الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
“كومة من عظام البحارة لازالت لحومهم عليها تتعفن، يالتعاسة ذلك البحار الذي اقترب غافلا وسمع ذلك الغناء الساحر، لن تراه زوجته وابناءه عائدا الى البيت، لأن هذا الرجل المسكين سيكون بعيدا يتخيل نفسه في حقل أخضر، يسمع غناء تلك الغواني حتى الموت. اطلب من بحارتك ان يضعوا الشمع في اذانهم وأن يربطوك انت الى الصاري، والا يفلتوك مهما صرخت او توسلت، حتى تتجاوزوا بحر أولئك الجنيات”.
كان هذا انذار الساحرة تسيرس للملك اوديسوس في رحلة عودته الى موطنه ايثاكا، رحلة استغرقت عشر سنوات من الأهوال التي وصفها الشاعر اليوناني هوميروس في ملحمته ” الإلياذة”.
بعد كتابة هذه القصة بقرابة الثلاثة آلاف عام استضاف اعلامي متألق يدعى عبد الله المديفر في برنامجه “في الصورة” ضيفاً يعد عراب التسويق في المملكة، وهو عضو مجلس الشورى الدكتور عبيد العبدلي. تشعب الحديث وناقشا الكثير، لكن ما شد انتباهي هو أن ثلث الحلقة تقريبا كان لمناقشة “هل المسوق نصاب؟”.
نعود الآن لليوناني هوميروس، والذي عندما أراد أن يحكي موقفاً مخيفاً، وصف الذين يستطيعون التلاعب بالعقول والتأثير على القرارات، وكذلك فعل ستيفن كينج في روايته “الساطع” والتي تحولت الى فلم في العام 1980، وكوجي سوزوكي في روايته “الحلقة” والتي تحولت هي ايضا لفلم رعب شهير أنتج في عام 2002. لم يأت نقاش المديفر و د. عبيد من فراغ، عبر العصور توجس البشر خيفة من أولئك الذين يستطيعون الدخول الى عقولهم والتأثير على قراراتهم، وهي ذات المنطقة التي يعمل فيها المسوق، وبالتالي لحقت به هذه السمعة.
زد على ذلك أن المسوق والدجال يستخدمان ذات المنهجية العلمية المدروسة في تحليل سلوكك والتعرف على تفاصيل حياتك لبناء فهم كامل لكيفية اقناعك بالثقة فيهم وفيما يقدمونه لك. وأخيراً، وهي نقطة أشار اليها الدكتور عبيد أكثر من مرة خلال اللقاء، هناك فهم مغلوط عن التسويق كأداة للبيع فقط.
لا نختلف في أن النتيجة النهائية للتسويق هي البيع، ولكن ليس لمرة واحدة ولا حتى لجيل واحد. بدأت قصة التسويق في القرن التاسع عشر مع انطلاق الثورة الصناعية، والتي جعلت شراء السلعة أسهل من صنعها بالنسبة للمستهلك، فتضخمت المصانع وتجذرت الشركات واحتدت المنافسة. بدأت الحاجة حينها الى خلق ميزة تنافسية تضمن للشركة أكثر من مجرد البيع، وانما استمرارية البيع ايضاً. بحلول العام 1960 بدأت المنتجون بتخصيص أقسام تختص بمهمة التسويق، وتهدف الى بناء ثقة تتجاوز المنتج الحالي الى اسم الشركة التي تصنع المنتج وكل منتجاتها المستقبلية. هذه الثقة لا تبنى الا بعد مئات التجارب التي يتأكد فيها العميل من حرص الشركة على الصدق في تحقيق كل ما تعد به. عندما تبنى الثقة تتحقق المنفعة لكل الأطراف، يصبح العميل قادرا على الاختيار بسهولة وطمأنينة، تحصل الشركة على تدفق دائم لإيرادات المبيعات بهوامش ربح مجزية، ويتحقق للاقتصاد تلبية احتياجات الشعوب وتوفر الوظائف.
هذه إجابة طويلة جدا لسؤال: هل المسوق نصاب؟
والإجابة الأقصر هي: لا يستطيع حتى إن أراد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال