الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تسيطر شركتان في العالم حاليا على 78% من جميع الإعلانات عبر الإنترنت في الولايات المتحدة، هما “جوجل” و”فيسبوك”، فيما تدير شركة واحدة في العالم نصف المبيعات عبر الإنترنت تقريبًا في الولايات المتحدة، وهي شركة التجارة الالكترونية “أمازون”، وتبلغ القيمة الاجمالية لهذه الشركات الثلاث أكثر من 2 تريليون دولار، حيث تتعامل شركة “جوجل” مع 90% من عمليات البحث عبر الإنترنت في العالم، في الوقت الذي يعتبر فيه “فيسبوك” موطنا لملياري مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي – أي ربع سكان العالم.
وتعتبر “أمازون” الشركة الثانية على مستوي العالم التي تجاوزت قيمتها السوقية حاجز الترليون دولار، والشركة التي صنعت اغني رجل في العالم في الوقت الحالي، جيف بيزوس الذي تقدر ثروته بما يزيد عن 150 مليار دولار.
وتقارب حصة هذه الشركات العملاقة بالسوق في صناعتها، الحصة السوقية لأكبر احتكار في تاريخ الولايات المتحدة، “ستاندرد أويل” الأمريكية، والتي كانت تسيطر على 90 إلى 95 % من النفط في الولايات المتحدة حتى عام 1911 عندما أمرت بالتخلي عن مقتنياتها (والتي تصل مجموعها الى 33 شركة) وذلك بموجب “قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار”، والذي تم إقراره في العام 1890، وكانت أكبر شركات النفط الأمريكية اليوم، مثل إكسون وموبيل وشل وشيفرون، جميعها من شركة ستاندارد أويل قبل العام 1911.
ومن المعروف أن الرجل الذي يقف وراء ستاندارد أويل، رجل الأعمال الأمريكي “جون روكفيلر”، يعتبر أغنى رجل في تاريخ الولايات المتحدة بصافي ثروة 340 مليار دولار بالأرقام النقدية الحالية. فهل نعيش حاليا في ثاني أكبر احتكار في التاريخ، أم أصبحت القوانين أقل صرامة؟
في حين أن صناعة التكنولوجيا هي الأكثر احتكارا إلى حد بعيد اليوم، فإن صناعة الطيران تأتي في المرتبة الثانية في ظل سيطرة أكبر أربع شركات طيران أمريكية عما يقرب من 70% من سفر شركات الطيران في الولايات المتحدة. الفرق الرئيسي بين احتكار صناعة التكنولوجيا واحتكار صناعة الطيران هو السرعة والخطر الذي ينمو فيه الاحتكار.
وتتصدر الشركات العملاقة الثلاثة “جوجل”، “فيسبوك”، “أمازون” قطاعاتها لأنها تمكنت من الاستحواذ على أي من الشركات المنافسة الصغيرة الناشئة، أو اغلاقها.
واذا اخذنا “جوجل” على سبيل المثال، عندما لاحظوا أن هناك برنامجًا آخر للتصفح باسم Waze بدأ يكتسب حصة في السوق ويجتذب الاهتمام، كان هدف “جوجل” هو شراء المتصفح مقابل 1.15 مليار دولار لهزيمة المنافسة جزئيًا، وابعاده جزئيًا عن “فيسبوك” والمنافسين الرئيسيين الآخرين.
فيما درجت “فيسبوك” على ذات الإستراتيجية باجراء عمليات استحواذ قياسية مثل الاستحواذ على تطبيق “واتساب” في العام 2014 مقابل 19 مليار دولار، كذلك الاستحواذ على شبكة التواصل الاجتماعية “إنستغرام” بعد 18 شهرًا فقط من إطلاقه في ظل إيرادات صفرية و30 مليون مستخدم فقط في العام 2012 مقابل مليار دولار.
وفيما يتعلق بهذا الجانب، تعتبر شركة “أمازون” هى الأولى التي تخسر الأموال عن قصد، بغرض تحقيق هدفها النهائي، وهو هزيمة المنافسة، في حالة “أمازون كيندل” – وهو نظام أو برنامج لقراءة الكتب الإلكترونية وغيرها من الوسائط الرقمية – تم بيع الجهاز فعليًا دون سعره التصنيعي، وكان هذا جيدًا بالنسبة لشركة “أمازون” التي طالما حافظت على حصتها في السوق، ويمكنها حاليا جني الأموال من خلال بيع الكتب من تطبيق “أمازون كيندل” حيث يسيطر التطبيق على سوق الكتب الإلكترونية بأكثر من 83% من مبيعات هذه الكتب في الولايات المتحدة.
واذا أخذنا خدمة أمازون برايم “Amazon Prime” على سبيل المثال فإن هذا الاشتراك السنوي يتيح توصيل مجاني لمدة يومين، بالإضافة إلى البث المجاني للموسيقى والأفلام مقابل رسم سنوي قدره 79 دولارًا، حيث أصبح أكثر من نصف عملاء “أمازون” مشتركين رئيسيين بالخدمة. في الواقع، كانت أمازون تخسر 11 دولارًا لكل مشترك رئيسي، أي حوالي 1 إلى 2 مليار دولار سنويًا. لماذا يعتبر الأمر مجديا بالنسبة لأمازون؟ لأنه أدى إلى ارتفاع أسعار أسهمها بأكثر من 300% في غضون عامين عندما تراجعت معظم أسهم شركات تجارة التجزئة الأخري.
تم استخدام هذه الإستراتيجية لجعل شركة أمازون مُدمَنة من قبل عملائها، فقد قال عضو سابق في فريق تطوير برايم: “أن الأمر لم يكن متعلقا بمبلغ 79 دولارًا تقريبًا، بل كان يتعلق بتغيير عقلية الناس، بعدم التسوق في أي مكان آخر”. عندما قررت شركة “أمازون” رفع الرسوم إلى 99 دولارًا في العام 2014 بدلاً من 79 دولارًا، فقد جدد 95% من مشتركي الخدمة اشتراكاتهم، وتعتبر هذه نسبة مذهلة لمن فضلوا الاحتفاظ بالخدمة. فشركة “أمازون” حاليا ليست مجرد منصة للتجارة الإلكترونية، ولكنها أيضًا عبارة عن منصة للتسويق وناشر كتب وشبكة لوجستية وشبكة نقل ومصنّع أجهزة ومصمم أزياء ومنتج أفلام وخدمة تلفزيون وخدمة دفع ومزود خدمة سحابية.
وقد تم تصميم هذه الاستراتيجيات للوصول الى مرحلة قتل المنافسة، وتحدث الهيمنة على الصناعة عن طريق الاستحواذ على الشركات والأعمال، أو عن طريق خفض الأسعار إلى الحد الذي لا يمكن المنافسة فيه.
ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك مثال على ما فعلته “أمازون” بشركة Quidsi والتي تعتبر شركة تجارة إلكترونية متنامية تمتلك العديد من مواقع التجارة الإلكترونية مثل diapers.com فبعد أن رفضت الشركة عرض أمازون بالبيع، بدأت أمازون في تتبع جميع سلعها وخفضت الأسعار بنسبة تصل إلى 30% وفقدت مئات الملايين في هذه العملية.
ونظرًا لأن شركة Quidsi لم تتمكن من المنافسة على خصومات بنسبة تصل الى 30% على منتجاتها، فقد اضطرت إلى البيع في العام 2010 وكان لديها عرضان: عرض احدهما من “أمازون”، والآخر من “وول مارت”. فعندما سمعت “أمازون” عن عرض “وول مارت”. أيضًا، هددوا شركة Quidsi بأنهم سيخفضون الأسعار أكثر في حال بيعهم إلى “وول مارت”. وبعد أن تم تجريدهم من خياراتهم، تم بيع Quidsi إلى “أمازون” في العام 2010 مقابل 545 مليون دولار وأغلقت Quidsi على الفور.
السؤال، هل ستصبح البيانات غير مركزية أم ستصدر قوانين جديدة لتحطيم عمالقة التكنولوجيا؟ بعد كل ما سبق، لا يمكننا أن نستبعد أننا نعيش في ثاني أكبر احتكار في التاريخ، وما نعرفه بالتأكيد هو أن السنوات والعقود المقبلة ستكون مثيرة للاهتمام للغاية لمشاهدة ما يحدث.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال