الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لو حاولت البحث عن مفهوم “هرم العلامة التجارية” ستصادف عشرات النماذج المختلفة منه، هذا يعني أن المتخصصين بقدر إعجابهم بهذه الأداة اختلفوا في فهمها وتطبيقها، وقبل هذا اختلفوا في تعريف العلامة التجارية وطبيعة علاقتها بالمستفيد Stakeholder عموماً وبالعميل أو الزبون. هذه الاختلافات شائعة فيما بين خبراء الاتصال والعلاقات العامة، وفيما بين مخططي التسويق، والاتصال التسويقي المتكامل IMC، لكن إذا كان أصحاب التخصص مختلفين فكيف سيكون حال برواد الأعمال الطموحين، والمدراء التنفيذيين المطالبين باعتماد الخطة العامة للعلامة التجارية والموازنات المناسبة؟ مع هذه التحديات يبرز سؤال آخر هو: هل من الشائع محلياً بناء العلامة التجارية والهوية على معايير صحيحة متسقة مع الأهداف والتموضع Positioning؟
قبل كل شيء “هرم العلامة التجارية brand loyalty pyramids” أداة استراتيجية تحاول تفسير العلامة التجارية منذ إطلاقها في السوق، ثم تعرّف العميل المحتمل عليها وحتى تصل إلى أعلى درجات التفاعل والولاء، أما في التسويق فاستخدمت لرسم ملامح هوية العلامة التجارية من السمات الأساسية وصولاً إلى جوهر العلامة، ثم في تحديد فرص التفاعل لكل مستوى من مستويات الاتصال بالعميل من مرحلة التماس الأولى وحتى مراحل التفاعل المتقدمة. ومع هذا الاختلاف الوظيفي، يتفق الجميع على حيوية النموذج في التخطيط الاتصالي لكل مجموعة من المستفيدين.
من حقوق الملكية إلى الولاء الرقمي
في البداية ارتبطت شهرة هذا الهرم بتشكيل الفهم الحديث لحقوق الملكية التجارية في النماذج الأولية لكيلر وغيره، ثم استُخدمت كرسم بياني لتبسيط استراتيجيات التسويق، ثم كنموذج لفهم وتقسيم ولاء العملاء في مراحل مختلفة من التفاعل، خبراء العلاقات العامة والتسويق الاجتماعي أضافوا للنموذج أبعاداً أخرى مثل تتبع الروابط العاطفية العميقة، آثار التفاعل، ودرجة ارتفاع وانخفاض التوقعات، ثم بدأ يشيع تسميتها بهرم الولاء للعلامة التجارية وأخيراً بدأ التركيز على نقل النموذج باعتباره ناجحاً جداً في فهم وتطوير “الولاء الرقمي”.
مستويات الاتصال والعلاقة
ويعمل هرم العلامة التجارية على تفسير تطور ولاء العميل المرتبط بسلوك العلامة التجارية بعد إطلاقها وتطورها في رحلة التموضع في السوق، ويقترح النموذج أن هذه العلاقة تمر بمستويات متتابعة (الأول) في قاعدة الهرم وهي بداية تعرف العميل على الميزات والخصائص الأساسية للمنتج أو الخدمات، في هذه المرحلة تبدأ أولى الخطوات في بناء توقعات العملاء، وقياسها والتنبؤ بمدى النجاح المتوقع، وهي الفرصة الأولى للعلامة التجارية لتقدم مبررات وجودها Value proposition.
وتلعب خصائص المنتج وسلوك العلامة التجارية دوراً كبيراً في نقل المستفيد أو العميل المتوقع من فهم العلامة إلى تحسس الفوائد الوظيفية (المستوى الثاني) وكيف سيعمل المنتج في صالح المستفيد أو مساعدته في حل مشكلة لديه أو حاجة في السوق. وبالتالي سيكون العميل أكثر استعداداً للتجربة، ويبدأ هنا في البحث عن المزايا العاطفية (المستوى الثالث) والتي تقنعه بالشراء وأخد المخاطرة، ومع اتساق الاتصال المخصص، والحوافز الشخصية المجدولة، وكسر الجمود بعروض أو مزايا تتجاوز التوقعات إلى تعزيز ملامح وشخصية العلامة التجارية (المستوى الرابع) والتي تجسد هوية منتظمة ومتفاعلة بشكل ونبره وأسلوب مؤثر، محفز، أو مريح للجمهور، هذه المشاعر تهدف للوصول إلى مرحلة الإخلاص للعلامة التجارية (المستوى الخامس) في قمة الهرم؛ والتي يصبح معها تفضيل العلامة على المنافسين واضحاً وصامداً في مواجهة تبدل القناعات وتنوع البدائل، بفضل الثقة و(العشرة). هذا السرد المختصر لمستويات بناء التفاعل مع العلامات التجارية يفسر (بشكل جزئي) اختلاف أساليب الإعلان من حيث التركيز على المنطق أو العاطفة حسب الجمهور المقصود، والمستوى الذي وصل إليه في علاقته مع العلامة التجارية. كما أنه يساعد مدراء الحملات في صياغة سرديات مفصلة للتوافق مع حالة الزبون resonates على مستويات متعددة بتنوع المستويات وطبيعة كل منها.
عيوب النموذج
ومع أن هذا النموذج فعّال في تحسين استراتيجيات الاتصال إلا أنه كغيره غير مكتمل فهو يركز على ٤ جوانب رئيسية هي: بناء هوية العلامة التجارية، المستفيد ودرجة العلاقة معه، وتطوير شكل ومضمون الاتصال بناءً على المرحلة التي يصلانها سوياً في هرم العلامة التجارية، إلا أن النموذج يهمل عوامل مهمة مثل: تمركز المنافسين، اتجاهات السوق، طبيعة القطاع والنشاط، الاختلافات في فهم وتفسير المنتج والثقافة المحيطة Localization، نوع المنتج وندرته ومدى الحاجة إليه.
عمق العلامة التجارية
هذا القصور لا يقلل أبداً من أهمية هذا النموذج متى ما استخدام بصورة صحيحة وفي إطار الاتصال المؤسسي الشامل؛ حتى أن أهميته واستخداماته ازدادت مع تنوع وتعقيد الإتصال في بيئات السوق الحديثة، وخاصة في السوق الرقمي، ويُركز عليه في التمركز الرقمي عن طريق رفع فرص التواصل في كل مرحلة اتصالية لتحقيق الأهداف المطلوبة مثل الاستحواذ، رفع البيع، تكرار البيع، رفع الولاء وكل هذه الأهداف تتطلب أنواع مختلفة من المرونة بين الأساليب العقلانية، العاطفية المتوافقة مع توقعات وسلوك المستهلك في كل مرحلة مع الحفاظ على هوية وشخصية متجانسة فيما يعرف بعمق العلامة التجارية.
الحال في السعودية
في السعودية وبشكل أعم في منطقة الـMEA ، مفهوم الولاء أكثر حداثة، لدرجة أن كثير من الشركات الكبرى متعددة الجنسيات أخّرت تطبيق برامج الولاء الخصة بها في السعودية والشرق الأوسط وأفريقيا بالرغم من وجود برامجها في مناطق أخرى من العالم، إلا أن التحديات التي فرضتها جائحة كورونا بينت الحاجة لولاء العميل خاصة في الأزمات، وفي أي رحلة مير وتموضع العلامات التجارية وإعادة تمركزها أيضاً Repositioning، الأمر الآخر والذي مثل صدمة لبعض أصحاب العلامات التجارية المحلية والكثير منها لم يستطع تجاوزها أو دفع ضريبة التغيير، هي أن كثير من العلامات التجارية المحلية، لم تُصمم لتصبح علامة تجارية، ولم ترتبط بنموذج ملائم لمواكبة التفاعل مع بشر، ولم تلق أي اهتمام لحقيقة وجود فصّين مختلفين في رؤوس الجمهور الأول عقلاني، والثاني عاطفي، وكلاهما يسيطر على القرار في وقت معين، وظروف معينة، لذا احتاج الأمر وسيحتاج كما يبدو لسنوات أكثر لفهم التفاعل بين الهوية والمستفيد، وصناعة الولاء وأثره في تموضع العلامة التجارية.
أخيراً هذا النموذج وغيره من نماذج الاتصال أدوات لابد وأن تستخدم في مكانها الصحيح، وتستبدل عند الحاجة لكن يبق الثابت هو الأثر التي يحدثه التطوير المستمر في العمق الاتصالي للعلامة التجارية وعلاقتها مع المستفيدين. الدراسات والتوجهات التي تقود بيئة الأعمال تحمل مؤشرات وأرقاماً كثيرةً في هذا الاتجاه، وأعتقد أننا في السعودية والشرق الأوسط أكثر حاجة لقراءتها عند التخطيط لبناء علامة تجارية جديدة، إعادة تموضع في السوق، التوسع أو الدخول في أسواٍ جديدة ومع كل يوم في حياة المنظمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال