الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في شارع حراء بجدة محل صغير يعمل به رجل هندي واثنين من أبنائه، في أوقات الذروة يجتمعون جميعهم وذلك في شهر رمضان فقط، عدا ذلك يعمل الأب فترة الشتاء ويعمل الأبناء فترة الصيف. العمل في المحل كبير، وحسب مشاهداتي أن دخله عالي جدا بحيث يضمن راتب شهري لكل واحد منهم لا يقل عن 15 ألف ريال.
في السابق كانت كل أسرة تعمل مجتمعة في عمل أو مهنة معينة، بل وتتوارثها الأجيال حتى تصبح الأسرة مشهورة بذلك العمل أو تلك المهنة. وكان من أهم أسباب تعدد الزوجات هو زيادة عدد الأيدي العاملة في (المؤسسة) الأسرية. ومازالت معظم شعوب العالم تعتمد كثيرا على المؤسسات الأسرية في توظيف أبناءها والحصول على الدخل المعيشي.
لقد عملت الثروة النفطية الضخمة وتوسع الحكومة في التوظيف وما تقدمه من رواتب وأجور مجزية كانت تفوق كثيرا عوائد معظم المنشآت الصغيرة في ذلك الوقت، على جعل أبناء الأسر يهجرون مؤسساتهم للعمل في الحكومة. ثم نشأ بعد ذلك جيل من المواطنين يعملون في الحكومة ويملكون مؤسسات صغيرة تديرها العمالة الوافدة فيما بات يعرف بالتستر.
تتميز المؤسسات التي تديرها الأسرة بأنها أولا منخفضة التكاليف جدا، وكلما عُمّرت تلك المؤسسات ازداد انخفاض تكاليفها. فالرواتب والأجور وما يتعلق بها تعد الأكثر ارهاقا للمؤسسات حتى الكبيرة منها، بل تكاد تكون السبب الأول في إفلاس وتصفية معظم المشاريع التجارية، خصوصا في أوقات الأزمات الاقتصادية، تلك التكاليف في المؤسسات الأسرية تمثل الأرباح (جزء منها على شكل رواتب). وهذه الميزة بالذات هي التي تسمح للمؤسسات الأسرية بالاستمرار في أصعب الظروف، وهو ما يعني أنها قادرة على الاستمرار والنمو أكثر من غيرها.
للسبب السابق تعد المؤسسات الأسرية الأسهل في الإنشاء من أي مؤسسة أخرى، فغالبا ما يكون توفير العمالة هو المعضلة الكبرى في بدايات التأسيس سواء كانت تلك العمالة محلية أو وافدة. كما أن معظم بنود نظام وزارة العمل لا ينطبق على العمالة الأسرية، وذلك يعني التخلص من معظم مشاكل العمالة التي تعاني منها كل المؤسسات الربحية.
ومن مزايا المؤسسات الأسرية أن عملها متقن جدا، لأنها متخصصة في مهنة محددة، ولأن العاملين فيها من أفراد الأسرة تشربوا صنعتها منذ الصغر، ولأن سمعة الأسرة من جودة العمل لذلك يحرصون على اتقانه لأقصى درجة ممكنة. وذلك يدعم كثيرا جودة مخرجات الاقتصاد وتطوره.
وأهم ما يميز المؤسسات الأسرية أنها تكفل توظيف أفراد الأسرة، وتضع عنهم عبء البحث عن عمل، وقبل ذلك تُعلم أبناءها أهمية العمل وحبه والإنتاجية منذ الصغر، وذلك يخلق مجتمعا عاملا منتجا مفيدا لنفسه ووطنه. وهو ما يعني في النهاية اقتصاد قوي عالي الإنتاجية والتوظيف، قادر على تحمل الضغوط الاقتصادية الداخلية والخارجية، وقادر على الاستقلالية على مستوى الفرد والأسرة وعلى مستوى الاقتصاد ككل.
لكل ما سبق تعد المؤسسات الأسرية الصغيرة أفضل موظف ومنتج، وأكثر المؤسسات الصغيرة ربحية، واستمرارية وأقدر على النمو والتطور.
ومن المجالات التي يمكن للمؤسسات الأسرية الصغيرة العمل بها كثيرة، في مقدمتها تجارة التجزئة بمختلف أنواعها، والفنادق والشقق، والمطاعم، وحتى الورش والصيانة، وكل مهنة يتقنها أحد أفراد الأسرة بحيث يكون هو (المعلم) وأفراد الأسرة المساعدون، ومؤسسات الطوافة التي مازالت بعضها تعمل ضمن الأسرة، وغيرها.
أخيرا أهم ما يجب أن تعمل عليه الأسرة التي ستعمل بهذا النظام أن تحرص أن تجعل للمؤسسة ذمة مالية منفصلة عنهم، وتعمل كما تعمل المؤسسات التي تدار من قبل الغير بكل شروطها. كما يجب الحرص على التطور بالتدريب المستمر ومتابعة كل جديد، كذلك الحرص على النمو أفقيا ورأسيا.
أعتقد أن دعم عودة المؤسسات الصغيرة التي تديرها الأسرة سيخفف كثير من المشاكل في توطين مؤسسات المنشآت الصغيرة، خصوصا التكاليف العالية التي تحد من قدرتها على الربح والاستمرار.وأن الوقت قد حان لعودة المؤسسات التي تديرها الأسرة وتتوارثها أو تنبثق منها مؤسسات أخرى لبعض أفرادها .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال