الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لكل مدينة في العالم روحٌ تتجلى في طرازها العمراني، فهو ليس مجرد مبانٍ وشوارع، بل سجلٌّ يحكي حكايات أهلها، يعكس ثقافتهم، ويترجم أسلوب تفكيرهم عبر الزمن. من تخطيط الشوارع والأرصفة والمساحات الخضراء إلى تفاصيل الواجهات والمواد المستخدمة والألوان والزخارف، كلها تشكل هوية المدينة، وتجعلها كتابًا مفتوحًا يروي فصول تاريخها وتطورها.
خذ لحظة وتأمل تخطيط المدن النجدية القديمة، ستجد أنها ليست مجرد تصاميم هندسية، بل فلسفة عميقة تستلهم من البيئة وتتكيف معها بذكاء. الواجهات الطويلة، تلاصق البيوت، الأزقة التي تتلوّى كأنها شرايين الحياة، كلها ليست وليدة الصدفة، بل نتاج عقلية صاغت العمارة كحلٍّ لمعادلات الطبيعة، في تصميم هندسي يخفف من قسوة الشمس الحارقة، بينما تحصّنت المدن بسُوَر وبوابات محكمة، تنظم الدخول والخروج وتوفر الأمان للسكان. أما الطرق الداخلية، فكانت تقود إلى مركز المدينة، حيث تتربع الأسواق المركزية والمسجد الكبير وقصر الحكم، في تخطيط يعكس نبض الحياة اليومية آنذاك.
أما واجهات المباني، فحملت في طياتها قيم المجتمع؛ حيث ارتفعت النوافذ إلى الطوابق العليا حفاظًا على الخصوصية، بينما زُوّدت الجدران بفتحات صغيرة للتهوية، تحاكي “العين السحرية” التي تمنح السكان رؤية الزائرين دون كشف الداخل. كل عنصر معماري هنا لم يكن مجرد خيار جمالي، بل كان قرارًا وظيفيًا مستوحًى من الثقافة والبيئة والاحتياجات اليومية.
لكن، كما تغيّرت المدن، تغيّر العمران، حيث كاد هذا الطراز العريق أن يذوب في زحام الحداثة، لولا أن جاءت رؤية استثنائية أعادت له الحياة، بل وجعلته أكثر بهاءً. كان ذلك حين رأى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – أن الهوية ليست شيئًا يُحفظ في كتب التاريخ، بل إرث يجب أن يُعاد صياغته ليلائم العصر. وهكذا، بدأ مشروع إحياء الطراز النجدي، كإبداع معاصر ينهل من جذوره ليحلق في فضاء المستقبل.
ومن هنا وُلد “الطراز السلماني”، حيث اندمجت الأصالة مع الحداثة في سيمفونية عمرانية تجعل المباني تتحدث بلغة الماضي والمستقبل، في آنٍ واحد.
ولم تتوقف الحكاية هنا، بل أتى سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – ليخط بيده رؤية أكبر وأشمل، عبر “خريطة العمارة السعودية”، التي لم تقتصر على طراز واحد، بل امتدت لتشمل ١٩ طرازًا معمارياً، كل منها مستوحًى من روح منطقة مختلفة، ليصبح المشهد العمراني السعودي قصيدة متعددة الأبيات، تحتفي بتنوّع ثقافي مذهل، لم يكن ليُرى بهذا الوضوح لولا هذه المبادرة الرائدة.
ما يحدث اليوم ليس مجرد ترميم لماضٍ جميل، بل هو تسويق عبقري للمدن السعودية، بطريقة تجعل كل زاوية فيها تحكي قصة، وتجعل كل مبنى فيها مرآة تعكس أصالة لا تبهت مع الزمن. تخيل أن تسير في مدينة سعودية فتشعر أنك تعبر فصول التاريخ، دون أن تغادر الحاضر، وتجد أن كل حي فيها له شخصيته الخاصة، وكل نافذة تحكي حكاية من تراثها العريق.
هذا التوجه العمراني الجديد لن يقتصر على إرضاء الذائقة الجمالية، بل سيلامس شغف الزوار والمستثمرين، وسيحوّل مدن المملكة إلى متاحف معمارية ضخمة، تقف جنبًا إلى جنب مع المشاريع الكبرى الأخرى، لتقول للعالم: هنا، حيث يلتقي المجد بالحلم، وحيث تُكتب هوية المستقبل بحروفٍ من تراث.
الطراز العمراني هو توقيع المدن على الزمن، ورسالته للأجيال القادمة. واليوم، المملكة لا تبني المباني فحسب، بل تبني ذاكرة تُقرأ بعيونٍ ملؤها الدهشة والفخر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال