الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كان الصمت يملأ قاعة الاجتماعات، اجتمع مجموعة من التنفيذيين حول طاولة خشبية كبيرة، وأعينهم مثبتة على العرض التقديمي المضيء على الشاشة الضخمة.
تحدث المدير المالي للشركة بصوت مضطرب مليء بالقلق: “نعرض لكم الميزانية اللازمة للسنوات الثلاث القادمة، ولكن كما ترون، بدأت إيرادات المبيعات في الركود، ونتوقع استمرار هذا التراجع”.
انحنى مدير الإستراتيجية (CSO) للأمام، وكان الإحباط واضحًا في صوته:
“نحن متأخرون كثيرًا عن منافسينا”.
عقد رئيس مجلس الإدارة ما بين حاجبيه وسأل: لماذا؟ هل قمنا بدراسة ماهي القيمة المضافة التي يقدمونه خلافا عنا؟
تردد أحد أعضاء المجلس قبل أن يجيب:
إنهم يستثمرون بكثافة في التحول الرقمي، ويقومون بمواءمة استراتيجيتهم مع أحدث التقنيات الناشئة التي تعيد تشكيل قطاعنا.
ساد الصمت القاعة مجددًا.
تحدث نائب رئيس مجلس الإدارة ليقطع الصمت قائلاً:
“ربما يجب أن نستثمر في الذكاء الاصطناعي التوليدي، ولكن.. من أين نبدأ؟ ما الذي يجب أن نعطيه الأولوية من منتجاتنا أو قطاعتنا؟”
رفع الرئيس التنفيذي، وهو قائد ذو خبرة تمتد لعقود، قلمه ونقر به على الطاولة.
حسنًا، ما هي خطتنا؟ هناك عدة طرق لمعالجة هذا الأمر، ويجب أن يختار المجلس المسار الأكثر فعالية والتي مطروحة لكم على الطاولة.
ولكن لم تكن هناك إجابة.
افتقدت قاعة الاجتماع إلى صوت حاسم، لشخصٍ يمكنه أن يقول بثقة:
🔹 هذا هو تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على أعمالنا.
🔹 هذه هي المخاطر إذا لم نتحرك الآن.
🔹 هذا هو السبيل الأمثل للبقاء في المقدمة.
لم يكن هناك في المجلس عضوٌ خبيرٌ في مجال التقنية، لم يكن هناك من يتحدى الفريق التنفيذي، أو يقدم التوجيه، أو يعزز الثقة في هذا الاتجاه الجديد، كان الفريق التنفيذي يبحث عن الحكمة والرؤية الإستراتيجية من مجلس الإدارة، لكن لم يكن لدى أي من الأعضاء خبرة في الذكاء الاصطناعي أو التحول الرقمي أو التقنيات الناشئة.
يظل الخبراء في القطاعات التقليدية أصحاب قيمة كبيرة، ولكن التحديات الحديثة تتطلب رؤى إضافية، لا سيما في عصر التحول الرقمي.
يجب على مجالس الإدارة اليوم أن تبدأ في تضمين أعضاء ذوي خلفيات تقنية لضمان جاهزية المؤسسات للمستقبل وتمكينها من التعامل مع أي تحولات رقمية، بدون هذا النوع من الخبرة، تخاطر الشركات بفقدان قدرتها التنافسية بينما تتطور القطاعات بسرعة غير مسبوقة.
لا يقتصر هذا التحدي على شركة واحدة.. على مستوى مختلف القطاعات، تواجه الشركات تحديات مماثلة، تكافح لفهم كيف تعيد التكنولوجيا الناشئة تشكيل المنافسة ونماذج الأعمال؟
ومع ذلك، تتخذ مجالس الإدارة قرارات استثمارية ضخمة في التكنولوجيا دون أن يكون لديها أي شخص على الطاولة لديه خبرة مباشرة في هذه المجالات.
هل تثق في مجلس إدارة ليس لديه عضو بخبرة مالية للإشراف والتدقيق على الاستثمارات والنفقات؟
أو مجلس إدارة بدون عضو خبير في الحوكمة أو القانون للتعامل مع المخاطر والتنظيمات؟
أو مجلس إدارة بدون خبير في القطاع لتوجيه القرارات الإستراتيجية؟
إذن، لماذا تعتقد العديد من مجالس الإدارات أنها تستطيع إدارة الاستثمارات التقنية واتخاذ قرارات التحول الرقمي بدون خبير تقني في الغرفة؟
حسب تقرير McKinsey أقل من 10% من شركات Fortune 500 لديها رئيس تنفيذي لتقنية المعلومات (CIO) أو رئيس تنفيذي للتكنولوجيا (CTO) في مجالس إدارتها، رغم أن التكنولوجيا أصبحت المحرك الأساسي لكل استراتيجيات العمل تقريبًا اليوم.
كما يشير تقرير لدراسة قامت بها PWC في عام 2023 وحده، كلفت الهجمات الإلكترونية الشركات أكثر من 8 تريليونات دولار، ومع ذلك تفتقر معظم مجالس الإدارة إلى الخبرة اللازمة لتقييم مخاطر الأمن السيبراني بفعالية.
كما تتوقع هارفرد أن يساهم الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي بـ 4,4 تريليون دولار سنويًا، ولكن لا تمتلك معظم مجالس الإدارة أي نهج منظم لحوكمة تبني الذكاء الاصطناعي.
لم تعد التكنولوجيا مجرد أداة تشغيلية، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الحديثة للأعمال، ومع ذلك لا تعطي العديد من مجالس الإدارة الأولوية لمناقشة التكنولوجيا إلا عندما يحدث اضطراب أو تحدٍ مفاجئ.
بدأت الهيئات التنظيمية في اتخاذ إجراءات تجاه هذا الموضوع، ففي الولايات المتحدة، فرضت لجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC) على الشركات العامة الإفصاح عما إذا كان لديها أعضاء في مجلس الإدارة لديهم خبرة في التكنولوجيا والأمن السيبراني، بهدف ضمان تكيف الحوكمة المؤسسية مع المشهد الرقمي سريع التغير والتأكد من وجود حوكمة تقنية فعالة.
وفي المملكة العربية السعودية، تم بالفعل تبني التحول الرقمي على أعلى المستويات، حيث تم دمج الذكاء الاصطناعي، والأتمتة، والتقنيات الناشئة في رؤية المملكة 2030، واصطفت المملكة في أعلى المستويات في مجال التحول الرقمي وتبني التقنيات الناشئة على مستوى عالمي.
ويبقى التحدي الآن على الشركات في مختلف القطاعات لمواكبة هذا التحول الرقمي، حيث لا تزال بعض مجالس الإدارة لم تدمج حوكمة التكنولوجيا بالكامل في هيكل قيادتها والذي من شأنه دعم التحول السريع للتحول الرقمي.
ففي الشركات السعودية، الرسالة واضحة: إذا كان التحول الرقمي يعيد تشكيل القطاعات، فيجب أن تتطور الحوكمة المؤسسية معه، لأن المسؤولية تقع أولاً على عاتق مجلس الإدارة قبل الإدارات التنفيذية، بينما تتكيف بعض المؤسسات بشكل استباقي، بينما لا يزال البعض الآخر مترددًا في إعادة هيكلة مجالس إدارته لتشمل قيادة تقنية.
فهل نتوقع أن تتبع هيئة السوق المالية (CMA) نفس النهج الذي اتبعته لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) وتفرض إرشادات تشجع الشركات العامة على وجود عضو واحد على الأقل في مجلس الإدارة لديه خلفية تقنية؟
في نهاية المطاف، تقع على عاتق مجلس الإدارة مسؤولية ضمان نمو الشركة وقدرتها التنافسية واستدامتها على المدى الطويل.
وحتى يحين ذلك اليوم.. عندما يجتمع مجلس الإدارة التالي لمناقشة استراتيجيات الشركة، يجب أن يسألوا أنفسهم: “هل لدينا الأشخاص المناسبون في الغرفة؟”
لأننا في عالم يقوده الذكاء الاصطناعي، والشركات التي تفتقر إلى قيادة تكنولوجية داخل مجلس الإدارة قد بدأت بالفعل في التراجع أمام موجة التطور التكنولوجي غير المسبوق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال