الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل التحولات الاقتصادية العالمية، تبرز السياسات الضريبية المتشددة كعامل مؤثر في قرارات الشركات الكبرى في قطاع الطاقة. على سبيل المثال، قررت بريطانيا مؤخرا رفع ضريبة الأرباح غير المتوقعة بنسبة 38%، مما رفع إجمالي الضرائب على منتجي النفط والغاز إلى 78%، مع تمديد العمل بهذه الضريبة حتى عام 2030. هذا القرار جعل بيئة الأعمال في المملكة المتحدة أقل جاذبية، مما دفع شركات كبرى مثل “أباتشي” الأميركية إلى التفكير جديا في مغادرة منصة بحر الشمال بسبب “عدم الجدوى الاقتصادية”.
هذه التحولات تمثل فرصة لدول أخرى للاستفادة من هذه التغيرات، خاصة تلك التي تقدم بيئة استثمارية مستقرة وحوافز تنافسية للمستثمرين الاجانب. اقصد هنا دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية، التي تقف في موقع استراتيجي للاستفادة من هذه التحولات، مما يعزز من فرص جذب الشركات المتضررة من السياسات الأوروبية الضريبية.
دول الخليج كوجهة استثمارية بديلة
من بين الدول التي يمكن أن تستفيد من هذه التغيرات كما اشرت، تبرز السعودية وكذلك الإمارات وقطر كخيارات رئيسية. هذه الدول تتمتع بمزايا تنافسية تشمل الاستقرار السياسي، الحوافز الضريبية، والبنية التحتية المتطورة.
السعودية: مركز الطاقة العالمي القادم
السعودية، باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم، تمتلك جميع المقومات التي تجعلها الخيار الأول للشركات الباحثة عن بيئة استثمارية مربحة. السياسات الاقتصادية التي تنتهجها المملكة، مثل الإعفاءات الضريبية ودعم المشاريع الكبرى، تعزز من جاذبيتها. مشاريع مثل نيوم ومدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك) تقدم نموذجا لبنية تحتية عالمية تستقطب الاستثمارات في قطاعي النفط والطاقة المتجددة. على سبيل المثال، مشروع “سبارك” يُعد مركزا عالميا للصناعات المرتبطة بالطاقة، بتكلفة تبلغ (6 مليارات دولار)، ويهدف إلى جذب الشركات العالمية وتوفير بيئة عمل متكاملة.
الإمارات وقطر.. تنافسية في الاستثمارات
الإمارات، من خلال سياساتها الاقتصادية المرنة ومشاريعها الطموحة مثل “مدينة مصدر”، تقدم بيئة جاذبة للاستثمارات في الطاقة المتجددة. أما قطر، فهي تستفيد من مكانتها كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال، حيث تعمل على تعزيز شراكاتها مع الشركات العالمية لتطوير البنية التحتية المرتبطة بالغاز.
انعكاسات الاستثمارات على الاقتصاد السعودي
استقطاب الشركات الكبرى مثل “أباتشي” إلى السوق السعودي يحمل انعكاسات اقتصادية واسعة تشمل مختلف القطاعات:
تعزيز قطاع النفط والطاقة المتجددة
وجود شركات عالمية يساهم في نقل التكنولوجيا المتقدمة، مما يعزز كفاءة الإنتاج ويخفض التكاليف. هذا سيجعل النفط السعودي أكثر تنافسية، مع فتح آفاق جديدة في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، حيث تستهدف المملكة إنتاج (4 ملايين طن سنويًا) من الهيدروجين بحلول عام 2030.
دعم الصناعات التحويلية
زيادة الاستثمارات في هذا القطاع ستنعكس إيجابيا على الصناعات المرتبطة بالطاقة مثل البتروكيماويات. حاليا تمثل هذه الصناعات حوالي (12%) من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن تنمو مع دخول استثمارات جديدة.
خلق وظائف جديدة
وفقا لتقرير وزارة الاستثمار السعودية، تشير التوقعات إلى أن الاستثمارات في القطاعات المختلفة ستسهم في خلق مئات الآلاف من الوظائف المباشرة وغير المباشرة حتى عام 2030. على سبيل المثال، مشاريع الطاقة والبنية التحتية مثل “نيوم” و”سبارك” تهدف إلى خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، مع تقديرات تشير إلى توفير عشرات الآلاف من الوظائف في مجالات متنوعة.
تعزيز الإيرادات المالية
تدفقات الاستثمارات الأجنبية تضيف قيمة كبيرة للناتج المحلي الإجمالي. على سبيل المثال، جذب استثمارات بقيمة (10 مليارات دولار) يمكن أن يضيف (1%) إلى الناتج المحلي سنويا، مما يعزز من الاستقرار المالي ويزيد من قدرة المملكة على تمويل مشاريعها الطموحة.
بناء اقتصاد معرفي
تسعى المملكة، في إطار رؤية 2030، إلى تحقيق تحول اقتصادي شامل من خلال تعزيز التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط. من بين الأهداف الرئيسية لهذه الرؤية، يأتي التحول إلى اقتصاد معرفي يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا. تهدف المملكة إلى رفع نسبة الاقتصاد غير النفطي إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030 وتشير الأرقام الى تحقيق هذا الهدف في وقت مبكر، مما يعكس التزامها بتطوير قطاعات المعرفة والابتكار. خصوصا مع وجود مركز الملك عبدالله للبحوث البترولية كابسارك.
فرصة السعودية لتعزيز مكانتها العالمية
التحولات الحالية في السياسات الضريبية الأوروبية تمثل فرصة تاريخية للمملكة لتعزيز مكانتها كمركز عالمي للطاقة. استقطاب شركات كبرى مثل “أباتشي” وغيرها من الشركات النوعية يعكس قوة الاقتصاد السعودي واستعداده لاستيعاب الاستثمارات الكبرى.
هذه الاستثمارات ليست مجرد إضافة رقمية للناتج المحلي، بل تمثل تحولا نوعيا في الاقتصاد الوطني. مع سياسات اقتصادية مرنة، مشاريع طموحة، واستراتيجيات مبتكرة، يمكن للمملكة أن تتحول إلى محرك رئيسي لنمو قطاع الطاقة العالمي بشكل كبير، مع تحقيق أهدافها التنموية وبناء اقتصاد مستدام ومتطور.
استطيع القول “السعودية بحكم موقعها الجغرافي واستراتيجياتها الاقتصادية، ليست مجرد خيار بديل للشركات العالمية، بل شريك استراتيجي يقدم رؤية متكاملة للنمو والاستدامة في قطاع الطاقة.”
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال