الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في خضم الزخم الذي تشهده سوق العقارات في مدينة الرياض، برزت مؤخرًا صفقة لافتة تمثّلت في بيع أرض بحي الملقا بقيمةٍ تصل إلى 987 مليون ريال، وبمتوسط سعرٍ للمتر المربع ناهز 34 ألف ريال. تأتي هذه الأرقام في وقت تشير فيه بعض التقديرات العقارية إلى أن الأسعار في شمال الرياض كانت تدور حول 25 إلى 28 ألف ريال للمتر المربع قبل نحو عام، ما يعني زيادةً تتراوح بين 20% و36%. وبالرغم من أنّ مثل هذه الصفقات تسلّط الضوء على جاذبية الاستثمار العقاري في العاصمة، فإنّها قد تسهم أيضًا في خلق فجوةٍ أوسع بين العرض والطلب.
1. تأثير الأخبار على توقعات الملاك والمستثمرين
ينطلق كثير من الاقتصاديين السلوكيين من فرضية أنّ الأخبار الإيجابية أو “الضخمة” حول ارتفاع أسعار العقار تؤدي إلى “ترسيخ” توقعات جديدة للملاك والمستثمرين (Anchoring Effect). ففي أعقاب صفقة ضخمة كتلك التي شهدها حي الملقا، قد يرفع الملاك سقف الأسعار المطروحة، ظنًّا منهم بأنّ السوق تمضي قدمًا نحو ارتفاعات إضافية. ونتيجة لذلك، ينشأ سلوك “التمسّك بالأصول” (Holding Out)، حيث قد يفضّل المالك إبقاء العقار غير معروض أو غير مؤجر لفترة أطول، طمعًا في مزيد من الارتفاع السعري.
2. انعكاسات مضاعَفة على الطلب الحقيقي
في المقابل، يواجه المشترون والمستأجرون تحديات عدة؛ فارتفاع التوقعات السعرية لدى الملاك قد يدفع شريحةً منهم إلى التريّث أو الإحجام عن الشراء أو الاستئجار، في ظل قدرة شرائية لا تواكب هذه الوتيرة من الارتفاع. وعندما تتّسع الفجوة بين ما يمكن أن يتحمّله طالب العقار وبين ما يرغب المالك في الحصول عليه، يُصبح جزءٌ من الطلب “مقيّدًا”، ما يخلق حالة من عدم التوازن في السوق.
3. تغذية “دوامة الارتفاع”
تأتي الصفقات الكبرى لتخلق ما يشبه “دوامة ارتفاع الأسعار”؛ إذ يستشهد الملاك الجدد بالأسعار المعلنة للصفقات الضخمة في بناء استراتيجيتهم التسعيرية. وحين تتكرّر هذه العملية في مناطق متقاربة، قد تنتشر فكرة أنّ الأسعار “لا تتوقف عن الارتفاع”، وهو ما يشجّع مزيدًا من عمليات المضاربة الساعية لجني مكاسب رأسمالية مستقبلية. وفي ظلّ عدم زيادة المعروض العقاري بالوتيرة اللازمة لاستيعاب هذا الطلب الإضافي—أو إصرار الملاك على عدم البيع إلا بأسعار أعلى—يتسارع تفاقم الفجوة بين الطرفين.
4. هل من نهاية لهذه الدائرة؟
بحسب النظرية الاقتصادية الكلاسيكية، فإنّ الأسعار ستتجه في نهاية المطاف إلى التوازن عندما يصل الطلب الحقيقي والمتاح إلى نقطةٍ تصبح فيها الأسعار المرتفعة غير مجدية؛ عندها إمّا أن يتراجع الملاك عن أرقامهم أو يتضاءل عدد المشترين. غير أنّ طبيعة السوق العقاري، التي تتسم بطول دورات البيع والشراء وصعوبة إعادة توجيه المعروض بسرعة، تجعل تصحيح الأسعار يستغرق وقتًا أطول، ما يسمح لهذه التوقعات المرتفعة أن تستمر لفترات قد تكون طويلة.
خلاصة
إنّ الصفقة العقارية الكبرى في حي الملقا ليست مجرّد رقمٍ قياسي فحسب، بل تمثّل حلقة في سلسلة من الأحداث التي تُشكِّل التوقعات السلوكية والقرارات الاستثمارية في سوق العقارات بالرياض. وفي حين أنها تؤكد جاذبية القطاع العقاري، فإنها قد تخلق “أثرًا مضاعِفًا” على قرارات الملاك والمستثمرين، ما يزيد من احتمالية توسيع الفجوة بين العرض والطلب. ولعلّ مراقبة المؤشرات السعرية وتوفير مزيدٍ من البيانات الشفافة حول السوق، إضافةً إلى تطوير سياسات تحفّز المعروض المناسب، من شأنها كبح ارتفاعات غير مبررة والتخفيف من التقلّبات التي قد تؤثر في استقرار السوق على المدى الطويل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال