتهادات القضائية بصورة وافية، ولا يغني في ذلك ما يرد في بعض الإصدارات من استشهاد جزئي ببعض الأمثلة، أو بأمثلة متكررة، أو أحكام غير منشورة، أو سوابق قديمة، لا تلائم الواقع الزاخر بالأنظمة الجديدة والتحديثات المتلاحقة، فضلاً عن وجود إصدارات تتناول أحكاماً كاملة بالدراسات الشاملة، ولعل من أبرز الأسباب التي أسهمت في ذلك الغياب هو ضعف النشر الكامل للأحكام والسوابق القضائية من الجهات المعنية أصالة بذلك الشأن رغم النص عليها صراحة في المادة (71) من نظام القضاء، والمادة (21) من نظام ديوان المظالم، وما يتحقق بالنشر من رقابة على تقيد الجهات الحكومية بما يصدر عن المحاكم والجهات القضائية من أحكام نهائية وما يتقرر من مبادئ قضائية وتوفيق الممارسات الإدارية المماثلة مع تلك الأحكام والمبادئ، وفقاً لقرار مجلس الوزراء رقم (6701) وتاريخ:06-02-1442هـ.
إن النشر الكامل للأحكام والقرارات القضائية مع كونه جزء أصيل من الواجبات النظامية الصريحة، فإنه مصدر دعم مباشر لحالة الجمود الراهنة، لدور النشر القانونية القائمة، ورافد لها بمادة قضائية ثرية، كما أنه في ذات السياق تربة خصبة لتحفيز نشر متخصص للبيئة القانونية بتقديم قراءات موسعة حول الاجتهادات القضائية، وإنتاج إصدارات معرفية تميز التحولات القضائية وحالات الاستقرار من عدمها، والأحكام التي يظهر فيها الاجتهاد الجديد، من الأحكام التي يقتصر فيها اجتهاد القضاة على بعض التجديد، مما يسهم برصد التوجهات الكبرى للقضاء بالمملكة في جملة من المسائل القانونية المتنوعة، والتي عادة ما يحصل المستثمر والمهني المتخصص منها على رصيد من الاجتهادات القضائية التي تمكنه من الاطمئنان إلى حل قضائي ممكن أو متوقع، بخصوص كثير من المسائل الإجرائية، والحالات الواقعية، كما أنها بذرة لقطاع نشر أدبي ناشئ يستمد إلهامه، وأشكال إنتاجه المبدع منها.
وبالنظر إلى تقرير الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية لعام 2023م يتجلى بأن القطاع الثقافي بحاجة لاستكشاف تلك الثروة والوطنية، وذلك الإرث القضائي، فالأحكام رافد معرفي لجوانب متعددة من الاستدامة التي تناولها التقرير، ودليل مرشد في التعامل مع عقود النشر وحماية حقوق مصنفاته وأشكاله، فضلاً عما تحتويه من نماذج رصينة للاستعمالات اللغوية الصحيحة، كما يتضح من التقرير بأن في مكنة وزارة الثقافة الإسهام بشكل فاعل في إعادة الحيوية لهذا القطاع، بدء من صلاتها المباشرة بالجهات العدلية، ثم بإرساء أدواتها لتأسيس ممكنات النمو والنهوض السريع به، وكإسهام متواضع في هذا الدور يمكن القول بأن عماد حيوية هذا الجانب من قطاع النشر بمحوريه السابقين يعتمد بشكل رئيسي على قيام الجهات القضائية بنشر الأحكام والقرارات والسوابق القضائية، واستمرارها في تقديم الأحكام الكاملة، مع عناية لازمة بعوامل ثلاثة أساسية هي: الوقت، والحجم، والمحتوى، إذ لا يصح أن تمضي حقبة زمنية طويلة، تزخر بصدور جملة من الأنظمة الجديدة، مع تعدد لدرجات التقاضي وبنقلة نوعية ناجحة – ولله الحمد- في الاعتماد على الترافع الإلكتروني، ولا يجد المتقاضي خلالها بغيته من الشروح والتفسيرات القضائية، كما يتعذر فيها على المستثمر الذي ترتبط أعماله بتلك العمليات – سواء كان طرفاً في نزاع، أو داراً للنشر أو راغباً بالاستثمار في أحد أشكال الإنتاج الأدبي النابعة منها – بأن يرتكن لمعالجة قضائية، أو يحدد خطوة تنفيذية، أو يرسم مسار تحرك استثماري بناء عليها، لتغطية فجوة في السوق، أو اقتناص مجال جديد للنشر، وأما عن حجم المنشور وما يتصل به دقة البيانات، فإن الجهات الحكومية مأمورة بتقديم بيانات عالية الجودة تخدم متطلبات العمل الإحصائي في المملكة، وفقاً للأمرين الساميين رقم (35668) وتاريخ:07-08-1438هـ، ورقم (50194) وتاريخ:29-08-1441هـ، كما أن من غير الملائم أن تصرح البيانات والإحصائيات بأرقام كبيرة لا يقابلها في النشر إلا عدد ضئيل ومحصور، بل ومتناقص، فضلاً عن أن تلك العملية لا يقبل فيها أن يكون المحتوى مكرراً، أو بعيداً عن تقديم صورة فعلية للواقع وللإجراءات، أو مقتصراً على صور للمعالجة وفقاً لأنظمة غير سارية، أو جرى تحديثها وتطويرها في ظل الحراك المثمر الذي أحدثته رؤية 2030، وإلحاقاً للبيان بالمثال، أضع في ختام هذا المقال ضمن معالجة مختصرة للعوامل الأساسية الثلاث بعضاً من الأمثلة لمدونات القضاء الإداري، ليتضح للقارئ مدى أهمية كل أساس على حدة، وما يتحقق باجتماعها من نظرة شاملة.
الأساس الأول الوقت:
والواقع فيه أن المدى الزمني ما زال شاسعاً ويمتد التأخر في عملية النشر لعدة سنوات ومن ذلك على سبيل المثال: مبادئ المحكمة الإدارية العليا للأعوام 1439هـ -1440- 1441هـ نشرت في إصدار واحد بتاريخ:13-01-1444هـ أي بعد (5) سنوات لأحكام 1439هـ، و(4) سنوات لأحكام 1440هـ، و(3) سنوات لأحكام 1441هـ، وأما مبادئها لعام 1442هـ فقد نشرت بعد (3) سنوات بتاريخ:26-07-1445هـ.
وأما على مستوى الأحكام الابتدائية ومحاكم درجة الاستئناف، فإن مجموعة الأحكام والمبادئ الإدارية للأعوام 1402هـ – 1426هـ الذي ضمت أعلى عدد منشور من الأحكام في إصدار واحد وهو (822) حكماً، فقد نشرت بتاريخ:11-05-1440هـ الموافق:17-01-2019م أي بعد قرابة (13) عاماً، كما أن مجموعة الأحكام والمبادئ الإدارية للعام 1439هــ التي ميزت في مقدمتها بأنها أول إصدار يتضمن الأحكام القضائية الإدارية على انفراد، وذلك عقب سلخ القضاء الجزائي والتجاري، فقد نشرت بتاريخ:09-08-1441هـ الموافق:02-04-2020م، أي بعد (2) سنتين، بأحكام بلغ مجموعها (336) حكماً، مع أنها قد سبقت قبل (12) عاماً بمدونة اقتصر فيها النشر على الأحكام الإدارية، وبزيادة في مجموع الأحكام بلغت (67) حكماً، وهي مدونة عام 1427هـ إذ بلغ مجموع أحكامها (403) حكماً.
وفي ذات السياق جاء نشر مجموعة الأحكام والمبادئ الإدارية للعام 1441هـ بعد (4) سنوات بتاريخ:26-07-1445هـ، ونشر مجموعة الأحكام والمبادئ الإدارية للعام 1442هـ بعد (3) سنوات بتاريخ:26-07-1445هــ، وآخر المدونات نشراً إلى تاريخ تحرير المقال هي مجموعة الأحكام والمبادئ الإدارية للعام 1443هـ التي نشرت بعد (2) سنتين بتاريخ:26-07-1445هــ.
في حين تراوحت متوسط المدة لبقية الأعوام الأخرى بالنشر بعد (3) سنوات من عام الإصدار.
الأساس الثاني: الحجم وما يتصل به دقة البيانات:
نجد أن الحجم على مستوى العدد الكلي لنشر الأحكام القضائية الكاملة قد بلغ (7247) حكم قضائي، منها (413) حكم قضائي في إصدارات مبادئ المحكمة الإدارية العليا، و(6834) حكم قضائي في مجموعات الأحكام والمبادئ الإدارية إلى مدونة عام 1443هـ -آخر المدونات نشراً إلى تاريخ تحرير المقال – و(12) حكم نشرت لأول مرة ضمن الأعداد الثلاثة لمجلة ديوان المظالم، في حين أن العدد المصرح به على منصة إكس بتاريخ:01-12-2021م هو [أكثر من 10,000 حكم مُجوّد]، وأما على مستوى المقارنة بحجم العمل القضائي فعلى سبيل المثال: نجد بأن مدونة العام 1440هـ اقتصرت على نشر (378) حكم قضائي، مع أن مجموع أحكام محاكم الاستئناف الإدارية الخمسة ووفقاً لما هو متاح من بيانات لديوان المظالم على منصة البيانات المفتوحة هو:(56358) حكم، ما يعني بأن المنشور في المدونة يمثل تقريباً (0.67%)، وبالمقارنة بما ورد في التقرير السنوي لذات العام وفقاً لما نشر على موقع ديوان المظالم بتاريخ:03-01-1441هـ فقد بلغ عدد الأحكام التي أصدرتها محاكم الديوان (193785) ألف حكم، وهذا يعني بأن المنشور يمثل تقريباً (0.10%).
وأما على المستوى المحدد (الخاص بكل مدونة): فإن السمة البارزة هي عدم الاستقرار على عدد معين، مع التناقص في مجموع الأحكام الإدارية المنشورة لكل مدونة عن سابقتها بدأ من العام 1427هـ باستثناء حالة وحيدة لنقص حاد ظهر في مدونة عام 1432هـ إذ بلغ مجموع الأحكام الإدارية فيها (179) حكماً، كأقل مدونة حوت بين دفتيها أحكاماً إدارية، وتأكيداً لتلك السمة نجد أن الإصدارات الخمس الأخيرة بلغ مجموع الأحكام الإدارية فيها على التوالي: (336) حكماً في عام 1439هـ و(378) حكماً في عام 1440هـ و(226) حكماً في عام 1441هـ، و(227) حكماً في عام 1442هـ، و(229) حكماً في عام 1443هـ.
وأما على مستوى دقة البيانات المتصلة بالنشر نجد بأن مدونة 1443هـ – آخر المدونات نشراً حتى تاريخ إعداد المقال – قد اشتملت على (229) حكم قضائي، وذلك العام يشمل الفترة من 9-أغسطس-2021م وحتى 29-يوليو-2022م ضمن المؤشرات القضائية الشهرية التي نشرت في موقع ديوان المظالم في حينها – ثم اختفت من الموقع لتعود للظهور مجدداً أواخر شهر ربيع الثاني من هذا العام فترة مراجعة المقال للنشر – فإن مجموع أحكام المحاكم الإدارية هو:(114727) حكماً، ومع تجاوز مرحلة الاستئناف فإن المنشور في المدونة لا يمثل إلا قرابة (0.20%) من عمليات التقاضي التي حصلت في ذلك العام، مع ضرورة التنبه إلى أن ما ينشر من أشكال فنية (انفوجرافيك) للإحصائيات قد تضطرب فيها البيانات عند مقارنتها بتلك المؤشرات، فالشكل الفني المنشور لإحصائية الربع الأول لمحاكم الديوان 1443هـ بتاريخ:05-04-1443هـ كشف بأن الدعاوى المقيدة (30077) والدعاوى المنجزة (30858) وهو رقم لا يتوافق مع المنشور لذات الربع في المؤشرات القضائية فالدعاوى المقيدة بلغت (42027) والدعاوى المنجزة بلغت (24039)، كما أنه لا يتوافق مع الجدول الإحصائي المنشور في الموقع فالدعاوى المقيدة بلغت (34023) والدعاوى المنجز بلغت (119551)، وقد سبقت الإشارة للأمرين الساميين الآمرين بتقديم بيانات عالية الجودة.
الأساس الثالث: المحتوى
المحتوى هو جوهر عملية النشر ومع تعدد صوره سيتم الاقتصار على صورتين منها الأولى: المواكبة في تقديم القضايا المتصلة بعام النشر: فعلى سبيل المثال مدونة 1440هـ – وفقاً لفهرسها للقضايا والأحكام – فإن القضايا المتعلقة بذات العام 1440هـ في المحاكم الابتدائية هي (5) قضايا فقط، قضيتين منها تتعلق بالعقود الحكومية، وردت في قسم الطلبات القضائية (الأوامر العاجلة)، وقضية استئجار لعقار، وقضية تأديبية، وقضية ضمن أتعاب المحاماة.
الصورة الثانية: العناية باختيار الأحكام الشارحة للأنظمة الجديدة فعلى سبيل المثال نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الصادر بتاريخ:13-11-1440هـ الموافق:16-07-2019م، والمنشور بتاريخ:29-11-1440هـ الموافق:01-08-2019م، لم يتطرق له أي حكم منشور ضمن قسم العقود في مدونة 1441هـ وفقاً للمجلدين الثالث والرابع، في حين اقتصرت الإشارة له في حكم واحد بمدونة 1442هـ، استندت فيه الدائرة الابتدائية على المادة (155) من اللائحة التنفيذية للنظام الصادرة بالقرار الوزاري في 11-08-1441هـ، وكذلك هو الحال في مدونة 1443هـ إذ اقتصرت الإشارة فيها لذلك النظام على حكم واحد لمحكمة الاستئناف الإدارية – بعد تصديها للقضية -بالاستناد على المادة (69) منه.
“إن الحقيقة الماثلة من تلك الأسس توضح بجلاء أن المنشور من أحكام إدارية لا يكشف عن حجم الإرث القضائي للقضاء الإداري في عام واحد فكيف بمسيرة جليلة بدأت من العام 1374هـ، كما تؤكد بأن استمرار النشر بتلك الوتيرة لا يتوافق مع سقف الطموحات التي أعلته، وأرست دعائمها الرؤية المباركة لمملكتنا الغالية”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال