الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في الآونة الأخيرة، برزت ظاهرة إدمان العمل نتيجة التغيرات المتسارعة في نمط الحياة، حيث يقضي الكثيرون ساعات طويلة في أعمالهم، إما بدافع الطموح والسعي للنجاح أو تحت ضغط الالتزامات المهنية المتزايدة، مما أدى إلى انتشار هذه الظاهرة التي تحمل في طياتها آثارًا نفسية واجتماعية خطيرة تستدعي التوقف عندها.
ورغم أهمية العمل في بناء الإنسان وكونه مصدرًا رئيسيًا لتحقيق الاستقرار المالي والنجاح الشخصي، إلا أن الانغماس المفرط فيه قد يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية والجسدية، فضلًا عن التأثير السلبي على العلاقات العائلية والاجتماعية، وقد يصل الأمر إلى إهمال التربية وضعف التواصل مع الأبناء، مما يخلق فجوة نفسية وعاطفية داخل الأسرة، كما أن الانشغال الدائم بالعمل قد يؤثر على الحياة الزوجية، حيث يشعر أحد الطرفين بعدم الاهتمام، ما قد يؤدي إلى خلافات مستمرة وربما يصل إلى انهيار العلاقة الزوجية والانفصال.
إدمان العمل هو حالة نفسية تتمثل في الانشغال المستمر بالعمل بشكل مفرط على حساب الجوانب الأخرى في حياة الفرد، مثل الصحة الشخصية والعلاقات الاجتماعية، وعلى الرغم من أن التفاني في العمل يُعد سمة إيجابية، إلا أن الإفراط فيه قد يتحول إلى عبء نفسي وجسدي يؤثر على جودة الحياة، فالأشخاص المدمنون على العمل غالبًا ما يجدون أنفسهم في حالة إرهاق مستمر، ويعانون من قلة النوم بسبب السهر لساعات طويلة لإنجاز المهام، مما يُضعف جهاز المناعة ويزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، إضافة إلى ذلك فإن التوتر المتواصل والإجهاد النفسي قد يؤديان إلى اضطرابات القلق والاكتئاب، حيث يشعر الشخص بعدم القدرة على الاستمتاع بالحياة أو ممارسة الأنشطة التي تمنحه الراحة والهدوء.
أظهرت دراسة نرويجية أن 7.8% من الأشخاص يعانون من إدمان العمل، حيث يقضون وقتًا أكثر من اللازم في العمل كوسيلة للهروب من مشاعر القلق أو الذنب، كما كشفت دراسة عالمية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية أن 765 ألف شخص فقدوا حياتهم عام 2016 بسبب السكتات الدماغية وأمراض القلب الناتجة عن ساعات العمل الإضافية، مما يسلط الضوء على المخاطر الصحية الخطيرة لهذه الظاهرة، فالإفراط في العمل لا ينعكس فقط على الصحة الجسدية، بل يمتد تأثيره إلى العلاقات الأسرية والعاطفية، حيث يتسبب في فقدان الاتصال الفعلي بين الزوجين نتيجة انشغال أحد الطرفين الدائم بعمله، مما يخلق فجوة نفسية وعاطفية قد تؤدي إلى تراكم المشكلات وتفاقم الأزمات الزوجية، وقد يصل الأمر إلى الطلاق أو الانفصال العاطفي حتى وإن استمرت العلاقة شكليًا.
كما أن الانشغال التام بالعمل يؤدي إلى إهمال الأبناء وعدم متابعة شؤونهم الحياتية والتربوية، مما يجعلهم يشعرون بعدم الاهتمام ويؤثر على استقرارهم النفسي، إضافة إلى أن الشخص المدمن على العمل يجد نفسه في عزلة تدريجية عن محيطه الاجتماعي، حيث تقل لقاءاته العائلية وتضعف علاقاته مع الأصدقاء، ما يزيد من الضغوط النفسية ويعزز الشعور بالوحدة.
لمواجهة هذه الظاهرة لا بد من إدراك مخاطرها والسعي لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، فتنظيم الوقت يعد أحد أهم الحلول، وذلك عبر وضع ساعات محددة للعمل وأخرى للراحة والتواصل الاجتماعي، كما أن تخصيص وقت لممارسة الأنشطة الترفيهية مثل الرياضة والهوايات أو مجرد قضاء وقت ممتع مع العائلة يساعد على إعادة التوازن للحياة. ومن الضروري أيضًا العناية بالصحة النفسية والجسدية من خلال تقنيات الاسترخاء مثل التأمل أو اليوغا، وتجنب الضغوط غير الضرورية في العمل، وفي بعض الحالات قد يكون من المفيد استشارة مختصين في الصحة النفسية للمساعدة في إدارة التوتر والإجهاد وتعلم استراتيجيات فعالة للتحكم في الوقت وتحسين جودة الحياة.
ختامًا..
لا يمكن إنكار أهمية العمل في حياة الإنسان، لكنه يصبح خطرًا حين يتحول إلى إدمان يسرق منه صحته وعلاقاته وسعادته، فالتوازن بين الحياة المهنية والشخصية ليس خيارًا، بل ضرورة تحمي الإنسان من الانهيار الجسدي والنفسي، والنجاح الحقيقي لا يُقاس بعدد ساعات العمل، بل بقدرتك على تحقيق إنجازاتك دون التضحية بجودة حياتك، لذا امنح نفسك وقتًا للراحة، اقضِ لحظات مع عائلتك وأحبائك، واستمتع بحياتك بعيدًا عن ضغوط العمل المستمرة، فالتوازن هو مفتاح السعادة والاستقرار، ولا شيء يعوض الوقت الذي يضيع دون أن تعيشه حقًا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال