الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد الحرب العالمية الثانية خرجت ألمانيا، واليابان بخسائر بشرية، ومادية مهولة؛ ولكنهما عادا بقوة، وصلابة إلى مقدمة المشهد العالمي؛ وذلك بفضل النهج الاقتصادي الذي اتبعوه، حيث اعتمدوا في خيارهم الاستراتيجي على الصناعة؛ لأنهم أدركوا أنها قاطرة التنمية، وضابطة الإيقاع، وحافظة الاقتصاد؛ ومن أهم الصناعات التي اعتمدوا عليها صناعة المركبات؛ ذلك أنها صناعات متعددة في صناعة واحدة، كما أنها قادرة على استيعاب أعداد كبيرة من الموظفين المباشرين، وغير المباشرين؛ ولأنها صناعة نوعية قادرة على اقتحام السوق العالمي من أوسع أبوابه؛ مما يعني التأثير، والمكانة الاقتصادية، والسياسية؛ وبالفعل فقد وصلتا إلى مكانة عالمية معتبرة بين دول العالم.
إن صناعة السيارات تمثل 40% من مجمل الاقتصاد العالمي، وتوفر قرابة 4.9 مليون وظيفة، في سوق عالمي ضخم يقدر حجمه بـ 800 مليار دولار أمريكي؛ وتقف المنطقة الأوروبية في الصدارة من حيث التصنيع، وتكنولوجيا الأبحاث بنسبة 17.38 مليون وحدة، تليها الصين بنسبة 15.52 مليون وحدة، ثم اليابان 10.82 مليون وحدة، ثم الولايات المتحدة 6.96 مليون وحدة، ثم كوريا الجنوبية 4.17 مليون وحدة، ثم الهند 3.29 مليون وحدة، وأخيرًا أمريكا الجنوبية 3.2 مليون وحدة؛ أما منطقة الشرق الأوسط فلا يظهر منها سوى إيران، وتركيا حيث يشير تقرير للمنظمة الدولية لصانعي السيارات OICAلسنة 2013 إلى أن إيران وصلت إلى تصنيع 1.3 مليون سيارة سنويًّا، وتركيا إلى 1.1 مليون سيارة سنويًّا، مما يضعهما في قائمة الدول العشرين الأوائل في تصنيع السيارات؛
وفي عالمنا العربي لا توجد صناعة للسيارات بالمعنى الحقيقي، فكل الصناعات العربية عبارة عن خطوط تجميع فقط؛ وتشير الأرقام إلى أن المغرب تتصدر القائمة بحوالي 167.452 سيارة سنويًّا، تليها مصر بحوالي 39.050 سيارة سنويًّا، ثم أخيرًا تونس بحوالي 1.860 سيارة سنويًّا؛ بينما تستورد المنطقة العربية ما بين 10% إلى 15% من الإنتاج العالمي للسيارات؛
وإذا ما عدنا إلى وطننا الحبيب فإننا سنجد أن صناعة السيارات أخذت زخما وطنيا كبيرا إبان تدشين النموذج الأولي لسيارة (غزال) عام 2010م؛ ولكنها ما لبثت أن اختفت في ظروف غامضة ،ولم تعد سوى أضحوكة في صفحات النوادر الوطنية؛ حتى أن إعلان إحدى الشركات مؤخرا عن نيتها صناعة سيارة وطنية، وانتاجها محليا بحلول 2017م، بكميات كبيرة قوبل بريبة، وبرود؛ تبرره تجربة غزال السيئة؛ ولكن هذا الحراك نحو صناعة السيارات في بلادنا يعطينا بصيص أمل، وينبئ بمستقبل مشرق بإذن الله؛ نجد هذا في الجهود الكبير التي تبذلها وزارة التجارة، والصناعة في تشجيع، ودعم الاستثمار، وفتح السوق السعودي أمام المصنعين من أنحاء العالم؛ حيث أسفر هذا التحرك عن افتتاح مصنع إيسوزو للنقل الخفيف؛ وبعض من التفاهمات مع بعض الشركات العالمية للاستثمار في صناعة السيارات بالتجميع .
إن قيام صناعة محلية كاملة فلها من الفوائد ما يجعلها خيارا استراتيجيا جيدا، فهي تدعم مكانة وهوية المملكة الاقتصادية، والسياسية، وتفتح قنوات استثمارية واسعة، وتقلل الاستيراد، وتجلب التقنية، وتوطنها، وتستوعب أعدادا كبيرة من الموظفين؛ ولكن هذا التوجه له متطلبات كثيرة، وأمامه تحديات كبيرة؛ حيث ينبغي بداية خلق عدة مراكز للبحوث والدراسات خاصة بصناعة السيارات، ودعمها فنيا، وإداريا بكوادر إبداعية، عبر جلب الخبراء العالميين، وعبر برنامج الابتعاث، وعبر المشاركة البحثية مع الجامعات، والشركات السعودية، والأجنبية؛
كما يجب الاستثمار بقوة في الصناعات المساندة، وإنشاء المعاهد الفنية المعنية بتخريج أيد عاملة ماهرة، متقنة؛ وهذا يعد أحد أهم المتطلبات لقيام صناعة السيارات، وجلب المستثمرين إليها؛ ويجب الانتباه أيضا إلى أن حجم رأس المال لهذه الصناعة كبير، وإلى أنها صناعة لا ثبات لها، فهي تتأثر كثيرا بالتطور التكنولوجي، والمنافسة الشرسة بين الصانعين، وتغير أذواق المستهلكين، والقدرات الشرائية لهم؛ ولذا فإن أردنا خوض هذا السباق فيجب أن نتمتع بقدرات إبداعية عليا في كل تفصيلات، وأسرار هذه الصناعة المنتظرة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال