الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عالم المال والأعمال، شهدت العقود الأخيرة مجموعة من الفضائح المالية التي زعزعت ثقة المستثمرين وأثرت على الاقتصاد العالمي. هذه الأحداث أظهرت عيوبًا في الأنظمة المالية وأدت إلى تغييرات جذرية في القوانين واللوائح لضمان الشفافية وحماية الأطراف المعنية. من أبرز هذه الفضائح، فضيحة شركة إنرون التي حدثت في عام 2001، حيث تورطت شركة الطاقة الأمريكية في تلاعب محاسبي لإخفاء الديون ورفع الأرباح، مما أدى في النهاية إلى انهيارها.
وفي 2002، شهدت شركة الاتصالات وورلد كوم فضيحة مشابهة، حيث تم تضخيم أرباحها بنحو 11 مليار دولار عبر محاسبة احتيالية. ثم جاء انهيار بنك ليمان براذرز في عام 2008، الذي أفلس نتيجة المخاطر الكبيرة في سوق الرهن العقاري، ما أدى إلى بدء الأزمة المالية العالمية. في ذات العام، كشفت فضيحة بيرنارد مادوف عن أكبر عملية احتيال مالي في التاريخ، حيث أدار مادوف مخطط بونزي بقيمة 65 مليار دولار. لم تكن الشركات المالية وحدها المتورطة، ففي عام 2015، واجهت شركة فولكسفاغن فضيحة انبعاثات الديزل عندما زورّت اختبارات الانبعاثات لآلاف السيارات. علاوة على ذلك، في عام 2014، اعترفت شركة التجزئة البريطانية تيسكو بتضخيم أرباحها بمقدار 263 مليون جنيه إسترليني، كما شهد عام 2002 فضيحة تيرو إنترناشيونال، حيث تورط المسؤولون التنفيذيون في اختلاس مالي.
في اليابان، كشفت فضيحة أوليمبوس عام 2011 عن خسائر خفية بلغت 1.7 مليار دولار استمرت لعقود. وفي الهند، اعترف رئيس شركة ساتيام في عام 2009 بتزوير حسابات بقيمة 1.47 مليار دولار. كما تورط بنك واكوڤيا في عام 2008 في عمليات غسل أموال لصالح عصابات المخدرات المكسيكية، بينما وافق بنك إتش إس بي سي في عام 2012 على دفع 1.9 مليار دولار لتسوية اتهامات بغسيل أموال مرتبطة بتلك العصابات. وفي عام 2012، تكبد بنك جي بي مورجان تشيس خسائر بلغت 6 مليارات دولار نتيجة صفقات مشتقات مالية فاشلة. تعرض بنك ويلز فارجو في عام 2016 لفضيحة إنشاء حسابات وهمية، حيث قام موظفوه بفتح ملايين الحسابات دون علم العملاء. كما كشفت تسريبات وثائق بنما في عام 2016 عن استخدام شركات وأفراد ملاذات ضريبية من خلال حسابات سرية.
وفي عام 2012، واجه بنك باركليز فضيحة تلاعب بأسعار الفائدة (ليبور). وفي نفس العام، وافقت شركة جلاسكو على دفع 3 مليارات دولار لتسوية اتهامات بتسويق أدوية بشكل غير قانوني. في عام 2017، تكشفت تسريبات حول استخدام شركة أبل لملاذات ضريبية لتقليص الضرائب. كذلك، تورطت شركة فياكوم عام 2016 في فضيحة محاسبية تتعلق بتضخيم الإيرادات. وأخيرًا، اعترفت شركة توسيبي اليابانية عام 2015 بأنها تضخمت أرباحها بنحو 1.2 مليار دولار. أثرت هذه الفضائح بشكل كبير على سمعة الشركات وأسفرت عن تغييرات في القوانين والأنظمة المالية لضمان الشفافية وحماية المستثمرين.
في عالم الأعمال اليوم، تُعتبر أخلاقيات العمل وحوكمة الشركات أساسيتين لضمان استدامة المؤسسات ونجاحها على المدى الطويل. فالأخلاقيات ليست مجرد قواعد سلوكية تُحدد تفاعلات الأفراد داخل المنظمة، بل تمثل عنصراً أساسياً في بناء الثقة مع أصحاب المصلحة، مثل العملاء والمستثمرين والموظفين والمجتمع. تتكون أخلاقيات العمل من مجموعة من المبادئ والقيم التي توجه سلوك الأفراد والمنظمات ضمن إطار حوكمة رشيدة. تشمل هذه الأخلاقيات الصدق، النزاهة، العدالة، الاحترام، والمسؤولية الاجتماعية. وعندما تعتمد الشركات أخلاقيات عمل قوية، فإنها تعزز سمعتها وبالتالي ولاء العملاء والموظفين، مما يسهم في زيادة الإنتاجية والربحية.
محليا وفي سياق الجهود المبذولة لتعزيز النزاهة والشفافية في الأسواق المالية، أصدرت هيئة السوق المالية السعودية مجموعة من الأنظمة والقواعد التي تحظر التلاعب بالسوق والتداول استناداً إلى معلومات غير معلنة. تهدف هذه الأنظمة، التي تشكل إطار عمل هيئة السوق المالية، إلى ضمان ممارسات تداول عادلة وحماية المستثمرين من العمليات الاحتيالية التي قد تؤثر على أسعار الأوراق المالية أو تضلل المشاركين في السوق. وفقاً لهذه اللوائح، يُمنع على أي فرد القيام عمداً بأعمال تخلق انطباعاً مغلوطاً أو مضللاً بشأن السوق أو قيمة أي ورقة مالية. يتضمن ذلك أي محاولة لدفع الآخرين للشراء أو البيع أو الامتناع عن التداول أو ممارسة الحقوق المرتبطة بتلك الأوراق المالية. تسعى هذه التدابير إلى منع التلاعب بالسوق والمحافظة على ثقة المستثمرين في نزاهة الأسواق المالية.
تلعب الهيئة المشرفة دوراً أساسياً في هذا السياق، حيث تمتلك صلاحيات وضع الأنظمة التي تحدد الأفعال التي تعتبر انتهاكات للتلاعب بالسوق. فيما يتعلق بالتداول اعتمادًا على معلومات داخلية، يُمنع الأفراد الذين لديهم حق الوصول إلى معلومات غير علنية نتيجة علاقاتهم الأسرية أو التجارية أو التعاقدية من التداول استنادًا لتلك المعلومات أو تزويد الآخرين بها ممن قد يقومون بالتداول بناءً عليها. تُعرف المعلومات الداخلية بأنها المعطيات التي لا تُتاح للجمهور والتي قد تؤثر بشكل جوهري على سعر أو قيمة الورقة المالية في حال تم الكشف عنها. علاوةً على ذلك، يُحظر على أي شخص التداول بالاستناد إلى معلومات داخلية تم الحصول عليها من فرد مطلع، حيث إن إفشاء هذه المعلومات يُعد انتهاكًا للقانون. تمتلك الهيئة السلطة لوضع القواعد التي تحدد المصطلحات والممارسات المتعلقة بالتداول بناءً على المعلومات الداخلية والتلاعب في السوق، بما في ذلك إمكانية تحديد الاستثناءات التي تتوافق مع متطلبات سلامة السوق وحماية المستثمرين.
وفي سياق تعزيز الشفافية وحماية المستثمرين في الأسواق المالية، ينص الفصل السابع من نظام السوق المالية على مجموعة من الإجراءات والالتزامات التي يتعين على المصدرين للأوراق المالية الالتزام بها. تهدف هذه الإجراءات إلى ضمان تقديم معلومات دقيقة وكافية للمستثمرين، مما يمكّنهم من اتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة. ويجب على المصدرين تقديم نشرة إصدار إلى الهيئة المختصة ونشرها وفقًا للشروط المحددة. تتضمن نشرة الإصدار معلومات تفصيلية حول المصدر، والأوراق المالية المزمع إصدارها، والملاءة المالية للمصدر، بالإضافة إلى أي معلومات أخرى تطلبها الهيئة. كما تحتفظ الهيئة بحق إعفاء المصدر من بعض المتطلبات بناءً على أسلوب العرض، أو حجمه، أو خصائص المستثمرين، أو طبيعة الورقة المالية.
وفقًا للوائح التنفيذية الصادرة عن هيئة السوق المالية، تمنع المادة السابعة من لائحة سلوكيات السوق الإدلاء ببيانات غير دقيقة أو إغفال بيانات مطلوبة وفقًا للنظام أو اللوائح أو قواعد السوق. خاصة إذا كان الهدف هو التأثير على سعر أو قيمة الورقة المالية، أو تحفيز الآخرين على شراء أو بيع الأوراق المالية أو ممارسة الحقوق المرتبطة بها. أيضًا، يُحظر نشر أو الترويج لمعلومات غير صحيحة تتعلق بأحداث جوهرية أو آراء تهدف إلى التلاعب أو تضليل الآخرين.
وتحدد المادة التاسعة الحالات التي يُعتبر فيها الشخص قد وافق على تقديم بيان غير دقيق يتعلق بحقيقة جوهرية، وذلك عبر تقديم معلومات غير صحيحة، أو ترتيب إدلاء شخص آخر بهذه المعلومات، أو إغفال حقائق مهمة أثناء التصريح بالمعلومات. وتُعرّف الحادثة الجوهرية بأنها أي معلومات تتعلق بالورقة المالية قد تؤثر على قرار المستثمر في شراء أو بيع تلك الورقة إذا كان على علم بها.
أما المادة العاشرة، فهي تنص على مسؤولية الشخص عن الأضرار التي قد يتكبدها المدعي في حالة تقديمه معلومات غير دقيقة تتعلق بحقائق جوهرية بهدف تحقيق مكاسب مالية أو تجارية، أو إذا لم يقدم بيانًا مطلوبًا وفقًا للنظام أو اللوائح التنفيذية. ويتعين على المدعي إثبات أنه لم يكن على علم بخطأ المعلومات المقدمة أو إغفال الحقائق، وأنه ما كان ليتخذ قرار شراء أو بيع الورقة المالية لو كان على دراية بتلك المعلومات غير الصحيحة أو المغفلة.
تهدف هذه القواعد إلى تعزيز الشفافية والنزاهة في الأسواق المالية من خلال منع التضليل والتلاعب، وحماية المستثمرين من المعلومات المضللة أو الناقصة. كما تسعى هذه الأحكام إلى تعزيز الثقة في الأسواق المالية عبر مكافحة الممارسات الاحتيالية التي قد تؤثر سلبًا على أسعار الأوراق المالية أو تضلل المستثمرين. تعكس هذه الجهود التزام الجهات التنظيمية بصون نزاهة الأسواق المالية وضمان حقوق المستثمرين، مما يسهم في تعزيز استقرار الأسواق وشفافيتها على المدى الطويل.
حوكمة الشركات، هو النظام الذي يوجه الشركة ويضمن الرقابة عليها لضمان تحقيق أهدافها بشكل فعال ومسؤول. تشمل الحوكمة مجموعة من السياسات والممارسات التي تحدد كيفية توزيع السلطات والمسؤوليات بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية والمساهمين. الهدف الرئيسي من حوكمة الشركات هو تحقيق الشفافية، المساءلة، والعدالة في إدارة الشركة.
عندما تتمتع حوكمة الشركات بالقوة، فإنها تسهم في تقليل الفساد، وتعزيز الثقة بين المستثمرين، وتحسين الأداء المالي للشركة. فعلى سبيل المثال، الشركات التي تتبنى مبادئ الحوكمة الرشيدة تتمكن من جذب الاستثمارات بشكل أفضل، إذ يشعر المستثمرون بالاطمئنان إلى أن أموالهم تُدار بشكل مسؤول وأن مصالحهم محمية. تجتمع أخلاقيات العمل وحوكمة الشركات بشكل متكامل لضمان نجاح الشركات واستدامتها. فعلى الرغم من أن الأخلاقيات تمثل التطبيق العملي للقيم المدعومة من قبل الحوكمة، فإن الحوكمة توفر الإطار الهيكلي الذي يعزز هذه القيم. باختصار، لا يمكن فصل أخلاقيات العمل عن حوكمة الشركات، إذ يعمل الاثنان معاً لضمان أن الشركة تتصرف بشكل مسؤول وشفاف.
على سبيل المثال، عندما تتبنى الشركة مبادئ أخلاقية قوية، تصبح أكثر ميلًا لتطبيق ممارسات حوكمة فعالة، مثل تعزيز الشفافية في الإفصاح المالي وتوفير آليات محاسبية فعالة. وفي المقابل، يساهم وجود نظام حوكمة قوي في تشجيع السلوكيات الأخلاقية، من خلال تعزيز المساءلة وإرساء آليات للحد من الفساد والسلوكيات غير الأخلاقية. ورغم الأهمية الكبيرة لأخلاقيات العمل وحوكمة الشركات، تواجه الشركات تحديات في تطبيق هذه المبادئ بشكل فعّال. من بين هذه التحديات الضغوط السوقية التي تدفع الشركات إلى التركيز على الأرباح قصيرة الأجل على حساب القيم الأخلاقية، بالإضافة إلى صعوبة تنفيذ معايير الحوكمة في البيئات التي تفتقر إلى قوانين وتنظيمات قوية.
ومع ذلك، فإن الفرص التي تتيحها أخلاقيات العمل وحوكمة الشركات تفوق بكثير هذه التحديات. الشركات التي تلتزم بهذه المبادئ تكون أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات في بيئة المنافسة، وتحقيق نمو مستدام، وبناء سمعة قوية تعزز ولاء العملاء والموظفين. في نهاية المطاف، تُعتبر أخلاقيات العمل وحوكمة الشركات ركيزتين أساسيتين لنجاح أي منظمة في عالم الأعمال الحديث. فهي لا تعزز الثقة والشفافية فحسب، بل تساهم أيضًا في تحقيق الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية. الشركات التي تدرك أهمية هذه المبادئ وتعززها تكون في وضع أفضل لمواجهة التحديات المستقبلية وتحقيق النجاح على المدى الطويل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال